جبّور: المرصد الفلكي السوري حكاية طموح

رانيا مشوِّح

في بلادي الحديث عن الإنجازات يطول حتى ينام الليل على همسات الطموح، معانقاً صفاء السماء، ملامساً النجوم، مُحدثاً الكواكب، مغازلاً القمر. في بلادي ما أكثر الحالمين الطامحين، لم يكتفوا باستكشافات الثبات والجاذبية، فانطلقوا في عملية سبر الأفق. المرصد الفلكي السوري نتاج من التفكير والفكرة والتاريخ والحداثة.

نيّوف

وعن نشاطات المرصد الأساسية قالت الأستاذة ياسمين نيّوف مديرة المرصد الفلكي السوري: نقوم في المرصد الفلكي السوري بمواكبة كافة الأحداث الفلكية على مدار العام ومن أبرز النشاطات التي نركز عليها جلسات التماس أهلّة الأشهر القمرية خاصة أننا نقوم من بداية عام 2015 تقريباً وبالتعاون مع قناة نور الشام الفضائية بنقل جلسات التماس الأهلّة على الهواء مباشرة لنكون الدولة الوحيدة التي تنقل هذه الوقائع للمشاهد على الهواء مباشرة، إضافة إلى رصد ومتابعة كافة الظواهر الفلكية المتنوعة من خسوف وكسوف أو اقتران بين الكواكب وتوعية الناس إلى أهمية هذه الظواهر وكيفية متابعتها والاستمتاع بها.

جبّور

ولنتعرّف على المرصد عن قرب كان لنا حديث مع السيدة تركية جبور العضو المؤسس وعضو مجلس الإدارة في الجمعية الفلكية السورية، حيث حدثتنا عن تاريخ المرصد قائلة: كان المرصد الفلكي السوري هو التاج الذي تكلل به سعي الجمعية الفلكية السورية منذ تأسيسها في 31/8/2005 فبعد سنوات من العمل الدؤوب والنشاطات المستمرة كانت انطلاقة المرصد الفلكي السوري بتاريخ 22/5/2017 وهو ثمرة تعاون بين الجمعية الفلكية السورية ومجمع السيدة فاطمة الزهراء. وعلى الرغم من بساطة الإمكانيات وقلة الدعم لتطوير علوم الفضاء والفلك في سورية، إلا أننا نستطيع القول إننا تمكنا من وضع حجر أساس متين نستطيع الارتكاز عليه في المستقبل للانطلاق نحو إنشاء وكالة فضاء سوريّة أو معهد مختص بتدريس علوم الفلك في بلدنا.

أما عن العاملين في المرصد فحدثتنا جبور: المرصد لا يوجد فيه عاملون، أي لا يوجد أشخاص يتقاضون الأجر مقابل العمل في المرصد فكل شباب الجمعية هم من المتطوّعين للعمل في المرصد في الأوقات كافة. وأضافت: نحن جمعية علمية أهلية غير ربحية ونشاطاتنا جميعها تطوّعية، بالإضافة لوجود مشرفات المرصد من متخرجات جامعة بلاد الشام اللواتي درسن مقرّر الفلك في السنتين الثالثة والرابعة وهنّ من أعضاء الجمعية النشيطات.

العاملون جميعهم متطوّعون

وقالت: ببساطة جميعنا نعمل كمتطوّعين ولا توجد لدينا سوى كلمات الشكر والمحبة لمكافأة بعضنا البعض. كما أوضحت نيّوف عن معايير اختيار المنتسبين للمرصد قائلة: المتطوّعون من الشباب المنتسبين للجمعية الفلكية السورية ولديهم اهتمام ومحبة لعلوم الفضاء والفلك خاصةً أن هذه العلوم لا تُدّرس في جامعاتنا، على الرغم من أهميتها تاريخياً ومستقبلياً فقد وجدوا في الجمعية باباً يفتح لهم الطريق نحو التعرف على هذه العلوم والاستفادة منها بما ينفعهم في حياتهم العلمية والعملية.

تقريب المعلومة الفلكية بأسلوب سهل

أما عن الأسس العلمية التي يتّبعها المرصد في عمله فقالت جبور: نعمل من خلال المرصد على تقريب المعلومة لنبني جسراً يربط العلم النظري بالتطبيق العملي من خلال وجود تلسكوبات لرصد السماء ومتابعة الأحداث، ولذلك يتمّ طرح المعلومات بأسس علمية مدروسة حسب الشريحة العمرية التي نتعامل معها فلكل فئة من الفئات العمرية والمجتمعية طريقة خاصة للتعامل وإيصال المعلومة بشكل سهل ومبسّط ومحبّب بعيداً عن التعقيد في الطرح رغم صعوبة المعلومة. وأضافت: نستطيع القول إننا من خلال المرصد قد وضعنا ركيزةً وحجر أساس نعتمد عليهما في المستقبل القريب لتدريس علم الفلك في جامعاتنا السورية أو إنشاء معهد مختص بتدريس الفيزياء الفلكية كي نسهم في هذا المجال، مما يوفر علينا وعلى طلابنا الراغبين بالتخصص في هذا المجال عناء السفر للدراسة، وبالتالي الاستقرار في الخارج وخدمة بلد آخر في مجال نحن أحوج فيه من غيرنا للنهوض بأنفسنا وببلدنا.

وعن أبرز النشاطات التي قام بها المرصد قالت جبور: استضاف المرصد عدداً كبيراً جداً من محبي علوم الفضاء والفلك وهواته في سورية، فمنذ انطلاقته وهو يفتح أبوابه لجميع المهتمين والفعاليات العلمية والاجتماعية سواء من النوادي والمبادرات والجمعيات الأهلية والخيرية الراغبة في إضافة نشاط جديد بطريقة جميلة ومبسطة لطلابها ومشتركيها، أو من المدارس الراغبة بتعريف طلابها وطالباتها إلى علوم الفضاء عن قرب، خاصة بعد أن شاركت الجمعية مع المركز الوطني لتطوير المناهج في إعداد ووضع المناهج التدريسية الجديدة لعام 2017 وتمكنّا من إدخال علوم الفضاء والفلك ضمن مادة الجغرافيا في المراحل التدريسية كافة اعتباراً من الصف الأول الابتدائي حتى الصف الحادي عشر، ضمن إطار سعينا لتعزيز مكانة هذه العلوم وأهميتها في حياتنا من خلال تدريسها لطلابنا منذ المراحل الدراسية الأولى. فمنذ ذلك الوقت والمرصد يشهد كل يوم تزايداً في استقطاب المدارس وطلاب الجامعات. وقد تمت حتى الآن إقامة المئات من الفعاليات سواء لرصد الظواهر والأحداث الفلكية المهمة كالخسوف والتماس الأهلة وليالي الرصد التثقيفية العادية المقامة للعامة.

..ونشاط للمكفوفين

كما عبرت نيّوف عن النشاط الأخير الخاص بالمكفوفين قائلة: فكرة نشاط المكفوفين قديمة جداً منذ عام 2010، حيث كان مقر الجمعية الفلكية السورية مقابل معهد التربية الخاصة للمكفوفين، لكن للأسف لم تكن كل الإمكانيات متاحة ومتوفرة وقتها، ولكن الدكتور محمد العصيري رئيس الجمعية الفلكية السورية لم ينسَ الفكرة ومنذ حوالي أكثر من أربعة أشهر وهو يسعى كي تصبح هذه الفكرة واقعاً وكي يرى هذا النشاط النور، ويخصص له حلقة من حلقات برنامج في فلك يسبحون الذي يقدمه الدكتور محمد على قناة نور الشام منذ عام 2015، وتم التجهيز لهذا النشاط بشكل خاص فنحن نعلم أن الشريحة المستهدفة هنا قد حُرمت نعمة البصر بعضها منذ الولادة وهنا توجد صعوبة بالغة في وصف وشرح المعلومات عن الفضاء والسماء والكواكب والنجوم لمن لم يرها أبداً. والشرح بحاجة للكثير من المعلومات والأسلوب الجيد البسيط والجميل لتحفيز قدرة المتلقي على التخيل والتفاعل معنا لإيصال المعلومة بدون أن يكون لها آثار جانبية تزعجه، والبعض الآخر كان يرى ولكن لظروف وأسباب ما فقد بصره. هنا يكون المتلقي أكثر سرعة وقدرة على الاستيعاب وتكوين فكرة عن الموضوع المطروح، وكما نعلم وللأسف أن هناك من يعتبرون هذه الشريحة أقل قدرة من غيرها من الناس، ولكننا لاحظنا العكس فقد أعطى الله هؤلاء الناس قدرات خاصة فهم يتعاملون مع الأشياء من خلال البصيرة وكأنهم يرون الأشياء بقلوبهم. فبالاعتماد على حاستي اللمس والسمع يكونون الأفكار ويدركون المحيط، ولذلك قام شباب الجمعية ومشرفات المرصد بإعداد المعلومات المراد تقديمها بطريقة لغة بريل التي تمكّن المكفوفين القراءة من خلال اللمس بالإضافة لصناعة مجسمات للكواكب الصخرية والقمر، والاستعانة بحاسة الشم، حيث قدّم الشاب ناصر القاضي وهو أحد شباب الجمعية المتميزين فكرة جميلة وهي إمكانية التعرف على الكوكب من خلال رائحته، فنحن نعرف التركيب الكيميائي للكواكب وما يحتويه من غازات وعناصر كيميائية، وبناء على ذلك تمّ اختيار الرائحة التي تحاكي جو كل كوكب، وعلى سبيل المثال اخترنا رائحة التراب لكوكب الأرض. وقد كان تفاعل الطلاب رائعاً ظهر في علامات الاستغراب التي بدت على وجوههم وكلمات الشكر التي عبروا بها عن سعادتهم وامتنانهم لكوننا أول مَن يهتم بإيصال فكرة هذه العلوم إليهم. وأضافت: قد لا نستطيع أن نصف لك شعورهم فالمشاعر حكر لأصحابها، ولكننا نستطيع أن نصف لك مشاعرنا والسعادة التي أحسسنا بها عندما رأينا البسمة على وجوهم. فقد تأكدنا أننا استطعنا أن نجد طريقاً إلى قلوبهم. وهذا هو نجاح كبير بالنسبة لنا.

برنامج نشاطات مقبلة

وعن النشاطات المقبلة للمرصد قالت جبور: هناك الكثير من النشاطات التي نقوم بالترتيب لها لكافة الفئات ومختلف الأعمار وخاصة أن عام 2019 هو عام مليء بالأحداث الفلكية الممتعة في رصدها ومتابعتها، إضافة إلى أن سورية ممثلة بالجمعية الفلكية السورية مشاركة في فعاليات ونشاطات السنة الدولية للفلك احتفالاً بمرور 100 عام على تأسيس الاتحاد الدولي للفلك، فسيكون هناك الكثير من النشاطات منها ما هو موجّه للأطفال ضمن مشروع الفلكي الصغير ونشاطات موجّهة للفتيات والسيدات ضمن مشروع إنها عالمة فلك وذلك لتمكين ثقافة العلم والتعلّم لمن هنّ نصف المجتمع وتقمن بتربية النصف الثاني منه.

الحلم لم يكن جريمةً في يومٍ من الأيام، لكن عدم الإقدام على تحقيقه هو الجرم الحقيقي، وأبناء الشمس أبناء العدل لا يكتفون بنصف المسافة ولا يقبلون بأنصاف الأفكار والعلوم، فآثروا العلم بالعمل، وأزادوا فأجادوا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى