الحراك الشعبي في الجزائر… ما مصيره؟

كمال حميدة

كنت أتوقع أن يمضي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في تقديم ملف ترشحه لولاية خامسة، رغم الاحتجاجات العارمة التي شهدتها معظم المدن الجزائرية، الرافضة لتوليه ولاية جديدة. هذا التوقع أتى نتيجة أنّ الرئيس بوتفليقة يستمدّ ترشيحه من طرف جبهة التحرير الوطني، وهي الحزب الحاكم منذ الاستقلال وبعض الأحزاب والحركات الموالية له، هذا الحزب هو الآخر يستمدّ حضوره من المشروعية الثورية التي نالت الحرية وانتزعتها بفضل تضحياتها ونضالاتها ضدّ المحتلّ الفرنسي، وهي بدورها تسلّمت مقاليد السلطة لكونها اعتقدت اعتقاداً جازماً أنّ السلطة هي مكسب لها ومشروع محق للحفاظ والدفاع عن المبادئ الثورية وأهدافها.

هذا الترشح أتى بالوكالة عبر رئيس حملته الانتخابية عبد الغني زعلان، الذي عيّن خلفاً لرئيس الحكومة السابق عبد المالك سلال، هذا الأخير تجنّب معارضته للاحتجاجات الشعبية لأسباب صحية من الدرجة الأولى للرئيس بوتفليقة. وعقب تقديم ملف ترشح الرئيس الحالي تلا رسالته الوزير السابق بالنيابة عنه، التي نصّت في أهمّ بنودها على أنّ الرئيس الجزائري وعد بانتخابات رئاسية مبكرة في حال انتخابه للدورة الخامسة، وعقد ندوة وطنية تجمع كافة الأطياف والمكوّنات الحزبية لإجراء تعديلات دستورية، وتأسيس لجنة مستقلة تشرف على الانتخابات.

فبعض المراقبين اعتبروا أنّ هذه الخطوة استفزازية وتؤدّي بالبلاد نحو المجهول وهي مناورة لكسب الوقت من أجل تجديد النظام من رحم ذاته، مضيفين أنّ ثمة رجالاً في الخفاء يديرون الدولة من أعلى الهرم السلطوي، بالأخصّ في الظروف الصحية الحالية لرئيس الجمهورية. ومنهم رأى أنّ الصراع القائم بين الحرس القديم والحرس الحالي، هو من فجر هذا الحراك الشعبي في الشوارع العامة، ويعمّق الفجوة بين الهرم السلطوي والقاعدة الشعبية، ورأي آخر يرى أنّ رجال المال الفاسد أو ما يعرفون بـ «باترونة المال» أو «المجموعة النافذة» بما يتمتعون به من نفوذ وعلاقات داخل مفاصل الدولة لا يروق لهم أن تتنازل السلطة عن مركزية قرارتها وأن تعيد النظر في تقديم وجه آخر لمرشحها.

كما أنّ هذه الرسالة اعترضت عليها منابر إعلامية وحزبية بأنّ هذه الوعود أتت متأخرة، حيث سبق أن قدّمت أحزاب المعارضة قبل سنوات هذه المقترحات، عندما كان الرئيس يتمتع بكامل صحته، فأقدمت السلطة على الأخذ بعين الاعتبار بجزء منها، وتجاهلت المقترحات المتبقية، وهنا بدت الأحزاب غير الموالية للسلطة أنها فقدت ثقتها بنظام الحكم، خصوصاً عندما تفجّر الحراك الشعبي في معظم المدن، التي باتت تعتمد على أصوات زخم المسيرات من أيّ وقت مضى، وتدعم مطالبه بكلّ ما أوتي من قوة، وتنظر إليه أنه أتى في الفرصة المواتية ليكون هو المحرك الحقيقي لإرغام السلطة الحاكمة للنزول عند شعاراته وهتافاته وتقبل ما يريده من المسؤولين الحاكمين.

الإنجازات التي تحققت في حقبة طوال الحكم تفتخر بها الأحزاب الموالية، كشبكة الطرق والسكك الحديدية، والسدود، وزيادة في عدد الجامعات، ومنح حوالي ثلاثة ملايين مسكن للمواطنين بصفة مجانية، إلى جانب الدور الأساسي لرئيس قصر المرادية في استتباب الأمن وترسيخ الاستقرار الداخلي. إلا أنّ المعارضة تقضي عليها بأنها إنجازات نسبية، والأموال التي أنفقت في جميع المشروعات هي أموال الشعب، فضلاً أنّ رجالاً من داخل النظام والمقرّبين منهم هم الذين انتفعوا من الأموال التي استثمرت فيها. واستاءت المعارضة من مستوى الفقر المستشري في المجتمع الجزائري بحيث وصلت نسبتها إلى 38 بالمئة من خلال تقارير الأمم المتحدة.

مطلب المتظاهرين على منع الولاية الخامسة دون تحديد سقف معيّن للتجاوب معها، قد يحمل في طياته نتائج لا تصبّ في خانة المحتجّين. فمضاعفة الاحتجاجات دون الالتقاء والتقاطع مع تنازلات السلطة بالحدّ المعقول من وجهة نظر دوائر الحكم، من المحتمل أنه سيصطدم بمواجهات في الشارع، لأنّ نظام الحكم له مناصروه ومؤيدوه سيدافعون عن نظام الدولة ويرفضون رفضاً قاطعاً اللجوء إلى الانقلاب عليه بين عشية وضحاها ودفع السلم الأهلي نحو حافة الهاوية، لا سيما أنّ الأسرة الحاكمة قدّمت مقترحاً واعداً بتنفيذه في أجل قصير المدى، وهو مبرّر قد يضيفها رصيداً لإقناع الشارع بأنّ الدولة في خدمة المصلحة العامة للشعب، والحفاظ على أمنها واستقرارها بدلاً من جرّ البلاد نحو المجهول أو الفراغ الدستوري. وفي حال إصرار الشارع الرافض لرئاسة خامسة على المضيّ قدماً في تجاوز مطالبه وفي طليعتها تغيير جذري للنظام القائم، واعتراضه من جانب شارع المؤيدين والموالين قد سيؤدّي إلى اندلاع صدامات واشتباكات وأعمال شغب وعنف، حينها ستتدخل الأجهزة الأمنية والعسكرية وتفرض حالة الطوارئ داخل البلاد لأجل قصير أو طويل المدى، بطبيعة الحال ستصبح فرض منطق الغالب هو الأقوى على الأرض. وفي هذه الحالة ستعمل السلطة على إعادة النظر في تصحيح أوراقها وترتيب بيتها ومعالجة ما يمكن معالجته وعلى رأسها تقديم مرشح رئاسي مستقبلاً يحظى بإجماع وطني لإقناع شريحة واسعة من الشعب الجزائري بأنها الجهة الوحيدة القادرة على إنقاذ البلاد من دوامة الخلافات الخانقة والانقسامات الحادة التي تهدّد الوحدة الوطنية، والحامية الكفيلة بالتصدي وردع كلّ صوت أو حراك يستهدف زعزعة الأمن الداخلي والاستقرار السلمي.

كاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى