بريطانيا في قراءة عربية إرهاب مفتوح بأساليب متعددة

د. وفيق إبراهيم

المدققون في القرار البريطاني باعتبار حزب الله تنظيماً «إرهابياً» بجناحيه العسكري والسياسي لا يبدون تعجباً كبيراً.

فالانجليز متخصّصون بشؤون العرب منذ أكثر من قرنين على الأقلّ، يعرفون ما يجذب حكامهم مجيدين فنون التسبّب بانقساماتهم الداخلية وتبديد مكامن قوتهم فتذهب ريحهم المندثرة أصلاً.

الدليل موجود في التوقيت الذي انتقوه لإعلان «إرهابية حزب الله» الذي يتزامن مع هزيمة الإرهاب الداعشي ـ الغربي التغطية والخليجي التمويل والتركي بالدعم اللوجيستي.

فليس معقولاً أنّ بلداناً غربية تعلن إرهابية داعش والقاعدة والنصرة منذ عدة سنوات، تقوم واحدة منها هي بريطانيا بإعلان حزب الله تنظيماً إرهابياً وهو الذي أسهم بشكل بنيوي بالقضاء على تنظيمات الإرهاب التي لا يزال الغرب يعلن أنه يقاتلها.

هذا جزء من التعجّب، ويثير حنق حكام الخليج و»إسرائيل» الذين يعتبرون انّ حزب الله يشكل خطراً عليهم أكثر من الإرهاب الداعشي.

وهذا يفضح الأهداف الحقيقية للقرار البريطاني فيتضح أنه يريد إثارة تناقضين، أولاً المزيد من العداء الإيراني ـ العربي باعتبار أنّ حزب الله متحالف مع إيران، وثانياً العداء اللبناني ـ اللبناني، لأنّ قسماً من اللبنانيين يرتبطون بالنفوذ الأميركي ـ السعودي.

للإشارة فقط فإنّ حزب الله تنظيم لبناني قاتل الاحتلال «الإسرائيلي» لقسم من لبنان بين 1982 ـ 2000 انتهت الى طرد «الإسرائيليين» وتحرير لبنان من الاحتلال.

كما تصدى لاجتياح «إسرائيلي» في 2006 وردّه خائباً على عقبيه، متمكّناً من بناء توازنات قوى جديدة منعت «إسرائيل» تنفيذ مغامرات جديدة على أراضيه.

وذهب إلى سورية مُقاتلاً أشرس إرهاب معولم إلى جانب الدولة السورية وإيران وروسيا. ولو نجح هذا الإرهاب بتأسيس مشروع خلافته الإسلامية، لسيطر على العالم الإسلامي وتسبّب بتدهور كبير في العلاقات الدولية.

وباعتراف الرئيس الأميركي السابق أوباما ورئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم، فإنّ الخليج وتركيا موّلا هذا الإرهاب ودعماه بكلّ السبل بأوامر أميركية. وهذا يؤكد أنّ داعمي الإرهاب هم الإرهابيون الحقيقيون، أما الذين قاتلوه ومنهم حزب الله فهم الأطراف الحقيقية المعادية لهذا الإرهاب بأشكاله الإسلاموية و»الإسرائيلية» والخليجية والغربية.

لذلك فإنّ القرار البريطاني يخدم القوى التي تعمل على إنتاج إرهاب جديد للزوم تجديد الصراعات في أنحاء جديدة وقديمة من العالم الإسلامي.

لا بدّ هنا من استقراء العلاقة البريطانية بالعرب في ضوء إنتاجات انجليزية تركها هذا المستعمر وراءه في المنطقة العربية التي احتلها لأكثر من قرن ونصف القرن بالدماء والقتل وسرقة النفط، والتآمر والانقلابات.

نكتفي بعرض أدواره في حربين عالميتين مستعيناً بقبائل عربية وَعَدَ مشايخها بدولة موحدة في المنطقة. لكنه وما أن تحقق له هزيمة العثمانيين في الحرب الأولى والألمان في الثانية حتى استعمل منشار تقسيم المنطقة، مجزئاً بلاد الشام وجزيرة العرب إلى عشرات الكيانات الصغيرة الواهنة واضعاً إمكاناتها النفطية في خدمة الشركات الانجليزية والأميركية.

هذه الأمور جرى تنفيذها على دماء عشرات آلاف القتلى من العرب في كلّ مكان، إلا انّ ما فعله البريطانيون بفلسطين شكّل مأساة متكاملة بدأت بسماحه لعشرات الآلاف من اليهود الغربيين للاستيطان في فلسطين في القسم الأول من القرن العشرين، مؤسّساً لاشتباكات بين يهود كانوا جنوداً في جيوش الغرب وبين الفلسطينيين المدنيّين في القرى والمدن، مواصلاً فتح حدود فلسطين لكل أنواع اليهود من كلّ أصقاع الأرض.

كان يقدّم هذه التسهيلات التي تواكبت مع صدور وعد بريطاني «لإعادة» اليهود الى فلسطين تحت اسم وعد بلفور 1917 الوزير البريطاني السيّئ السمعة والصيت وكان الانجليز يضغطون على الفلسطينيين للتنازل لليهود عن ربع فلسطين، ومع تقدّم الهجمات «الإسرائيلية» على الفلسطينيين بدعم بريطاني بالسلاح والتخطيط، وصلت مطالبهم إلى الثلث، حتى تجاوزوا هذا الأمر الى المطالبة بنصف فلسطين.

بيد أن الانجليز وكعادتهم، تآمروا على الفلسطينيين في الأمم المتحدة وأقرّوا تقاسماً يعطي اليهود نحو 55 من فلسطين.

وأدّى انسحابهم في 1948 من فلسطين إلى اجتياح يهودي طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين الى الدول العربية المجاورة، ولم يبق منهم إلا القليل في الضفة الغربية وغزة وداخل أراضي 1948.

وبدأت منذ ذلك التاريخ ما يسمّى «قضية فلسطين» وسط تأييد انجليزي ـ فرنسي موَّل «إسرائيل» بالسلاح والمال والقوة النووية، إلى أن سلّموا الراية للأميركيين.

هذه هي تاريخية العلاقة الانجليزية ـ العربية، فهل من المستغرب أن تتهم بريطانيا حزب الله بالإرهاب وهي التي ترى فيه نموذجاً عربياً جديداً لم تره قبلاً في مراحل استعمارها، وهو نموذج أخذ الحق بالقوة ورفض كلّ أنواع الاستعمار الانجليزي «الإسرائيلي» ـ الأميركي.

فمن هو الإرهابي إذا؟ وهل يقاتل حزب الله على الأراضي البريطانية، أم على أراضيه اللبنانية والسورية؟

فالإرهابي هو الاستعمار الغربي المسؤول عن إبادة ملايين البشر في أنحاء العالم بذريعة نشر الحضارة والديمقراطية، فهل وصل نشرهم هذا إلى أصدقائهم في الخليج وأوقف الهمجية «الإسرائيلية».

لذلك فالاتهام الانجليزي لحزب الله هو وسام نصر له يؤكد على استيقاظ الأمة من الإحساس بالعجز أمام التفوّق الغربي وحركته الاستعمارية المتواصلة بأشكال شتى، على رأسها دعم الإرهاب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى