سيناريوات الانسحاب الأميركي وما بعدها…

حميدي العبدالله

ثمة سيناريوات عديدة للانسحاب الأميركي من سورية. سيناريو أول تحدّث عنه الرئيس الأميركي وبعض القادة العسكريين، وأكد فيه أنّ الانسحاب الأميركي سيكون شاملاً، وبعض المسؤولين تحدث عن انسحاب من منطقة التّنف أيضاً.

سيناريو ثان تحدّث عنه مسؤولين في إدارة ترامب تحدث عن أنّ الانسحاب لن يكون شاملاً، حيث يرجّح أن تبقى قاعدة التنف قرب مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، لما تمثله هذه المنطقة من أهمية استراتيجية، وقد يغري واشنطن في إبقاء هذه القاعدة ثلاثة عوامل، الأول أنّ هذه القاعدة تقع في منطقة خالية من السكان، وسيكون من الصعب استهدافها في عمليات مقاومة شعبية لأنه سيكون هناك ما يشبه حظر التجوّل في منطقة واسعة يمكن للقوات الأميركية بما لديها من قدرات تقنية للرصد أن توفر لها حماية كاملة وتجعل هذا الوجود غير مكلف. العامل الثاني أنّ هذه القاعدة تتوفر لها الحماية من قبل قوات أردنية كونها تقع بالضبط على الحدود السورية الأردنية، والأردن موثوق به من قبل الولايات المتحدة، ويمكنه أن يتحمّل عبء حماية هذه القاعدة، ولا سيما على مستوى القدرات البرية، إذ لا تحتاج الولايات المتحدة إلى إرسال عدد كبير من الجنود لحماية هذه القاعدة والحؤول دون تسلل مقاومين إليها، حيث ستوكل للقوات الأردنية جزء من هذه المهمة في إطار التنسيق العسكري والأمني القائم بين الولايات المتحدة والأردن. العامل الثالث، أنّ هذه القاعدة مهمة وضرورية وستعمل بالتعاون والتنسيق مع قواعد أميركية أخرى بالقرب منها ولكنها تقع داخل الأراضي العراقية، ويشكل وجودها حماية للقواعد الأميركية في العراق.

معروفة الوظيفة التي ستؤدّيها هذه القاعدة والتي ترتدي أهميتها من العوامل المذكورة وموقع التنف الجيواستراتيجي بالنسبة للوجود الأميركي في العراق، وعرقلة سيطرة الدولة السورية على منطقة شرق الفرات، وقطع طريق حيوي للتجارة بين سورية والعراق من شأنه أن يؤثر إيجاباً على عملية إعادة الإعمار، إضافة إلى رغبة تل أبيب في بقاء القوات الأميركية في هذه المنطقة بذريعة عرقلة إمدادات الأسلحة البرية من إيران إلى قوى المقاومة، ولا سيما المقاومة اللبنانية.

لكن من الواضح أنّ الانسحاب الأميركي الجزئي والمصحوب بتهديدات علنية أميركية تشدّد على منع القوات السورية، وهي القوات الشرعية، من الانتشار شرقي الفرات، وتهديد وحدات الحماية الكردية بقطع المساعدات عنها إذا وافقت على انتشار القوات السورية في هذه المنطقة يحمل معه خطران:

الخطر الأول، قيام تركيا باجتياح منطقة شرق الفرات بذريعة القضاء على وحدات الحماية الكردية التي تشكل تهديداً للأمن القومي التركي، وقد قامت تركيا بحشد آلاف الجنود على امتداد حوالي 400 كيلو متر هي الحدود الفاصلة بين تركيا وسورية في المنطقة الممتدة من منبج حتى القامشلي.

الخطر الثاني، اندلاع مواجهة كبرى إقليمية، وربما دولية أيضاً، في حال إصرار الولايات المتحدة على منع القوات السورية من الانتشار في شرق الفرات، وإبقاء قاعدتها في التنف، حيث ستكون القوات الأميركية عرضة لقصف بري، إذا اعتدت جوياً على القوات السورية، ومن شأن ذلك أن يشعل حرباً قد تمتدّ إلى العراق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى