وجهة نظر

حسين مرتضى

عاد الجدل إلى الشارع اللبناني من جديد ما بين مؤيد ومعارض لقضية عقد الزواج المدني، وذلك بعد إعلان وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن تأييدها لهذا النوع من الزيجات، وكأنّ الواقع الداخلي في لبنان لم يعد فيه ما يشغل بال السياسيين والشارع على حدّ سواء إلا هذه القضية، ما يشعر من يستمع لأخبار لبنان من الخارج، أنّ البلد ينعم باقتصاد متين، وتوافق سياسي وصل حدّ الانتقال إلى إعادة ترميم المجتمع.

غريب أمر السياسيين في لبنان، والأكثر غرابةً دفع الجمهور العريض للتعاطي مع قضية تحمل من الحساسية ما تحمل، وبالرغم من أهمية كلّ القضايا التي تمسّ حياة الناس بشكل مباشر، إلا أنها ليست أولوية، وبالمنطق يجب أن لا تتصدّر أولوية الانشغالات بين الجمهور والأطر الدينية والسياسية، وما كان من المفترض أن يكون في أولويات الدولة، عودة الروح للسلطة التنفيذية التي من شأنها أن تحلّ قضايا عالقة، تمسّ حياة المواطن وأعماله بشكل يومي، لما تحمله هذه القضايا من قدرة على دفع عجلة الاقتصاد في البلاد، ورفع مستوى معيشة الشعب الذي يعيش على البدائل في مختلف أشكال حياته، من الكهرباء إلى الصحة والتعليم، وانتهاء بالتلوّث الذي يحمل معه مرض السرطان لبيوت بعض المناطق.

المراقب بدقة لطريقة عيش أهالي بعض المناطق، والتي تتدرّج بدائل الكهرباء لديهم من الشمعة حتى اشتراك المولدات، مروراً بسراج الكاز ووسائل الإنارة بالغاز، وصولاً الى ما يطرح عن خصخصة قطاع الكهرباء، يرى بدقة الأزمة الحقيقية التي يعيشها البلد، في ظلّ رفض مؤسسات حزبية وأطر في الدولة عرض الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو غيرها، لمساعدة لبنان في موضوع الكهرباء، بدون أيّ مبرّر فعلي، إلا النكد السياسي، كي لا يغضبوا الأميركي والسعودي، والذي ينعكس سلباً على حياة المواطنين، دون تأمين البدائل الحقيقية، ضمن مدى زمني يمتدّ عشرات السنين، ولا يلتفت رافض هذا المشروع إلى أنّ مختلف المناطق اللبنانية شهدت خلال الأيام السابقة، تقنيناً قاسياً وصل 18 ساعة يومياً، ففي بيروت الإدارية مثلاً وصل تسع ساعات، في الوقت الذي كانت تبلغ ساعات التقنين فيها ثلاث ساعات. ما يعني أنّ التقنين زاد خلال الفترة الماضية ستّ ساعات إضافية من الانقطاع، ما يؤدّي بشكل فعلي لتعطيل العاصمة القلب الاقتصادي للبلاد، عدا عن المناطق الأخرى، والجميع يوافق الرأي انّ الكهرباء ليست قضية عابرة في حياة اللبنانيين، شأنها شأن الصحة والتعليم والكثير من القضايا، لكن بشكل منطقي، لو استفادت الدولة اللبنانية من العرض الإيراني عام 2006 لكانت المشكلة بشكل كامل قد حلت، وتوفرت الكهرباء في بيوت اللبنانيين على مدار الساعة.

بالطبع، إنّ نقل قضية كقضية الزواج المدني إلى فضاء العالم الافتراضي، واتساع دائرة النقاش، يثير تساؤلاً حول من يضع سلّم أولويات القضايا في لبنان، وكيف يتمّ ترتيبها لتقديمها للشارع والرأي العام، بغضّ النظر عن أهمية القضية لجهة ملامستها لأحد أوجه الحياة، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ قضايا أكثر إلحاحاً، تبقى غائبة عن السجال وعن الطرح، وطرحها في هذا التوقيت قد يساعد في تصحيح بوصلة عمل الحكومة أو تعدّل مسارها وتنقذ لبنان من المشكلات المزمنة المتراكمة منذ سنوات.

في المحصلة ما يترقبه المواطنون من عمل الحكومة الجديدة وينظرون إليه بعين الأمل، يقف أبعد من سجال في العالم الافتراضي حول الزواج المدني، وهو إشارة انطلاقة العمل بشكل ملموس، لتحقيق النقلة النوعية في الاقتصاد والسياسية والأمن، وتوفير سبل حياة كريمة بات الناس والوطن بأمسّ الحاجة إليها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى