عبور الحَوَاس في لُغة مَجَازيّة

د. فايزة حلمي

تَرَاسُل الحواس

ترتبط الاستعارة والتجربة الإدراكية معاً في تاريخ نظرية المعرفة كازيو، 2002 والأدب السردي، وعلى الرغم من أننا نادراً ما نستفيد من مصادر أدبية، كعلماء نفسيين تجريبيين، إلا أن الروائيين والشعراء الذين لا يمكن إنكارهم، قد زَوّدونا بأمثلة رائعة من الاستعارات اللغوية المستندة إلى التجارب الحسيّة، ليس فقط بروست، بو، بودلير على سبيل المثال لا الحصر، بل الروائيون المعاصرون أيضاً يساعدوننا على التأمل في اللغة التي نطلق عليها اسم التجارب الإدراكية. وهذا ما يحدث في رواية «الرائحة» للكاتبة الهندية راديكا جها Radhika Jha، التي تقدم ذخيرة ثرية للغاية من الاستعارات المجازية.

وتصف رواية «الرائحة» جهود «ليلا باتل» بطلتها الشابة، لتجد طريقها إلى باريس، بعد هروبها من أعمال الشغب المناهضة للهند في نيروبي. تمتلك «ليلا باتيل» موهبة غريزية في معرفة كيفية مزج التوابل بالطعام من أجل تعظيم النكهات، وهي حاسة طبيعية للطهيّ، مدفوعة بحوار ضِمني مع نكهات ورائحة التوابل الهندية. تتم ترجمة الصدام بين الثقافتين الفرنسية والهندية إلى صراع قائم على المعنى، كما يظهر من خلال افتتاح الرواية التي تصف معركة مجازية بين النكهات والروائح ذات الثقافات المتداخلة: رائحة الباجيت الطازج، مدفوعة بنبع نسائم باريسية، تتصارع مع الروائح المنبعثة من الهال، المسلة، الكركم، القرفة والكزبرة المُخزّنة.

وعلى غرار جيش غير مرحّب به، تستولي رائحة الخبز الفرنسي على أنف ليلا لتذكيرها بالانفصال عن المنزل، في ثقافة خارجية بعيدة تغزو حياتها بشكل مدهش، وهنا نجد في رواية جها ، تسير الرائحة والطعم بشكل مجازي وإدراكي معًا، تمامًا كما هو الحال في فسيولوجيا التذوّق «La physiologie du gout» ونشير إلى الاستعارات الحسية والإدراكية كما لو أن الصفتيْن مترادفتان. ونحن هنا نأخذ في الاعتبار فقط الاستعارات اللغوية، ولكن بالطبع هناك أيضًا حالات الاستعارات الإدراكيّة غير اللغوية مثل الرسوم الكاريكاتورية .

ويعكس هذا جزئياً حقيقة أن الثراء المعلوماتي للخبرات الإدراكية، لا يُعبّر عنه بالتعبيرات اللغوية فقط، على سبيل المثال، فكر في حالة الخبرة اللونية والأسماء الملونة: غالباً ما نَصِف السماء والبحر بالصفة « «blue نفسها ونستخدم هذه «الصورة النمطية» للون، على الرغم من أننا ندرك جيداً أنها لا تلتقط جميع الصفات اللونيّة للمفهوميْن.

مثال آخر يأتي من أوصاف الروائح والعطور: نحن غالباً ما نطلق عليها اسم كلمات مُستعَارة من تجارب حسية أخرى «التذوّق، حلوة، مُرّة. وهنا نجد الكلمات التي نطبقها على الروائح، إمّا أن تمثل الأشياء التي تنتجها بطريقة مميّزة، كما هو الحال في الورد أو صفاتها من خلال نظائرها المُستمدّة من طرائق أخرى، كما في المُرّ، ومن غير المستغرب أن تُعرّف الرائحة على أنها حِس الكلام.

قامت عالمة الأنثروبولوجيا بريندا بيك Brenda Beck 1978، 1987 ، بتعريف الاستعارات باعتبارها «جسور» وقالت: «إذا اضطررنا لترسيم مفهوم الاستعارة فإني أصرّ على الجوهر التجريبي والمرتبط بقدرات الاستدلال المجازي»، أي أن الهدف هو البحث في النواة «الجسدية» للغة المجازية المستخدمة لتسمية التجارب الحسية، إن معظم أجزاء التعابير المجازية القائمة على الإدراك على سبيل المثال، الصمت البارد والنكهة الحجرية هي محفز ومتجذّر في بنية التجارب الإدراكية والنظام الحسي، ولا تعكس المجازات تركيبة مُختصرة من حواس الكلمة بل تشكّل تعبيرًا لغويًا ضرورياً، لمعالجة المعلومات الحسية.

والاستعارات الجمالية هي الحالة الأكثر تحقيقاً للجسر اللغوي عَبْر الحواس، كتجربة إدراكية لعبور الحدود الحِسّية، لتترجم العلاقات بين اللغة المجازية والتجربة الحسّية.

الحِسّ اللغوي

هو عبور الحواس بشكل مجازي في الاستعارات المجازية. فالكلمات التي تتعلق بنَمَط حِسّي واحد، تمتد للتعبير عن نمط حسي آخر، كما يتضح من مِثال Kandinskij الذي وصف إحدى رسومه على النحو التالي: «صوت مزدوج، التوتر البارد للخطوط المستقيمة والتوتر الدافئ للخطوط المنحنية والصلابة بلا نهاية والمرونة المُتّفق عليها». وبهذا قام نهجان رئيسيّان بالتحري عن الأبعاد النفسية التي تستند إليها الاستعارات الحسية الكامنة: أولهما: نَهْج تصنيفي حدد الاتجاهات المجازية التي تحاول تأسيس تسلسل هرمي بين الأنماط الحِسّية التي تعمل كـ «مانحين» أو «مُتلقّين»، على التوالي. ثانيهما: نَهْج نفسي حلل الخصائص الفيزيائية للإشارات والأحداث التي تدخل في الاستعارات اللغوية الحسّية مثلا «درجة الصوت، سطوع الضوء». نبدأ بالفحص من النهج الأول الذي حدّد الحواس التي تعمل كجوازات المانحون ومجاز المُتلقّون .

اتّجاهات التخطيط المجازي عبر الحواس

اقترح وليامز 1976 نموذجاً للنقل مجازيا عَبْر الأنماط الحواس الخمس زائد اللون والحجم استناداً إلى تحليل التغيّر الدلالي على مر الزمن لأكثر من مئة مِن الصفات، بالنسبة إلى ويليامز، يوجد تسلسل منتظم في تطبيق مفهوم النمط، الذي يُلمَس في أحد الأطراف، واللون والصوت في الطرف المقابل، كأكثر المتلقين شيوعًا. في مجموعة ويليامز وآخرين.

ويجسد ويليامز الأنواع الرئيسية «من الدرجة الأولى» للنقل التحليلي:

ـ كلمات اللمس: يتم نقلها إلى اللون على سبيل المثال، «اللون الباهت» أو الصوت، «الأصوات الناعمة» ونادراً ما تحوّل الكلمات التي تعمل باللمس لتشير إلى الرؤية أو الشم.

ـ كلمات التذوق: يتم نقلها إلى رائحة على سبيل المثال «رائحة» أو الصوت، «الموسيقى الحلوة».

ـ كلمات البُعْد: يتم نقلها إلى اللون، «رمادي مسطح» أو الصوت «الصوت العميق».

ـ الكلمات الملوّنة: يتمّ تحويلها فقط إلى الأصوات، «صوت مشرق».

ـ الكلمات الصوتية: يتم نقلها إلى اللون، «أخضر هادئ».

وقد طرح أولمان مسألة الاتجاهية في اللغة المجازية، التي فَحَصت 2000 استعارة عِلمِية من الشعر الإنجليزي والفرنسي والهنغاري وذهب مقياس اتّجاهه مِن «أعلى» نمط البصر إلى «أدنى» نمط اللمس : وموضوع الاستعارة أو المجاز، عادة ما يمثل أعلى نقطة في المقياس، وتغيير المجاز يمثلّ أدنى نقطة، مثل، «الضوء البارد» أكثر تكرارًا من «برودة مضاءة»، ومن ثم، فإن «الصمت الحلو»، حيث تتمّ عملية الاتّجاه من التّذوق أعلى نمط إلى الأصوات نمط أدنى ، سيكون أفضل وأكثر تكرارًا في الشعر من عكسه، «حلاوة صامتة».

مستشارة نفسية وتربوية/ مصر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى