رئيس الحزب: آن الأوان لتطبيق أحكام الدستور والعمل على الأقلّ لإلغاء الطائفية وسنّ قانون الانتخاب النسبي على قاعدة لبنان دائرة انتخابية واحدة وخارج القيد الطائفي

اعتدال صادق شومان

لقد أشجى الموت القوميين الاجتماعيين، مع خبر رحيل الأمين هنري حاماتي، وقد أفاض هذا الرحيل الجلل إحساس كبير بالفقدان والخسارة، وهم على صمت واجف بين رحيل ورحيل لرعيل من صفوفهم يغادر عين الزمن على قافية أنّ الموت حقّ وبدّ، ويجتاحهم إلى جانب مرارة الفراق خوفاً من فراغ يتسع على منصة الحزب… خاصة أنّ الراحل من جيل حفر في وجداننا مفاهيم نهضوية، وإحاطةً واسعة بفكر سعاده.

إلا أنّ تلامذة سعاده يقينهم القاطع في مقولة زعيمهم الدامغة في وقفة العز الأخيرة «أنا أموت أما حزبي فباق».

هنري حماتي «الأنطاكي» المولد والاشتياق، المتجوّل بين فروع العلم وضروب المعرفة في الوطن وعبر الحدود وعلى صفحات الدوريات الحزبية والمحلية والدولية، صاحب المرتبة النضالية والتجربة السياسية الواعية والنادرة، والمنزلة الفكرية والمكانة الثقافية، كاتباً وناقداً ولغوياً ومحاضراً مفطوراً بقدرات وطاقات متميّزة وغنية، والذي أثرى بـ «أفكاره» الساحة القومية والعربية بمؤلفاته، وأخصب مكتبتنا الحزبية بإرثه الذي يحمل عمقاً وصدق انتماء وفكراّ يشكل جانباً مهماً في الحفاظ على الهوية وعلى خصائص أمة واجهت ولما تزل تواجه الكثير من محاولات الإقصاء والتغييب.

واذ يرحل المفكرون ورجال المبادئ والكلمة الحرة من سويّة الأمين هنري حاماتي، يبقى ظلهم عالياً باسقاً، يمتدّ في وجدان أمتنا وشعبنا. فمن الجلي وهي الحال على وقع رحيل «العاصي» ان تنهمر غزيراً الشهادات وبلاغات النعي بحبر ألم الفراق وفاءً لقيمته الفكرية والنضالية، ولتؤكد أنّ ذاكرة الهوية والأمة لن تنسى من هم في حجمه وقيمته وقامته.

وكان الحزب السوري القومي الاجتماعي قد نعى الأمين المناضل هنري حاماتي، بوصفه «أحد أبرز المفكرين القوميين الاجتماعيين، الذين ساهموا في معركة الصراع الفكري، دفاعاً عن الحزب وتأكيداً لصحة العقيدة والمبادئ».

وبالأمس بمشاعر عميقة كان «الاتجاه» الأخير، الى طرابلس/ الشام عند تخوم «اللواء السليب» وعاصمته الانطاكية حيث كانت دار العائلة ومطارح حدبه الأول ومسقط رأسه مرتع الطفولة ونداوة القلب واشتياقه الدائم، غادر أهله اللواء قبيل ساعات من إعلان تركيا سلبه .

وكان جثمانه قد وصل من باريس مكان إقامته الشبه دائمة، حيث أُعلنت وفاته، ترافقه زوجته وأفراد العائلة، الى مطار بيروت الدولي ومنه الى مستشفى أبو جودة في جل الديب وقد أبقي الجثمان حتى صباح يوم الأحد، حيث بدأت وفود القوميين الاجتماعيين أفراداً ووحدات حزبية، من مختلف المناطق. بالتوافد الى باحة المستشفى لوداع الأمين الراحل وتأدية التحية الحزبية له، لينطلق الموكب الكبير بمواكبة سيارة من منفذية المتن الشمالي، التي لاقتها منفذية طرابلس عند تخوم عاصمة الشمال، وصولاً الى كنيسة مار جرجس للروم الأرثوذوكس الميناء طرابلس…

شيّع الحزب السوري القومي الاجتماعي ـ منفذية طرابلس، ومدينة طرابلس الأمين المناضل هنري حاماتي بمأتم مهيب، في كنيسة مار جرجس للروم الأرثوذوكس – الميناء، وشارك في التشييع إلى جانب عائلة الراحل، نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وائل الحسنية، عضو الكتلة القومية النائب سليم سعاده، الرئيس الأسبق للحزب مسعد حجل وعقيلته، كريمة الزعيم أليسار أنطون سعاده وعدد من المسؤولين المركزيين والمنفذين العامين وهيئات المنفذيات، وشخصيات اجتماعية وفاعليات ووفود حزبية شعبية.

وكان موكب التشييع انطلق من أمام مستشفى أبو جودة في جل الديب، بعد أن أدّى له القوميون الاجتماعيون التحية الحزبية، وتوجه الموكب إلى طرابلس وهناك حمل النعش ملفوفاً بعلم الحزب على أكفّ القوميين.

ترأس الصلاة لراحة نفس الراحل المتقدّم في الكهنة الأب غريغوريوس موسى يعاونه لفيف من الكهنة، وألقى عظة تحدّث فيها عن صفات الراحل ومناقبيته.

كلمة الأصدقاء

وألقى الدكتور علي حمية كلمة أصدقاء الراحل، وجاء فيها: أحتار عن أيّ هنري حاماتي أحدّثكم، ومن أين أبدأ حديثي عنه، أنا الذي واكبته في أعماله وكتاباته ومواقفه منذ سبعينات القرن المنصرم؟

هل أحدّثكم عن هنري حاماتي المربّي في مدرسة البشارة في بيروت، أم المدرّس بالساعة لمادة الرياضيات في أول شبابه.

أم أحدّثكم عن هنري حاماتي الأديب والناقد وكاتب المسرح والسينما.

أم الباحث في الفكر السياسي، رجل دولة ارتقت بها أحلامنا، حيث سياستنا هي عين عقيدتنا، أم أحدّثكم عن المنظّر الايديولوجي الذي لم يبلغ شأوه أحد في التنظير للأمة، في راهنية صراعها، وفي القومية وصراع الأفكار والعقائد؟ أم المُحاضر والمُناظر في الجامعات والأندية التي شهدت وثبة أفكاره، وسحر فطنته، واتساع معرفته ورياضيات عقله، في الندوات الحوارية بين أحزاب اليمين واليسار والوسط.

أم أحدّثكم عن الثائر المحاور في ذلك الزمن الجميل – المرّ. ذلك الزمن الذي استجمع السنابل والهزائم ممتداً من أواسط ستينيات القرن الماضي حتى نهاية السبعينيات زمن استجمع مثقفين وأبطالاً، اخترقوا زمن الهزيمة، بما قبلها وما بعدها، حيث السنابل أثمرت والهزائم ولت!

أم أحدّثكم عن هنري حاماتي، القيادي الفذ في الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي انتمى إليه وهو في السادسة عشرة من عمره، وتدرّج في مسوؤلياته الحزبية من مذيع، وهو اللقب الأحب الى قلبه، الى ناظر للإذاعة، فإلى عميد للإذاعة والثقافة، الى رئيس للندوة الثقافية، ورئيس للمكتب السياسي المركزي.

هنري حاماتي هو هذه العناوين كلها، وهذه الأسماء كلها، وهذه الإبداعات كلها!

في الأول من آذار عام 1962 أيّ بعد شهرين تماماً من المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قام بها الحزب بهدف تغيير النظام السياسي الطائفي في لبنان، ينشر مقالاّ في جريدة «النهار» بعنوان «اليوم ولد حبيبي» ومهره باسم مستعار فينتشر المقال كالنار في الهشيم ويهبّ القوميون في كلّ مكان، ويعيدون تنظيم صفوفهم.

في هذه الفترة من الستينات، دخل السجن عشرات المرات فما أن يخرج منه حتى يعود إليه، حتى انّ السجان كان يفرد له مكاناً في سجن الرمل معداً دائماً لاستقباله. «ضيفاً وفياً للسجن» مكابداً عنيداً في وقفاته وفي مواجهاته الباطل، سورياً قومياً اجتماعياً ثابتاً، واستمرّ على وفائه للسجن حتى ضجّ منه السجن والسجّان!

في أواخر الستينات وبعد سنة على حرب حزيران 1967 ينشر كتابه الأول «جماهير وكوارث» يفضح فيه عجز الأنظمة السياسية الحاكمة عن تحقيق النصر. او منع الهزيمة في أفضل الأحوال، داعياً الى إعادة النظر في كلّ المسلمات الفكرية والوجدانية التي استقطبت اهتمام شعبنا وعواطفه وإلى تبيان دور كلّ منها في تقرير مصير الحرب – الهزيمة، على النحو الذي آلت اليه.

وتابع دراساته السياسية النقدية في كتابه الثاني و»كيف نتجه»؟ الذي كان سيحمل اسم «دولنا المكشوفة» وصدر في طبعته الأولى عام 1969 ويهديه إلى سعاده، ويقول في مقدّمته «نحن مهزومون قبل الخامس من حزيران، ونحن اليوم نحيا هزيمتنا التاريخية، وما يهمّنا من هذا الخامس من حزيران هو كونه بعضاً من انحدارنا التاريخي الثقافي الاقتصادي المناقبي ونتيجة له».

في السنة نفسها، يكتب مسرحية «مجدلون» داعياً الى الكفاح طريقاً وحيداً لدحر الاحتلال «الإسرائيلي»، ويقدّمها محترف بيروت المسرحي وتداهمها الدولة، ويحصل اصطدام مع قوات الشرطة، داخل قاعة المسرح وينتقل الكاتب والممثلون إلى شارع الحمرا عند مقهى «الهورس شو» حيث يتابع العرض في الهواء الطلق أمام الناس والمارة، والدولة وأجهزتها الأمنية. وهكذا تؤسّس «مجدلون» هنري حاماتي، من يومها المسرح السياسي في العالم العربي.

في الفترة نفسها أيضاً يصدر مجلة «فكر» التي لعبت دوراً كبيراً في الصراع الفكري والعقائدي الذي خاضه المثقفون القوميون في مواجهة زهق التيارات العروبية الانفلاشية والتيارات الماركسية الجامحة التي كادت تغطي المشهد الثقافي في منطقتنا، وقد نشرت «فكر» دراسات لعدد من كتاب الحزب الذين كانوا ما يزالون في الاعتقال، من سبع بولس حميدان، إلى قيس الجردي، مروراً بشوقي خيرالله، وعبدالله فرج.

مع بداية الحرب الأهلية في لبنان، وتحت ضغط قوى الأمر الواقع، يختار باريس بديلاً ويكتب في المجلات العربية الصادرة فيها وينتقل بعدها الى الكويت وينشر هناك كتابين: الأول حمل عنوان «التضامن العربي الإسرائيلي على لبنان وفلسطين»، 1979 يكشف فيه ارتباط بعض الأنظمة العربية بـ «إسرائيل» وعن طبيعة هذا الارتباط وهذا التضامن وضررها الكبير على المصلحة القومية.

بعد سنة أيّ عام 1980 ينشر كتابه الثاني في الكويت تحت عنوان «سقوط الامبراطورية الإيرانية» ويترك هذا الكتاب وكسابقه أصداء فكرية واسعة في الأوساط الفكرية والسياسية.

بعد الكويت يعود إلى باريس ويتفرّغ للكتابة الفلسطينية فينشر على امتداد عشرة أعوام كتاب «أفكار» في خمسة أجزاء.

آخر دفقاته كانت «كلمات للعاصي» كتابه الأخير الذي يبدأ من حيث انتهى «الإسلام في رسالتيه» لسعاده. انه قراءة جديدة للتراث الديني تحرّره من الإدخالات والتسللات التوراتية اليهودية التي تحوّلت مع الوقت الى مرتكزات تراثية كاذبة وخطيرة.

في 4 آب الماضي، وفي حفل توقيع «كلماته للعاصي» كنا نجلس معاً على ضفاف ذلك العاصي الممتدّ شمالاً صوب الاسكندورن السليب، أسرّ لي قائلاً: أشتاق الى انطاكية.

نعم لقد اشتاق الى انطاكية! فهي المدينة السليبة التي أبصر فيها نور الحياة بين أبوين حرّين لكأنه اشتاق عناقها الحرّ الذي لا يمكن ان يكون اليوم إلا هذا الرحيل.

أمين هنري… ها أنت تعود بروحك الى انطاكية التي اشتقت. فهنيئا لك ولها لقاؤكما الأخير في وحدة التراب! وهنيئاً بطرابلس الشام بك، ممتداً عنفوانك بروح انطاكية فيها.

كلمة رئيس الحزب

كلمة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف ألقاها نائب رئيس الحزب وائل الحسنية ومما جاء فيها:

يا صديقي ورفيقي هنري، حضرة الأمين الجزيل الاحترام.

أتينا اليوم عائلتك وأنا ورفقاؤك ومحبوك لوداعك الوداع الأخير.

وما عهدناك هادئاً، صامتاً دون حراك.

عهدناك صاخباً متفجّراً نابضاً بالحياة.

عهدناك واقفاً على المنابر تتفجّر الأفكار والكلمات كينبوع من فمك وعلى لسانك.

عهدناك جالساً تلقي محاضرة أو تشترك في ندوة أو تطرح فكرة أو تجيب على سائل.

فقم الآن من سريرك هذا الذي لا يليق بك، فلستَ أنت الذي ينام دون حراك.

قم وقل لنا كيف نتجه. إقرأ لنا من كتابك الذي بهذا العنوان، الذي قرأه وتعلّم منه آلاف الطلبة وآلاف الرجال وآلاف الرفقاء في ذلك الزمان الصاخب من ستينات القرن الماضي. فحدّدت لأجيالنا الإتجاه الذي حدّده زعيمنا الخالد، ووجّهت بوصلتنا الى فلسطين، الى القتال من أجل فلسطين، والى وحدتنا كشعب لا تفرّقه المذاهب والطوائف، بل توحده المعرفة والعقل والوعي والعلم.

قم اقرأ علينا من كتابك جماهير وكوارث وضع يدك على الجرح النازف في مجتمعنا الذي تتألّب جماهيره دون وعي وراء من يلهب عواطفها وأهواءها وغرائزها، فتهرول دون تخطيط مبني على العلم، ودون معرفة بالظروف والأحكام وبلعبة الأمم، ودون دراسة للنتائج، فتقع الكوارث. وقد ألمّت منذ كتابك الذي وضعته في ستينات القرن الماضي كوارث كثيرة صنعتها الجماهير التي لا تعلم من أين تبدأ، وكيف تسير، والى أين الوصول. ولا يزال الكثير من تلك الجماهير إياها، تتحرك بأيدي سحرة الطوائف ومهرّجي المصالح الخصوصية فيخلقون لها معارك وهمية، ويغدقون عليها الوعود بتحقيق بعض مطالبها وينقلونها من استحقاق الى آخر، ولا يتحقق من مطالبها سوى الوعود.

ثم قم حدّثنا عن مسرحيتك «مجدلون» التي تمردّت فيها مع رفقائك على النظام الطائفي المتنمّر، الذي طغى وتجبّر وقتل رفقاءك تحت التعذيب ونكّل بهم. وأذكر عندما مُنع عرضها على المسرح، لم تهابوا، ولم تخشوا حرابهم، ولم ترضخوا، بل تابعتم عرضها في «الهورس شو» وعلى شارع الحمرا، لتقولوا لنظام الأتباع والمتسلطين والمتسلقين إنّ الطغيان والتجبّر والتهديد والوعيد لا يمكن أن ينال من إرادة الأحرار وطالبي الحرية والعاملين للحق والحقيقة.

وتمضي السنون، ويموت بعضنا، ويستشهد بعضنا، ويشيخ بعضنا، وتأتي الأجيال التي كانت في حينها لم تولد بعد. ويبقى الحال على حاله. إلا أنّ هذه الأجيال لا تزال تحمل الشعلة وتنقلها من قرية الى أخرى ومن مدينة الى مدينة في كلّ أمتنا السورية. وننتظر منها أن تحقق الكثير.

قال لنا سعاده، الذي آمنت به، كزعيم وكمعلّم وكقائد: «إنّ القوة النظامية مهما كانت صغيرة أفعل بكثير من الجماهير، لأنّ الجماهير لا تجمعها إرادة واحدة في الحياة، ونفسية واحدة، وبناء مناقبي واحد».

الجماهير يجمعها الهوى، وتشتتها المصالح، وتنتقل بها من هزيمة الى أخرى ولا يمكن أن تُهزم قوة نظامية إلا بقوة نظامية أفضل منها.

قالها سعاده منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ولم يأبه لها من رجال السلطة أحد. كانوا يريدون نصراً سهلاً في فلسطين. استهانوا بقوة النظام والتنظيم، وبقوة الوعي والإرادة والتصميم والتخطيط، فتحققت لهم الهزائم والكوارث. فانتقلوا من هزيمة الى أخرى، ومن تنازل الى آخر أمام عدو مغتصب، مدجج بالسلاح وبقوة نظامية، فانتصر باطله على حقهم، ولكن الى حين، لأنّ كلّ باطل إلى زوال إذا أدرك الحق كيف ينتزعه من جذوره. وها هو شعبنا قد أدرك قوة النظام والتنظيم وجبروت إرادة القتال وانتزاع الحق وإعداد العدة لمقاتلة العدو بالسلاح الذي يفهمه، يحقق الانتصار تلو الانتصار بفضل المقاومة الباسلة في فلسطين وفي لبنان وفي الشام. وها هو الانتصار في الجمهورية العربية السورية الذي يعترف به العدو قبل الصديق، للقائد الذي عرف أن يصمد كالطود في وجه جيوش الإرهاب والظلام لينقذ شرف وكرامة شعبه. وللجيش السوري البطل الذي قاتل بشجاعة واحتراف وصمود، وانتصر رغم التضحيات الجسام. وكذلك في لبنان، فقد تمكن جيشه البطل من تحقيق الانتصار وطرد فلول الإرهاب من أرضه، بفضل تحقق المعادلة الرائدة: الجيش والشعب والمقاومة.

قال لنا سعاده: «لبنان يهلك بالطائفية ويحيا بالإخاء القومي».

وقد شاهدنا كيف أهلكت الطائفية لبنان. فهبطت به بخط تنازلي، فكان ينتقل من أزمة الى أزمة، ومن قتال طائفي عبثي، الى قتال طائفي عبثي آخر. ومن اقتصاد متدهور، إلى غرق في الديون تستهلك خدمتها جزءاً كبيراً من دخله القومي.

وإذ نأمل بعد أن تشكلت الحكومة اللبنانية، بعد مخاض طويل إستغرق تسعة أشهر، أن تقدّم لشعبنا في لبنان بعض الحلول التي طال انتظارها، رغم تراكم الوعود وتوالي الحكومات. وإذا كنا لا نريد أن نفقد الأمل مسبقاً بحكومة رسّخت حكم الطوائف في لبنان، وابتعدت عن المعايير الوطنية في تشكيلها، لينتقل الصراع الطائفي المقيت الى داخلها. إلا أننا ولا نزال نحمل بعد بارقة أملٍ، فإننا نقول لهذه الحكومة إنه آن الأوان للوقوف بتصميم وثبات لتطبيق أحكام الدستور، والخروج من نظام الطوائف والمحاصصة الطائفية، التي تلبس لباس الهلع الميثاقي، الى نظام العلمنة الكاملة حيث تتحقق قيمة الإنسان، وحمايته، ليس تحت مظلة طائفية، بل تحت مظلة القانون، وليس تحت راية التفرقة والتمييز الطائفي، بل تحت راية الوحدة والمساواة.

وحتى لا نذهب بعيداً، فإننا نقول لقد آن الأوان لتطبيق أحكام الدستور والعمل على الأقلّ لإلغاء الطائفية، التي كان على المجلس النيابي الأول بعد الطائف العمل على إلغائها عن طريق تعيين الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية.

آن الأوان للعمل بموجب أحكام الدستور لسنّ قانون الانتخاب النسبي على قاعدة لبنان دائرة إنتخابية واحدة وخارج القيد الطائفي. وأن يترافق ذلك مع التشريع لإنشاء وانتخاب مجلس شيوخ تتمثل فيه كافة الطوائف اللبنانية.

آن الأوان لتكون الأهلية والعلم والأخلاق هي المقياس لتعيين المسؤولين في دوائر الدولة ومرافقها، وأن تفعّل الرقابة الفعلية على أدائهم من المجالس الرقابية، دون هيمنة من أحد.

آن الأوان لنقل لبنان من الدرجات الأدنى في ترتيب دول العالم من حيث نظافة البيئة واستشراء الفساد، الى لبنان البيئة النظيفة والأيادي النظيفة والضمائر النظيفة. من لبنان المحاباة والواسطة والتمييز، الى لبنان العدالة والأهلية والمساواة. من لبنان الذي يرزح أكثر من نصف شعبه تحت خط الفقر، الى لبنان الذي يوزع البحبوحة والكفاية على شعبه، وذلك باعتماد الاقتصاد المنتج، وليس اقتصاد الاستهلاك. وبفتح الأسواق خارج لبنان للإنتاج اللبناني الزراعي والصناعي.

آن الأوان لنقل لبنان من بلد الصفقات والتصفيق، الى بلد المناقصات والتعهّدات المراقبة، والى الإمتناع عن التصفيق للفاسدين والمفسدين.

آن الأوان لنقل لبنان من بلد النأي بالنفس، وكأنه جزيرة معلقة في الهواء لا تتأثر ولا تؤثر، الى بلد الإخاء القومي، فينفتح على بيئته الطبيعية، ويتأثر بها وتؤثر به، ويشارك في حلّ أزماتها ويمنع عنها الإعتداءات كما فعلت سورية عندما ساعدت في إخماد الفتنة الطائفية في لبنان، وأنقذته من أشداق العدو الصهيوني. ولا يخشينّ أحد من اللبنانيين من الذوبان عند قولنا وهتافنا «تحيا سورية» لأننا نشعر أنّ لبنان هو في ذرى سورية كما قال سعاده.

يا أخي ويا رفيقي، لقد أدّيت قسطك للعلى فنمِ، نم قرير العين والفؤاد، لقد آمنت بوحدة سورية، وبسلّم القيم والمناقب، وبأنّ العقل هو الشرع الأعلى، ناضلت طيلة حياتك وأنشأت عائلة قومية، وعلّمت وقدت لتنصر ما آمنت به، وتابعت الطريق التي شقها لنا سعاده، وسيتابع على الدرب عينها رفقاؤك الأبطال المؤمنون المقاتلون في كلّ ساح سواء في سورية أو في المغتربات، لعزّة سورية ووحدتها وانتصارها، لتحيا سورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى