زعامات فارّة من وجه العدالة

د. رائد المصري

بهدوء… فالعالم أمام أضحوكة وسخرية من هذا النظام الدولي المتقلب، والذي يريد أن يتحكّم بسياساته قادة مجرمون أو منتحلو صفة ناهبين للثروات العامة ومال الشعب، وخير دليل لنا هو كشف زيف سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسلوكياته المقززة والإتهامات التي كالها له مايكل كوهين وتورّطه بالفضائح الجنسية والفساد والسمسرات، حيث يستمرّ هذا الرئيس في أداء مهامه في السياسة الخارجية ويعتبر نفسه قادراً على إدارة الحكم العالمي ويفرض العقوبات ويقيم الانقلابات والحصارات على الدول ذات الاستقلال والسيادة والشرعية، وكأنّ هذه الشرعية المنقوصة التي ضربته مع شركائه العنصريين في الخليج كمحمد بن سلمان أو بنيامين نتنياهو أو غيرهما كذلك من صقور السياسة اللبنانية الواقفين على يمين اليمين كأدوات منذ عام 2000 تاريخ التحرير بيد أليوت أبرامز وجون بولتون ومايك بومبيو وغيرهم من الذئاب التي أطلقها ترامب مؤخراً، على إعتبار أنه بإستطاعة هؤلاء حمايته وتسويق ما ترتكبه يداه من حماقات عنصرية تتعلق بتصفية قضية فلسطين وحماية المجرمين، كقتلة الصحافي جمال الخاشقجي، والإنقلاب على كلّ الإتفاقيات والمعاهدات الدولية، من دون أن ننسى ملفات الفساد والسرقات التي افتتحت مؤخراً في لبنان بقضايا العبث بالمال العام والهدر بالميزانية العامة والتحويلات والتهرّب الضريبي ووضع اليد على الأملاك العامة وسرقات تبدو موصوفة لسياسيين مثلوا وشكلوا أكبر رمز للتعصب الديني والمذهبي والطوائفي، وهم الذين حاموا حول الجريمة لوحدهم، فالمجرم في علم الجرائم غالباً ما يحوم حول جريمته ليقع في الفخ… فما هو هذا الرابط بين هذه الزعامات الفارّة من وجه العالم؟

إنها المدرسة نفسها التي خرجت هذه النخب من السياسيين ومن تجار وسماسرة المال والمرابين، وهم بطبيعة الحال شكل وأداة من أدوات صندوق النقد والبنك الدوليين المولجين بسحب المال والسيولة والضمانات الاجتماعية، وفرض سياسات التقشف والمساعدة على استباحة سيادة الدول في تحرير أسواقها، وتمكين البنوك من بسط سيطرتها وإحكامها القبضة على المالية العامة وميزانيات الدول، لكن هذه القدرة التي ضعفت لديهم في عمليات السطو تكشفت وانكشف معها وجهها المتوحش الذي يمثله ترامب بسياساته وعنصريته واستباحته لشرعيات الدول وضرب مقدراتها الوطنية ونهب ثرواتها، حيث كان آخرها محاولته المستمرة في فنزويلا عبر إطلاق ذئبه أليوت أبرامز المتخصّص بتوزيع وصفات تقسيم الدول وضرب مكوناتها الاجتماعية والسياسية، وهو طالما كان من صقور الذين أدّوا دوراً على هذا الصعيد في لبنان منذ عام 2002 وخلال حقبة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في إعادة وصياغة أفراد طاقم هذه المدرسة المالية ومهندسيها الناهبين للمال العام بالاحتيال والصفقات والتهرّب من المحاسبة، وهو ما فتح الباب على انكشاف الدولة اللبنانية وعجزها وتراكم المديونية الى هذا الحدّ المخيف، والأنكى أنّ مجاميع هؤلاء من النخب والذين كانوا متحكّمين بمصير الشعوب وضمانها وأموالها المسروقة، لا زالوا يستخدمون نفس الأساليب والأدوات التحريضية والإصطفافات المذهبية والطائفية لتغطية إرتكاباتهم وجرائمهم بحق الشعب…

رغم محاولة نتنياهو وهو من خرّيجي هذه المدرسة المالية القاتلة ربط مسارات الأحداث وتطوّراتها وتصويرها على أنها تخرج من تحت عباءته، ورغم اندفاعاته العنصرية واعتداءاته المتكررة على شعوبنا في فلسطين والجوار، ورغم تقديمه موعد الانتخابات الى أوائل نيسان المقبل بغية التهرّب من محاسبة قاضي التحقيق في ارتكابه كلّ أعمال الفساد وموبقاته فإنّ حبل الإدانة يلتفّ حول عنقه، ولن يكون في الحكم بعد الانتخابات كون الإدارة الأميركية العميقة بمؤسساتها الكلاسيكية صارت ترتاح لجنرالات الحرب في حكم «إسرائيل» أكثر نتيجة واقعيتهم في التعاطي مع القضايا الحساسة…

ورغم محاولة ترامب الهروب الى الأمام بملفاته لتهريبها من الاتهامات الموجهة إليها بالضربة القاضية لمايكل كوهين وقطعه مسافة 4000 كلم للقاء كيم جون أون، إلا أنّ حبل الاتهام المثبت يلتفّ حول عنقه ويضيق، خاصة بعد أن فشل في ضرب وزعزعة شرعية النظام الحاكم في فنزويلا، التي احترقت ورقة المساعدات الإنسانية والمراهنة عليها بين أيدي كولومبيا وإدارة ترامب، وستؤدّي حتماً إلى احتراق ورقة غوايدو بعد فشل المراهنة على انشقاق الجيش وعلى انفجار الغضب الشعبي ضدّ مادورو، تحت عناوين مبطنة كالمساعدات الإنسانية…

ورغم تبني البعض في لبنان لمواقف غبّ الطلب ممن تبقى من فلول 14 آذار وصقورهم التي اعتاشت على فتات ريوع جون بولتون وأليوت أبرامز والمحافظين الجدد، في محاولة لإعادة عقارب ساعتهم التي سطوا بها على الحكم اللبناني عنوة، وخرّبوا وعبثوا بالدولة وبميزانيتها وأفسحوا في المجال لاستباحة البلد أمام المستعمر الغربي والأميركي، فهؤلاء أصبحوا خردة لا تباع حتى بالمزاد العلني والأسواق الشعبية، فنحن أمام معطى حقيقي في محاسبة الفاسدين وهدرهم للمال العام، وهو أمر أشدّ من الخيانة العظمى المرتكبة، ويجب أن يلتفّ حبل التحقيقات والاتهامات على هؤلاء العوالق التي تعتاش على نبض الأزمات والموت والتخندق والدم… علنا نحقق حلم إقامة دولة مدنية علمانية وطنية عنوانها سيادة القانون على الجميع…

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى