محاولات خارجية لتعطيل الدولة اللبنانية…

محمد حميّة

يبدو أن الضغوط الأميركية نجحت الى حدٍ كبير في لجم اندفاعة الحكومة الجديدة باتجاه وضع الأزمات المُهدِدة للاستقرار الداخلي على سكة الحلول، فتجمّع الأحداث وتزامنها منذ زيارة المسؤول الأميركي دايفيد ساترفيلد، تشي بظهور سلوك أميركي مستجدّ يرمي إلى إعادة زج لبنان كساحة اشتباك للصراع في المنطقة.

جملة تطورات برزت خلال الأسبوعين الماضيين طبعت هذا التوجه الأميركي، أبرزها قرار بريطانيا تصنيف الجناح السياسي لحزب الله على لائحة الإرهاب والترحيب السعودي به وأتباعه بعقوبات مالية أميركية جديدة على الحزب، ثم زيارة ساترفيلد ولقائه مسؤولين رسميين ومن فريق 14 آذار لإعادة تجميعه كجبهة سياسية موحّدة بدأت معركتها بالهجوم الشرس على حزب الله على خلفية ملف الفساد.

إلا أن القوات اللبنانية ونيابة عن رئيس الحكومة سعد الحريري فتحت المعركة ضد رئيس الجمهورية في أولى جلسات مجلس الوزراء، مُشعلة سجالاً حاداً حول ملف النازحين السوريين لتعطيل أي توجه حكومي لحل أزمة النزوح بالتنسيق الرسمي مع سورية وخارج التوجهات الأميركية الخليجية.

بيد أن مفاعيل زيارة ساترفيلد الى لبنان لم تتأخر بالظهور التدريجي، فبعد أن نأى بنفسه عن الخلاف «القواتي» «العوني» في مجلس الوزراء، يستكمل رئيس الحكومة اليوم ما بدأته «القوات»، فاستبعد وزير النازحين صالح الغريب المعني الأول بالأزمة من الوفد المرافق الى مؤتمر بروكسيل، ما يفضح «التنسيق الخفي» بين القوات والحريري!

أما الذريعة الحريرية، بأن الاتحاد الأوروبي صاحب الدعوة، فغير مقنعة، إذ كيف يقبل رئيس الحكومة أن تُحدّد جهة خارجية أسماء وفد دولته واستثناء وزير من حكومته المعني الرئيسي بموضوع المؤتمر؟ ألا يُعد ذلك تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية وخرقاً للسيادة الوطنية؟ علماً أن الدعوة توجه الى الدولة أو الى رئيسها وهو يختار الوفد المرافق.

فما هي أهداف هذا التوجه الأميركي الجديد؟

ما بات مؤكداً أن زيارة رئيس الجمهورية الى موسكو تحت المرمى الأميركي – السعودي وما مؤتمر بروكسل إلا محاولة لإجهاض نتائج الزيارة، عبر خلق مسار موازٍ لمسار الزيارة الرئاسية.

وما يعزز هذا الاعتقاد مشاركة الحريري في المؤتمر بلا تنسيق مع رئيس الجمهورية ومع الحكومة مجتمعة، وقبل انتهاء وزير النازحين من إعداد «خطة النازحين» وعرضها على الحكومة!

أما الأمر الذي لاحظته الأوساط السياسية فهو أن «المناخ الحريري» قبل زيارة ساترفيلد ليس كما قبلها، ولا يعبّر عما تعهد به للرئيس ميشال عون ولا في تقيّده بمضمون البيان الوزاري لحكومته، وتشير معلومات «البناء» في هذا السياق، الى أن الحريري قرّر المشاركة في مؤتمر بلجيكا تلبية لرغبات أميركية، وما يعزز مسار الضغوط سفره المفاجئ الى السعودية وتعميم دوائره بأنها زيارة عائلية، فيما تشير المعلومات الى أنها غير مقررة مسبقاً على جدول أعماله، بل حصلت على عجل تُذكِر باستدعائه في تشرين الثاني العام 2017 مع تغير الأسلوب والإخراج.

والسؤال المطروح: هل انقلب الحريري على التزاماته للرئيس عون باعتماد سياسة جديدة «للنازحين» تتضمّن تغيير الخطاب مع المجتمع الدولي وتكليف الغريب التواصل مع سورية واتخاذ إجراءات تضغط باتجاه نقل المساعدات الدولية للنازحين الى سورية؟

فهل تنسجم مشاركته في «بروكسل» واستبعاده الغريب المحسوب على عون والنتائج المتوقعة من المؤتمر مع اتفاق عون والحريري؟ وهل المؤتمر سيجدد التزام الدول المانحة إرسال مساعداتها الى النازحين في لبنان عوضاً من نقلها الى سورية؟ ألا يشجع ذلك النازحين على البقاء في لبنان طمعاً بالحصول على هذه المساعدات؟ وبالتالي هل يخدم المبادرة الروسية الذي وافق الحريري عليها؟

إلا أن الضغوط الدولية والأميركية، خصوصاً لن تغير موقف رئيس الجمهورية وفقاً لمصادر معنية بزيارة عون الى موسكو، كاشفة لـ»البناء» بأن «أحد الملفات الذي سيثيرها وزير الخارجية الأميركية في زيارته المرتقبة الى لبنان هو ملف النزوح في محاولة للتأثير على زيارة عون الى موسكو وشق الموقف الداخلي ما يفقدها أهميتها المرجوة»، لكن المصادر أكدت أن «زيارة بومبيو لن تؤثر على موعد الزيارة وبرنامجها فهي قائمة وستُبرز نتائجها في أقرب وقت». ولمست المصادر مرونة وتقدّم في موقف رئيس الحكومة إذ بدأ يتحدّث للمرة الأولى عن عودة آمنة بدلاً من العودة الطوعية وتأييده المبادرة الروسية المتضمنة إعادة النازحين دون انتظار الحل السياسي، لكنها استغربت موقفه باستبعاد الغريب من عداد الوفد.

ما سبق يدلّ بوضوح أن هدف الجبهة السياسية الخارجية الداخلية الجديدة تعطيل الدولة اللبنانية عبر عرقلة أي توجه لبعبدا لحل أزمة النازحين وتسليح الجيش روسياً واستثمار الثروة النفطية في المياه الإقليمية، فضلاً عن بناء سد لمواجهة تقدم حزب الله للمشاركة في صناعة القرار الوطني على كافة المستويات، لا سيما مكافحة الفساد.

فالحرب على الفساد ستؤدي الى إسقاط رؤوس سياسية كبيرة كانت وربما لا زالت رأس حربة المشروع الأميركي الإسرائيلي في لبنان، كما انها ستضع مؤتمر سيدر وغيره على طاولة البحث مجدداً مع إعلان السيد حسن نصرالله بأن «الحزب سيفلّي كل قرش وبند في هذا المؤتمر». ما يعني عملياً إجهاض جملة مخططات خارجية تنتظرها قوى إقليمية ودولية من الحكومة العتيدة تتعلق باستكمال مصادرة قرار لبنان المالي والاقتصادي والسياسي، وصولاً الى انتزاع قراره العسكري والأمني حماية لـ»إسرائيل» وبقاء لبنان ملعباً لإفراغ المشاريع الدولية والإقليمية تعويضاً عن فشله في المنطقة.

ويبقى الخطر الجدّي هو رضوخ لبنان للضغوط الأميركية يؤدي لإعادة إحياء مشهد الانقسام السياسي الداخلي بين محورين تكون الحكومة بإحالتها الى التقاعد المبكر أولى ضحاياه!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى