المئة يوم الأولى حكومياً

البروفسور فريد البستاني

تشكل الأيام المئة الأولى من عمر الحكومة الجديدة، كما في حال كلّ حكومة جديدة أو مجلس إدارة جديد في أيّ مؤسسة عامة أو خاصة، فرصة للتعرّف على الاتجاه الذي ستسلكه هذه الحكومة في مسيرتها المقبلة طالت أم قصرت.

يعرف اللبنانيون أنّ البيان الوزراي ليس أساساً صالحاً للحكم على الحكومات، والحكومة الجديدة ستتبع تسهيلاً لبدء العمل، بياناً وزارياً يجنّبها السجالات والمناقشات، بحيث يكون نسخة أخرى مع بعض الإضافات والتعديلات عن بيانات وزارية سابقة، كما يعرف اللبنانيون أنهم لن يحتاجوا إلى انتظار جلسات المناقشة العامة التي سيشهدها المجلس النيابي لأعمال الحكومة، وما يفترض أنه جزء متمّم لها دستورياً وفقاً لمفهوم المساءلة والمحاسبة، بطرح الثقة بوزراء في الحكومة، أو بالحكومة كلها، فالمجلس الممثل تقريباً بكلّ كتله في الحكومة يصعب عليه القيام بهذه المسؤولية الدستورية بصورة ديمقراطية بينما شرط تحققها هو وجود أغلبية نيابية تدعم الحكومة وأقلية نيابية وزانة تعارضها.

سينتظر اللبنانيون الأيام المئة الأولى للحكم على الحكومة، عبر ما ستحمله هذه الأيام من إشارات تعكس مستقبلها، وسيراقب اللبنانيون أربعة أشياء ذات مغزى:

أولاً: درجة التماسك السياسي الذي سيحيط بالحكومة من القوى الرئيسية الممثلة فيها، وحجم حضور أو غياب أساليب وضع العصي في الدواليب، وسيقفون ملياً أمام ما يسمعونه من سجالات سياسية للتدقيق في مدى تعبيرها عن قرار في مكان ما لإفشال الحكومة، وربما إفشال العهد الذي يعتبرها أول حكوماته، وكما يرى البعض حكومة العهد التي سترافقه طيلة ما بقي له من سنوات، وفي الأيام المئة الأولى سيكون لدى اللبنانيين فكرة وافية عما إذا كنا أمام مناخ للإنتاج الحكومي أم نحن أمام مناخ التعطيل والتجاذب.

ثانياً: درجة الجدية في تناول الملفات المزمنة والضاغطة على اللبنانيين، ورسم خطط واضحة لحلول جذرية لها، وهذا سيكفيه أول مئة يوم ليظهر واضحاً، خصوصاً أنّ الطرف الرئيسي المعني وهو رئيس الجمهورية وتكتل لبنان القوي، وفي عهدتهما وزارات معنية بملفات كالكهرباء والنفايات، قد أعدّوا العدّة مسبقاً لما سيواجهونه في ملفات الوزارات التي يتولاها وزراء التكتل، ولن ينتظروا لتظهيرها مئة يوم، وربما تكون قوى أخرى قد فعلت مثلهم، وسيكون أمام مجلس الوزراء الوقت الكافي لمناقشة كلّ الخطط وبلورتها.

ثالثاً: كثافة الوقت الممنوح للعمل الحكومي، سواء بحضور الوزراء في وزاراتهم، أو بعمل اللجان الوزارية على الملفات التي تُحال إليها لوقوعها في مجال عمل أكثر من وزارة، أو للجولات التفقدية للمناطق والمشاريع، ودرجة التحسّن في الخدمات التي تنتجها هذه الدرجة من الجدية قبل وضع خطط الحلول الجذرية موضع التطبيق، فالترهّل في الإدارة والبيروقراطية مرضان متفشيان، يعرف اللبنانيون أنّ الوزير الجدي والحاضر والمنصرف لعمل وزارته، هو دواء شافٍ لأكثر من نصف هذا المرض، والجدية لدى الوزراء سيعكسها حضورهم الإعلامي، وابتعادهم عن النشاط الاستعراضي، والتحدّث عن وزاراتهم بلغة الفريق وبالمهنية والاحتراف عبر الإمساك بالملفات والاستناد إلى الأرقام، والتخاطب مع الناس بلغة التواضع والخدمة، وليس بالتعالي والفوقية والتمنين.

رابعاً: درجة استبدال الكلام الكثير عن الفساد، بظهور فاسدين ولو على نطاق ضئيل، فقد سئم اللبنانيون الخطاب الإنشائي عن نيات مكافحة الفساد، ويريدون رؤية وزراء يحيلون مدراء ورؤساء دوائر إلى التحقيق وهيئات الرقابة بتهم الفساد، ولكن ليس انتقائياً ولا سياسياً ولا استنساباً، بل بوثائق ووقائع تعبّر عن احترام كرامة الموظف وعدم الإساءة لسمعته على الشبهة، لكن بجدية وحزم في المقابل يعبّران عن معنى الوظيفة العامة كأمانة على أموال الناس وحقوقها.

خلال مئة يوم نأمل أن ترتفع درجة الثقة بين اللبنانيين بغدهم مع ارتفاع ثقتهم بحكومتهم، التي نريد ويريد اللبنانيون أن تكون حكومة الإنجاز، وهم يعلمون كما نعلم أنّ في سدة الرئاسة رئيساً لن يتهاون مع أيّ فشل أو محاولة إفشال.

نائب في البرلمان اللبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى