أين مصلحة لبنان بين المحورين: الأميركي الخليجي أم الإيراني السوري؟

محمد حمية

ينقسم اللبنانيون بين فريقين: الأول يدعو للتوجه الى إيران لإنقاذ البلد من الانهيار ومعالجة أزماته المتنوّعة كبديل عن الخليج والغرب الذين يربطون مساعداتهم المحدودة بشروط لا يتحمّلها البلد، بينما يضع الثاني «فيتو» على السلاح الإيراني وكل ما يمتُ بصلة الى جمهورية «ولاية الفقيه» بذريعة تجنيب لبنان أضرار تعامله معها في ظل العقوبات الأميركية ويعتبر النأي بالنفس السياسة المثلى والاكتفاء بما يؤمّنه الغرب والعرب على ضآلته.

فأين مصلحة لبنان بين المحورين: الأميركي الخليجي الإسرائيلي أم الإيراني – السوري؟

الإجابة تستدعي السؤال: ألم يغطِّ المحور الأميركي الخليجي العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006؟ في المقابل سارعت إيران الى رفد المقاومة بالسلاح للمواجهة وكانت رأس حربة في المحافل الدبلوماسية لوقف العدوان إضافة الى دورها الرئيسي في تسويات الأزمات الداخلية.

ألم تُشنّ الحرب على سورية بقرار أميركي – إسرائيلي وغطاء قوى إقليمية التي خلفت تداعيات كارثية على لبنان من انتشار الإرهاب وأزمة النازحين؟ هل تمكّن حلف واشنطن الرياض من إنهاء الإرهاب وحل أزمة النزوح؟

أما المنظّرون في الداخل لنظرية ملازمة لبنان بيئته العربية يرفضون في الوقت نفسه عودة العلاقات مع سورية التي تشكل النافذة الوحيدة للبنان المطلّة على العرب: سورية العراق الأردن والخليج… فمن ينتفض لعروبته ضد «الفارسية»، الأجدى به قبول العلاقة مع الشام قلب العروبة النابض وإن يكُنّ لنظامها الحالي العداء، هذا التناقض يكشف أن مهمة هذا الفريق التصويب على دور إيران وإن كان لمصلحة البلد.

فما الثمن الذي يجنيه لبنان من المحور الأميركي مقابل سد أبواب المساعدة على طهران ودمشق؟

هل زوّدت واشنطن الجيش بالسلاح لتمكينه من مواجهة الخروق الإسرائيلية اليومية على أشكالها؟ أي من المحورين دعم لبنان لتحرير أرضه المحتلة في الجنوب وجروده من الإرهاب؟

أما اتهام إيران باستخدام لبنان لفك عزلتها الاقتصادية، فهل هناك عاقل يقتنع بأن لبنان ذا الاقتصاد الصغير الحجم سيفك عزلة اقتصاد ضخم كالاقتصاد الإيراني الذي صمد أمام عقوبات العالم منذ أربعة عقود؟ فماذا يمثل اقتصاد لبنان بالنسبة إلى اقتصادات هائلة كدول آسيا النامية باكستان وتركيا وأفغانستان وإيران وغيرها فضلاً عن اقتصادات دول البريكس كروسيا الصين والهند والتي تتعامل مع إيران نفطياً وتجارياً في ظل العقوبات الى جانب الدول الأوروبية.

أما لجهة المخاوف من وصول السلاح الإيراني من الجيش الى حزب الله، فالحزب ليس بحاجة الى سلاح الجيش، فيمكنه الحصول عليه مباشرة من إيران، كما أن من مصلحة أميركا و»إسرائيل» أن يأتي السلاح الإيراني الى الجيش وإلا فإنه قد يغيّر مساره ويصل الى المقاومة…

فدولة «ولاية الفقيه» حليفة «الحزب المسلح» هي الوحيدة التي لم تستفد من لبنان مالياً واقتصادياً، فيما تم تلزيم البلد للخليجيين في الاقتصاد والمال والأعمال منذ عقود أنتج ذلك ديوناً بمئة مليار دولار.

فالمقاومة بحسب مطلعين على موقفها لم تطلب مقاطعة الخليج، رغم إدراجه الحزب على لائحة الإرهاب، كما أن المقاومة لا تقبل سلخ لبنان عن محيطه العربي بل تسعى الى تشكيل محور عربي إيراني يستطيع التصدي للنفوذ الأميركي والكيان الغاصب.

إلا أن هذا صعب المنال في ظل مهمة مستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا الجديدة في لبنان بتطويق مفاعيل زيارة الوزير ظريف، بحسب مصادر «البناء»، عبر تنظيم محور ثلاثي مستقبلي اشتراكي قواتي يشكل رأس حربة «وارسو» في لبنان بانت ملامحه بالاتصالات التي أجراها «الأمين» أبو الغيظ بكل من جنبلاط وجعجع وزيارته الرئيس سعد الحريري وطمأنتهم بأن لا عودة قريبة لسورية الى الجامعة العربية للجم الانفتاح اللبناني عليها.

أما ظريف فلم يقدّم عروضاً محددة للمسؤولين بحسب ما قالت مصادر إيرانية مطلعة على لقاءاته لـ»البناء»، بل دعوة مفتوحة للمساعدة في أي مجال يحتاجه لبنان، وأهمية الدعوة بحسب المصادر أنها تشكل خياراً آخر للبنان لمعالجة أزماته. أما لجهة حديث ظريف عن الآلية المالية للتعاون بين البلدين فجاءت رداً على استفسار حكومي حول كيفية التعاون الاقتصادي في ظل العقوبات، فكان جواب ظريف التعامل بالليرة اللبنانية وتطبيق النموذج المعتمد بين طهران وأوروبا. وترفض المصادر الإيرانية التعليق على زيارة العلولا وتشير الى أن زيارة ظريف بعيدة عن المناكفات السياسية ولا تهدف لتوسيع نفوذ إيران في لبنان بل لمساعدته فقط، وتكشف بأن إيران جاهزة لتزويد لبنان بالكهرباء بأسعار زهيدة وأيضاً نقل الخبرات الإيرانية في صناعة الأدوية إليه ما يمكنه من الإنتاج الوطني وتحقيق اكتفاء ذاتي.

لقد آن الأوان ليقتنع لبنان الرسمي بالتعامل مع إيران كدولة لها دورها الكبير في الإقليم، فلبنان لم يعد ساحة مباحة مستباحة للأميركيين والخليجيين يفرضون الشروط والتعليمات على مسؤوليه.

أما قول السيد نصرالله بأننا لن نترك إيران وحدها في مواجهة الحرب الأميركية الخليجية عليها، فإيران التي وقفت مع حركات المقاومة وشعوب وحكومات المنطقة لمناصرة قضاياها أقل الإيمان مبادلتها بالمثل والوقوف معها في ذروة الحصار، وإن كان ذلك مصلحة لإيران لكنه مصلحة دول المنطقة أيضاً، لأن سقوط طهران سيؤدي الى عودة الأميركيين وأدواتهم الإرهابية بحروب ومشاريع جديدة لن تُبقي ولن تذر، وكما يقول المثل الشعبي: «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»، فإنهاء إيران يعني تحوّل دول المنطقة لقمة سائغة على موائد اللئام، فالمحور الإيراني السوري لن يسمح بعد الآن بأخذ أطرافه فرادى.

بالعودة الى لبنان يمكنه اتباع سياسة وفق مصالحه الاستراتيجية والحيوية، كما تفعل أوروبا على سبيل المثال، فيأخذ ما يلبي مصالحه من طهران ومن أميركا ودول الخليج دون استعداء أي من المحورين بل الاحتفاظ بأفضل العلاقات معهما في إطار السيادة الوطنية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى