ننشغل ونختلف على تأليف حكومة جديدة في فلسطين والعدو يستولي على القدس ويعمل لتوطين شعبنا خارج وطنه

اياد موصللي

قال سعاده: في الوحدة القومية تضمحلّ العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة القومية الصحيحة التي تتكفل بانهاض الأمة. لا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل.

اتأمّل اليوم كما كلّ يوم الساحة الفلسطينية في أجزائها الوطنية والمحتلة.. كما أتأمّل الساحة العربية.. فأجد في ساحاتنا تشرذماً، وليس هنالك توحّد وتقدّم.. قبل ان نعود للمقارنة تاريخياً. وحالياً أقف أمام ما يجري من تناحر حول تأليف الحكومة الفلسطينية الجديدة هنالك مثل مستعمل عندنا يقول: «الناس بالناس والقطة بالنفاس». العدو ومن يدعمه ويؤازره يخطط البرامج ويضع الأسس لإنهاء وجودنا كأمة في امتداد وطنها والسيطرة على كلّ مقدراتها. متى تتغيّر الصورة وتنقلب الخطة وتتحقق الوحدة الحقيقية التي توصلنا لاستعادة الوطن متى… متى… متى…؟

هل نبقى نوصف وينادى لنا يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.. فما وصلنا الى ما نحن عليه إلا لأننا لم نؤمن بأنّ الأمة التي تسلّم نفسها للسلم تسلّم نفسها للعبودية.

الى متى تبقى «إسرائيل» تتغطرس وتنمي أجيالها على مفهوم أنهم «شعب الله المختار» كما جاء ي سفر اشعيا 49،3 :

«طوبى لك إسرائيل من مثلك شعب منصور بالرب هو ترس عونك وسيف عظمتك. لك تخضع أعداؤك وأنت تطأ مشارفهم.. أنت عبدي فأني بك الممجّد. كلّ من يتمرّد ويقف ضدّ إسرائيل، فإنه يتصرف كما لو انه يتمرّد على الرب وكلّ من يكره إسرائيل يشبه من يبغض الله.. وجاء في صفحة 207 من البروتوكولات: اننا نحن اختارنا الله لنحكم الارض كلها. والله منحنا العبقرية لنطلع بهذا العبء ولو كانت العبقرية في المعسكر الآخر لبقيت حتى اليوم تناهضنا».

إذا قمنا بجرد حساب للأحداث التي مرّت بها أمتنا وأخذنا بالقياس المقارن بين وقائع وتطورات ومراحل تلك الأحداث وقارناها مع ما خطط له العدو ونفذه لوجدنا أننا لسنا أمام نبوءة بل أمام حقيقة واضحة ساطعة، ينطبق عليها المثل: «في الصيف ضيّعت اللبن»… شعوب ساهية، حكومات لا تعكس حقيقة جوهر هذه الأمة، خاوية من أية تطلعات فكرية، قومية وطنية بناءة. حكومات تعكس إرادة سلطات خارجية ولا تمثل أبداً إرادة أمة أبت أن يكون قبر التاريخ مكانها في الحياة.

في هذا الوضع الزري المؤلم وبدلاً من ارتفاع قبضة واحدة بسيف واحد يشدّها زند واحد تجابه عدواً متغطرساً متمرّساً وكما قال سعاده:

«اننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا فنحن أمام الطامعين المعتدين في موقف يترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة والموت واية نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها».

وسيبقى السيف الإسرائيلي يلعب في رقابنا ما دامت هذه الرقاب محنية على النطع وسيبقى سيفهم اشدّ فتكاً من ألسنتنا التي تلعق يد الظلم والبطش…»

هذا هو موقف ومفهوم العدو الذي نواجهه بشرذمات في الصفوف وتناحرات على المراكز والمناصب.. وعلى حكومات وسلطات وهمية عناوينها أكبر منها.. اليوم واتفاقيات إنهائنا تحضر وترتب وإنهاء الوجود في فلسطين بتوطين أبنائها خارجها.. تجديد لما فعله المهاجرون الى أميركا بأبنائها الأصليين من الهنود الحمر.. يجري كلّ هذا ويرتفع الصراخ حول حكومة فلسطينية جديدة.. هل تؤلف هذه الحكومة من حركة فتح او من فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية.

حركة حماس أكدت بالأمس انها لن تمنح شرعية لأيّ حكومة فلسطينية مقبلة «دون توافق وطني». بعد أيام من دعوة حركة «فتح» لإقالة حكومة «التوافق» وتشكيل حكومة «فصائلية» تضمّ فصائل منظمة التحرير.

وعارضت فصائل فلسطينية بمنظمة التحرير من بينها الجبهتان «الديمقراطية» و»الشعبية» وحزب «فدا» دعوة حركة «فتح»، داعية في الوقت ذاته لتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الكلّ الفلسطيني من مهامها الأساسية الإعداد لانتخابات شاملة.

شعب يجري ترتيب توطينه خارج أرضه ووطنه واتفاقيات وتنسيقات تجري بين الأعراب وحكومة «إسرائيل» التي يجول رئيسها متمدّداً في دول العالم، ومصر تستقبل الرئيس الافرنسي رافع شعار العداء لبلادنا.. ونحن لا زلنا نرفع شعارات الانقسامات والتناحرات.. ونتحدث عن الضفة وسلطتها.. وغزة وقيادتها.. انقسمنا وتمترسنا وراء هذا الانقسام.. الوفود الفلسطينية التي تحمل عناوين وأسماء العديد من المنظمات تتنقل بين العواصم الفاعلة.. تطالب بحكومة فلسطينية واحدة وحركة فتح تريدها منها.. هذا هو الآن الهمّ الكبير.. وبهذا انحسرت القضية.. ولم تعد مسألة التوطين وتهويد القدس وإزالة الوجود أمراً رئيسياً..

منذ نشأت المسألة الفلسطينية كنا منقسمين بين الهيئة العربية العليا.. وقيادة الحاج أمين الحسيني.. منذ ذلك التاريخ الى اليوم نتحدث منقسمين.. فكيف سيتحقق الانتصار ونحن على ما نحن عليه.

لماذا هذا الانقسام لماذا هذا الاختلاف وهل بمثل هذا نحقق الانتصار على عدو يقول: «دولتنا الماضية قدماً في طريقها، طريق الفتح السلمي، من حقها ان تبدّل أهوال الفتن والحروب بما هو أخف وأهون وأخفى على العيون وهو إصدار أحكام بالموت ضرورية من وراء الستار فيبقى الرعب قائماً وقد تبدّلت صورته. فيؤدّي ذلك الى الخضوع الأعمى، قل هي الشراسة ومتى كانت في محلها ولا تتراجع الى الرفق غدت عامل القوة الأكبر في الدولة. البروتوكول الاول 183 .

انّ تأمّلاً واعياً متحرّراً، لمفاهيم هذا العدو الذي أصبح قابعاً بين ظهرانينا وما يجري على ساحتنا وفي كواليس ودهاليز الحكم والسياسة من فوضى وتخلف يجعلنا نربط بين ذلك كله وبين الأصابع الخفية لهذا العدو. ولا نبعده أبداً عن كلّ الحوادث التي وقعت سواء منها تلك الاغتيالات والتي طالت جهات عديدة في لبنان بالذات والتفجيرات والاضطرابات والانتفاضات الفوضوية التي حدثت وتحدث في بلاد العرب، انّ معرفة أهداف وتوجهات العدو لا تكفي إذا أُخذت بشكل معلومات ثقافية تزيد معرفتنا بل علينا تربية أجيالنا على تحديد وسائل مجابهة هذه المخططات والأفكار والتوجهات لا ان نقع تحت براثنها بشكل او بآخر.

انّ ما يبشرنا بالخير هو تلك الروح المقاومة الرافضة لكلّ أنواع المؤامرات التي تحاك بإرادات داخلية هذه المقاومة استطاعت ان تثبت إرادة الحياة.. لذلك يقلقنا الانشغال بتحركات لا علاقة لها أبداً بجوهر المقاومة وأهدافها.. نحارب العدو بمثل ما حاربنا نقاتله نقتله ندمّره نضع جهدنا كله يداً واحدة إرادة واحدة هدف واحد هو استعادة الأرض والشعب. لن يتحقق الانتصار بالألاعيب السياسية ولا بالمظاهرات وحدها فما أخذ بالسيف بالسيف يؤخذ، قادة ذلك الزمن أضاعوا فلسطين، وقادة هذا الزمن يسيرون على خطاهم.. المقاومة هي الأمل لذلك نريدها متمركزة في خنادقها خلف بنادقها.. كلّ فرد فيها مؤمن بأنّ من تقاعس عن الجهاد فقد أخّر في سير الجهاد.. انّ التهاون والتآمر الذي ادّى الى ضياع فلسطين وتشريد الشعب لا نريد ان يتكرّر في عمليات إلهاء ولطم وبكاء.. إننا نؤمن بأنّ فينا قوة لو فعلت لغيّرت مسار التاريخ. نريد هذه القوة ان تتحرك لا أن تبقى حبيسة الانقسامات والتناحرات.. ولا ان نرفع رايات رام الله وغزة.. نريد راية فلسطينية واحدة هي راية الوحدة والعطاء.. وان نعي مهمتنا بكامل خطورتها لا أن نخاف الحرب بل الفشل.. فليس عاراً ان ننكب بل العار ان تحوّلنا النكبات من أمة قوية حرة الى أمة ضعيفة ذليلة مستعبدة مكبّلة بقيود الذلّ والاستسلام.. تمرّ على الأمم الحية القوية المحن والصعاب فلا يكون لها خلاص منها إلا بالبطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة.. فإذا لم نكن أحراراً من أمة حرة فحريات الأمم عار علينا.

السلطة الفلسطينية مذ أسست الى اليوم وهي سلطة إدارة داخلية لتجمعات وتقسيمات أشبه ما تكون بكانتونات الذلّ.. يرأسها مختار او رئيس بلدية، ماذا فعلت هذه السلطة ورئيسها.. والتي ينطبق عليها قول جبران خليل جبران:

ويل لأمة تنصرف عن الدين الى المذهب، وعن الحقل الى الزقاق، وعن الحكمة الى المنطق.

ويل لامة تكره الضيم في منامها وتخنع اليه في يقظتها. ويل لأمة لا ترفع صوتها إلا إذا سارت وراء النعش ولا تفاخر الا إذا وقفت في المقبرة ولا تتمرّد إلا وعنقها بين السيف والنطع.

ويل لأمة سياستها ثعلبة وفلسفتها شعوذة أما صناعتها ففي الترقيع.

ويل لأمة تقابل كلّ فاتح بالتطبيل والتَزمير ثم تشيعه بالفحيح والصفير لتقابل فاتحاً آخر بالتزميز والتطبيل.

ويل لأمة عاقلها أبكم وقويّها أعمى ومحتالها ثرثار.

ويل لأمة كلّ قبيلة فيها أمة».

نريد من فصائل المقاومة وحدة البندقية ووحدة الهدف ووضوح الطريق والمسار.. فإنّ هذه الطريق طويلة لأنها طريق الحياة ولا يثبت عليها إلا الاحياء وطالبو الحياة.. اما الأموات وطالبو الموت فيسقطون على جوانب الطريق..

نكرّر، عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى