قمة سوتشي: تفاهمات لمرحلة ما بعد الإنسحاب الأميركي من سورية

د. عصام نعمان

كان أنصار المقاومة في عالم العرب ينتظرون من قمة سوتشي أكثر مما صدر عنها. لكن أهل القرار في دمشق لم ينتظروا منها مخرجات حاسمة وإنْ كانوا متأكدين من انّ حليفيهما فلاديمير بوتن وحسن روحاني سيطالبان زميلهما رجب طيب أردوغان بإتخاذ مواقف حاسمة من مسألة سيادة سورية على كامل ترابها الوطني.

ما حصل في القمة أنّ تفاهماتٍ حاسمة توصّل إليها الرؤساء الثلاثة، بعضها بقي ضمنياً فيما بعضها الآخر، الأدنى حسماً، جرى إعلانه. غير أنّ التفاهمات كلها تمّ بحثها تحت عنوان رئيس: تنظيم ملء الفراغ الأميركي في سورية. فالإنسحاب الأميركي حاصل بالتأكيد. قد يُستأخَر، لكنه سيتمّ عاجلاً او آجلاً.

قبل انعقاد القمة الثلاثية وفي أثنائها جرى تظهير مواقف مهمة، كان بعضها حاسماً. فقد أكد الرئيس التركي، لأول مرة، وجوب الانسحاب من منبج و»تسليمها الى سكانها الأصليين» ما يؤدّي منطقياً ولاحقاً الى تسليمها للجيش السوري. مع العلم انّ الشمال السوري يضمّ أجزاء محتلة من محافظات حلب والرقة والحسكة، وفي وسطه تقع منبج، ما يؤشر الى انّ الانسحاب منها يستتبع انسحاب جميع القوات الأجنبية، بما فيها التركية.

من جهته أعلن الرئيس الروسي انّ نقاط التوافق السابقة لا تمنع انفراد كلٍّ من الأطراف المشاركة في مؤتمر «أستانا» الأخير من اتخاذ مقاربات تتمايز عن سائر شركائه. فقد أكد على أهمية «الاتفاق على كيفية إنهاء التصعيد بشكلٍ كامل في إدلب»، مشيراً في الوقت نفسه الى انّ «هذا لا يعني أننا يجب ان نتحمّل وجود جماعات إرهابية، بل وجوب النظر في خطوات عملية محدّدة يمكن ان تتخذها روسيا وتركيا وإيران لتدمير الإرهاب هناك بالكامل». هذا الموقف أكده أردوغان لاحقاً.

الرئيس الإيراني لم يكن أقلّ وضوحاً في هذا المجال. فقد شدّد على «ضرورة استمرار المعركة ضدّ جميع الجماعات الإرهابية وإنهاء وجود القوات الأجنبية، بما في ذلك الأميركيين الموجودين من دون إذن من الحكومة السورية، في أقرب وقت ممكن». لم يكتفِ روحاني بالتصويب على الجماعات الإرهابية والقوات الأجنبية بل كشف أيضاً انّ «المعلومات الاستخبارية المتوافرة لدى إيران تشير الى أنّ الولايات المتحدة ستواصل التدخل في سورية … وانّ على المجتمع الدولي مواجهة أعمال النظام الصهيوني العدوانية على الأراضي السورية التي تهدّد السلام والأمن الدوليين».

من جهته خصّص الرئيس التركي جزءاً من حديثه لملف اللاجئين السوريين في بلاده وضرورة العمل على استقرارٍ يتيح عودتهم الى بلادهم، مشكّكاً، كالرئيسين الإيراني والروسي، بالمواعيد المسرّبة عن انسحاب القوات الأميركية.

من الواضح انّ الرؤساء الثلاثة بحثوا القضايا العالقة في ضوء هاجسٍ رئيس هو الانسحاب الأميركي المرتقب من سورية وكيفية ملء الفراغ الناجم عنه، مع ضرورة تفهّم «مخاوف تركيا» من تداعياته وضرورة احترام سيادة سورية على كامل ترابها الوطني.

من هذا العرض يمكن استخلاص النتائج الآتية:

الاتفاق على «تنسيق الأنشطة لضمان الأمن والاستقرار» في شمال شرق سورية، مع احترام سيادتها «بما يتضمّن الإتفاقات القائمة» ما يعني إجازة جهود روسيا الهادفة الى إحياء «اتفاق أضنة» للعام 1998 بين سورية وتركيا واعتماده مدخلاً لعودة العلاقات بين البلدين والتنسيق بينهما.

الاتفاق على ضرورة «التصدّي بفعالية لمحاولات هيئة تحرير الشام الإرهابية جبهة «النصرة» سابقاً فرض سيطرتها على منطقة «خفض التصعيد، واتخاذ خطوات ملموسة للحدّ من الانتهاكات في المنطقة منزوعة السلاح بالتنفيذ الكامل للاتفاقات المتعلّقة بإدلب بما فيها مذكرة التفاهم الموقعة في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي».

الإفساح في المجال أمام تركيا لتنفيذ ما اتفق عليه في اجتماع سوتشي الأخير ما قبل قمة 14-13 شباط/ فبراير الحالي ولا سيما لجهة استهداف الجماعات الإرهابية وفق ما نصّت عليه مذكرة التفاهم الروسية التركية.

الاتفاق على ضرورة «انخراط المجتمع الدولي، ولا سيما وكالات الأمم المتحدة، في استعادة أصول البنية التحتية بما في ذلك مرافق إمدادات المياه والطاقة والمدارس والمستشفيات».

التفاهم على ضرورة إجراء ما يلزم لإطلاق عملية إعادة الإعمار في سورية، ومواجهة الطروحات الأميركية والأوروبية التي تشترط حلاً سياسياً فاعلاً للمشاركة في تغطية تكلفة العملية.

تهيئة الظروف «للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والمهجرين السوريين، والتعامل بإيجابية مع جميع الأطراف المعنية بما في ذلك مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين».

هذه الخُلاصات التي تمّ التوافق عليها انطوت، بالضرورة، على إجراءات مهمة آثر الرؤساء الثلاثة إبقاء بعضها مكتوماً لإجراء مزيد من المحادثات في شأنها، خاصةً بين تركيا وسورية.

غير انّ ثمة إنجازاً بالغ الأهمية توصّل اليه الرؤساء الثلاثة هو التوافق على ضرورة استكمال جهود المصالحة بين تركيا وسورية التي كانت باشرتها روسيا وانضمّت اليها إيران بشكل قوي ولافت عشيةَ قمة سوتشي. فالمصالحة وعودة الحوار بين الدولتين الجارتين من شأنهما تسهيل التوصل الى حلول وتسويات حول القضايا العالقة بينهما، ولا سيما قضية الأكراد السوريين الذين تصفهم أنقرة بأنهم باتوا أسرى تحالفهم مع حزب العمال الكردستاني التركي، في حين تحاول دمشق جادةً فكّ ارتباطهم بالحزب المذكور كما بالولايات المتحدة التي قامت بتسليح بعض فصائلهم المسلحة بغية استخدامها لتفكيك سورية في سياق مخطط التقسيم الصهيوأميركي.

باختصار، تمكّن الرؤساء الثلاثة من تدوير الكثير من زوايا الاختلاف في ما بينهم، واعطوا أنقرة فرصةً تدوم إلى موعد انعقاد «مؤتمر أستانا» في شهر نيسان/ ابريل المقبل لتنفيذ التزاماتها المقرّرة لمحافظة إدلب، وربما أعطوا أيضاً، وضمناً، إشارةً إيجابية الى دمشق التي تبدو مصمّمة على تحرير محافظة إدلب قريباً جداً».

الى ذلك، حقق الرؤساء الثلاثة إنجازاً آخر لا يقلّ أهمية عمّا سبق بيانه هو أنهم، بالمقارنة مع ترامب ونتنياهو وحلفائهما العرب، نجحوا في مؤتمر سوتشي فيما فشل خصومهم في مؤتمر وارسو فشلاً ذريعاً ومثيراً للسخرية، كما تبدّى ذلك في تعليقات وسائل الإعلام الأوروبية و… العبرية؟

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى