هل يشن نتنياهو حرباً على إيران مغلباً حلّ أزماته على حساب مستقبل الكيان الصهيوني؟

محمد شريف الجيوسي

هل تشهد المنطقة حرباً إقليمية واسعة؟

لم تخف إيران سياساتها منذ اللحظات الأولى لقيام نظامها السياسي موقفها من «إسرائيل»، وتأكيد عزمها على تحرير فلسطين، وعلى هذا الطريق دعمت المقاومة ولا سيما في لبنان وفلسطين.

لكن السؤال لمَ لهجة التهديد الصهيوني ضدّ إيران الآن أعلى من السابق؟

ما الجديد في «إسرائيل» والمنطقة والعالم الذي يدفعها للمغامرة بحرب إقليمية في وقت خسرت فيه حروبها على مدى الـ 15 عاماً الأخيرة ضدّ قوى أدنى من قدرات إيران العسكرية بكثير.

ما الذي يدفع إيران لقبول التحدّي وإعادتها التأكيد على ما دأبت عليه منذ قيام نظامها السياسي الجديد وقطعها العلاقات مع الكيان الصهيوني وتسليم السفارة الصهيونية في طهران لمنظمة التحرير الفلسطينية.

إنّ تطلع الصهاينة لشنّ حرب ضدّ إيران ليس جديداً، فأرييل شارون عندما كان رئيساً لوزراء كيان العدو أراد شنّ هذه الحرب بعد احتلال أميركا وبريطانيا وملحقاتهم للعراق لكن أميركا كانت ضدّ الحرب على إيران لاعتبارات منها، وجود نحو 150 ألف جندي أميركي في العراق، وشنّ الحرب سيعرّض هؤلاء لمخاطر كبيرة هم في غنى عنها، فضلاً عن أنّ استمرار إيران سيُبقي على حالة من القلق والاختلاف معها لدى دول الخليج وهو ما يمكن استثماره لاحقاً وما نشهد «نتائجه» الآن باصطفاف معظم الخليج إلى جانب «إسرائيل».

وعندما أصرّ شارون على شنّ حرب اتخذ قرار أميركي بتصفيته، فتمّت عملية إمراضه !؟ وموته بعد فترة طويلة من الغيبوبة.

الآن تغيّرت الأوضاع، فإيران بعد سنوات من التدخل «الإسرائيلي» والأميركي ضدّ سورية ودعمهما العصابات الإرهابية، فضلاً عن بريطانيا وفرنسا ودول أخرى، دخلت إيران على الخط بطلبٍ من الدولة الوطنية السورية الشرعية وقدّمت مساعداتٍ جُلّى لسورية إلى جانب روسيا، وأطراف أخرى بقدر أقلّ.

ومن المعروف أنّ الكيان الصهيوني ومنذ قيامه كان وما زال دائم الاعتداء وخرق الأجواء مع الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة، وما زال يحتلّ أراضي وجزراً تابعة لأكثر من دولة عربية.

ولم ينفذ هذا الكيان منذ قيامه، أياً من قرارات الأمم المتحدة بالمطلق، بشأن القضية الفلسطينية أو الجولان السوري أو جنوب لبنان، أو غيرها، فضلاً عن إقامته مفاعلين نووين، أحدهما آيل للدمار، ما يشكل مخاطر كبيرة على المنطقة بكليتها.

ما يعني أنّ دخول إيران على خط الأزمة السورية، شرعي ومشروع وهو نتاج طبيعي لاستهداف سورية من التحاالف الدولي الأميركي ومن العصابات الإرهابية ومن استمرار الاعتداءات الصهيونية ضدّها وضدّ معظم دول المنطقة ودعمها للإرهاب بشكل مباشر وغير مباشر، ومن حيث أنه جاء بطلب من الدولة الشرعية المحتلة أراضيها من قبل الكيان الصهيوني، وكون سورية المعتدى عليها بحاجة لكلّ أشكال الدعم العسكري والإنساني والاقتصادي وغير ذلك.

ولا بدّ أنّ إيران التي تعيش منذ إسقاط نظام حكم الشاه رضا بهلوي، حصاراً أميركياً متصلاً وغربياً إلى حدّ بعيد، إرضاء لعيون الكيان الصهيوني بما يضمن استمراره الأقوى، على حساب الشعب الفلسطيني والأمة بأسرها والعالم الإسلامي، فإنها بوجودها في سورية وتقديمها الدعم للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية فإنها بذلك تدافع أيضاً عن مصالحها المشروعة بمواجهة الحصار وبمواجهة محاولات خلخلة الاستقرار في إيران وتجويع الشعب الإيراني.

أما الكيان الصهيوني فهو منذ البداية كيان غاصب عدواني إرهابي استعماري إحلالي عنصري.. ولن يكون غير ذلك، بل تتعزز هذه السمات في كلّ بناه ومؤسساته وتوجهاته وقراراته، وتتمدّد مخاطره الى كامل الإقليم.

وعلى صعيد الداخل الصهيوني فهو كيان مأزوم رغم كلّ الدعم الأميركي والغربي ودعم الصهيونية العالمية والماسونية له، وزاد مؤخراً بالرجعية العربية ومن تحت الطاولة الرجعية الإخونية التركية، رغم كلّ ضجيج ومزاودات أردوغان.

ويعاني نتنياهو من تفكك التحالفات في الانتخابات المقبلة، ومن اتهامات أكيدة له بالفساد، تهدّد أزمته الشخصية وتراكمات النظام السياسي الصهيوني المأزوم مستقبله السياسي، ومن هنا فهو يحاول الخروج من الأزمتين بتصديرهما للخارج، والمزاودة على سابقيه ومنافسيه الحاليين، بشنّ حرب على إيران أو التهديد بها، بخاصة أنّ الظرف العربي الرجعي وما أشغلت به الجيوش العربية الوطنية فضلاً عن الظرفين الإقليمي والدولي الأميركي الغربي يتيحان له كلياً التشدّق والفعل، فالدولة الأميركية العميقة تفرض على العديد من الدول التابعة والحليفة، دعمه شخصياً وتوريط معظم عرب الخليج في تلك الحرب ما يزيد من خضوعهم لواشنطن وتفليسهم ونقل الأزمات والفتن التي سعوا في خلقها إليهم، كلّ ذلك في نهاية التحليل لصالح «إسرائيل» بحسب أمانيهم.

لن تبدأ إيران غالباً حرباً ضدّ «إسرائيل» فهي وسورية تفضلان حرباً خلف الأسوار، لكن إنْ بدأ العدوان الصهيوني فلن تبقى الحرب «خلف الأسوار» بل ستشمل ساحات عديدة وممرات دولية وحقول نفط وقواعد عسكرية أميركية وفرنسية وغيرها ومطارات عسكرية ومفاعلات نووية.

إيران ليس لديها أكثر بكثير مما تخسره يومياً اقتصادياً دون حرب، بخاصة بعد انسحاب واشنطن من اتفاق 5 + 1، لكن الخاسر الأكبر من هم غير محاصرين الذين زرعوا الفتن، ولن تستطيع أميركا مساعدتهم على الأقلّ لأنها تسعى في دمارهم لصالح الصهاينة.

أميركا لن تمنع نتنياهو من شنّ حرب على إيران، على نقيض ما فعلت مع شارون وذهب بسبب وهم شنّ حرب ناجحة عليها، ولكن إيران بقيت وتعززت قدراتها العسكرية والاقتصادية ومكانتها الدولية فيما تتراجع مكانة واقتصاد وأمن الدول «الضامنة» لأمن ومستقبل الكيان الصهيوني و»أصدقائها الجدد» في المنطقة.

وعلى فرض تورّط نتنياهو بشنّ حرب مقامراً بمستقبل الكيان الصهيوني وتابعي أميركا في المنطقة، وتمّ تدمير أهداف استراتيجية «إسرائيلية» ولم يعد تالياً من المجدي إعادة شن حرب جديدة على إيران وحلفائها، كيف سيكون مصير هذا الكيان وموقف رعاته وضامني أمنه ومستقبله ومن سيعبّئ الفراغ الناحم عن هزيمة «إسرائيل»؟

أما في حالة عدم هزيمة «إسرائيل»، فإيران دولة صاعدة فيما خصومها وأعداؤها في هبوط، وإيران واسعة المساحة متعددة المصادر الإقتصادية والموارد وعلى قدر كبير من التقدّم العلمي والتكنولوجي، والأصدقاء ليسوا كأصدقاء تل أبيب، وهي في ظلّ الحصار ومحاولات تأليب الشارع ضدّها تقدّمت كما لو أنها دون حصار ظالم فاشي.

شخصيا أتمنى أن تتغلب أنانية نتنياهو على مصلحة الكيان الصهيوني فيتورّط في شنّ حرب ستكون الأخيرة التي تشنّها على دولة في المنطقة، وسينجم عنها تحرير جزء واسع من فلسطين المحتلة وانكفاء المشروع الصهيوني تمهيداً لتحرير كلّ فلسطين.

لقد سبق أن بشّرتُ مراراً وتكرارا بانتصار الدولة الوطنية السورية في أقسى وأدق الظروف، وعنْونتُ مقالتين أو أكثر بـ الرخ السوري سيفرد جناحيه على المنطقة وها هي سورية تنتصر على كلّ أعدائها متفرّقين ومجتمعين، وأقول اليوم بكلّ ثقة إنّ تل أبيب والدول الضامنة لها لن تقدر على هزيمة إيران، وأكثر أقول إنّ مصلحة محور المقاومة بخاصة والمنطقة العربية والإقليم بعامة بانتصار إيران على الكيان الصهيوني وضامنيه، وأنّ مصلحة العرب في محاورتها وإقامة أفضل العلاقات معها، وحل أيّ خلافات قديمة أو جديدة معها بالحوار ديبلوماسياً وسياسياً وذلك في صالح جميع المتحاورين.

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى