أسطورة

بلال رفعت شرارة

أزعم أنني أنا أسطورة أيضاً !

ارتكز الأديب العالمي فيكتور هيغو في تصويره بطلّ روايته عمال البحر الى أنه – البطل – شُوهد يصافح صخرة تغني و… أنا أكثر من ذلك ولكن لم أفكر لمرة واحدة ان استثمر على نفسي. فأنا قضيت ليالي حراستي لشرق بلدتي وحيداً إلا في ما ندر، ولكن في الحقيقة لم أكن وحدي إلا لبضعة ليالٍ لعلّ شيطاني كان يختبر فيها شجاعتي أو عقلي.

ففي الليالي الأولى كنت أحاول أن أميّز هذا الذي يفرّ من حولي في عتمة الليل ولا يهتمّ لمعرفته كلمة سرّ الليل، ولا يهتمّ للإجابة على سؤالي: قف! مَن هناك؟ كلمة السرّ… وأنا ربما كنت أعجز من أن أطلق النار ففي هذا الليل وأنا لا أملك جهاز تصويب ليلياً وأشعة ما تحت الحمراء أعجز من أن أصيب جبلاً في هذا العتم فكيف أصيب شبحاً على الطاير؟

توالت الليالي وتعوّدت على الصوت الشبح الذي لم يكن إلا لدوري الليل الخفاش الذي صار صديق ليلي يبقى معي لساعات طويلة حتى وانْ أخذت نوبة حراسة عن رفاقي إذ لم أكن أريد أن أنتزعهم من عزّ نومهم وهم ربما أطالوا السهر ليتمكنوا من ادّفاء أنفسهم وأمكنة مهجعهم.

في ما بعد صار – خفاشي – أو ملاكي الحارس يسهر معي ويقاتل حتى! يسحب أقسام سلاحه إذا فعلت. يبقى مستنفراً ومستفزاً ومتوتراً الى أن أستعيد هدوئي… يحضر لي كوباً ساخناً من الشاي وشربة ماء إذا لزم الأمر. بيننا جرت آلاف القصص التي سولفني اياها. كنت أراه ولا يراه غيري… أسمعه ولا يسمعه غيري. كنا وحدنا نملك الليل من حولنا والى الشرق منا.

كانت الناس تشهد أنها رأت قبر الشيخ مضاء وتتحدث في ما بينها عن عفاريتي الرائعين، وعن أنّ أمي الشديدة الايمان قد نذرتني إلى الله سبحانه الذي يحميني من كلّ مكروه، وانّ الحاجة أم سليمان الشديدة الإيمان قد رشتني بالتراب المقدّس الخامر بكلام الله، وانني إذ أؤمن بالله وبمحبة أمي الغامرة وبعناية الحاجة المرحومة أم سليمان صرت شديد الثقة بالنفس وصرت أعتقد ولا أزال أنني وحدي أستطيع أن أهزم جيوشاً ولا حاجة لي إلى منظومات الأسلحة الحديثة، واكتشفت انّ جميع المحاربين في ضيعتنا تحرسهم عين الله ودعاء أمهاتهم واننا بهذه الصفة الاسطورية لايمكن هزيمتنا او ممارسة العدوان علينا.

الآن اكتشف العدو بضعة أنفاق تمتدّ من جبل عامل الى الجليل. أقول انّ ذلك ليس مهماً لأنّ ما بين الجبل والجليل صنعه الله وبينهما جغرافيا طويلة وعريضة، وبينهما انّ زعماء تلك النواحي قد حلفوا يميناً على السيف والمصحف ان يكونوا وشعبهم حتى النصر او الشهاده وانّ قرارنا هو دعم الشعب الفلسطيني لتحقيق امانيه الوطنية.

أنا الأسطورة وكلّ الذين أعرفهم استبدلوا استراتيجية الدفاع بالهجوم ولن نبقى، لا نتحرك إلى الأمام بل إلى الخلف كما في الحروب السابقة ولا نثبت مكاننا إلا كما فعلنا في حرب 2006 في ذروة العدوان «الإسرائيلي» على بلدنا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى