الرئاسة الجزائرية وأفق المرحلة الجديدة

كمال حميدة

الانتفاضة السلمية التي شهدتها الجزائر التي طغت عليها دعوات إلى التهدئة وأخرى إلى التصعيد، قوبلت بالرسالة الثانية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة لضبط عقارب حدث الساعة. الرئيس الجزائري أعلن انسحابه من السباق الانتخابي، كما أجّل إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة. هذا التحوّل في القرار الرئاسي بمثابة استجابة لمطالب المتظاهرين في الشارع، الذين شدّدوا على رفضهم للعهدة الخامسة بصريح العبارة. فالرئيس بوتفليقة تنازل عن ترشحه مقابل تمديد عهدته الحالية التي تنتهي في الثامن والعشرين من الشهر المقبل وفق النصوص الدستورية. لكن ما بين تأجيل الانتخابات والتزامه بعدم الترشح لدواع صحية، أثارت تساؤلات عن المادة الدستورية التي تخوّله الاستمرار في مهامه في سدة الحكم، وبالأخصّ تلك الوجوه المحسوبة من جبهة المعارضة، ومع ذلك يبدو أنّ المشهد لا يحدث تغييراً كبيراً ما دامت الرئاسة توصَف بأنها الهيئة الأعلى المخوّلة لها دون غيرها في إدارة شؤون مصلحة البلاد.

وعلى وقع حدوث تعديلات في الوزارات الحكومية، فقد تمّ تعيين نورالدين بدوي رئيساً للوزراء ووزير الشؤون الخارجية الأسبق رمطان العمامرة نائباً له، وهو منصب لم يستحدث في الحكومات السابقة. هذا التعديل لا يُتوقع له أن يغيّر من المشهد السياسي في هياكل السلطة، وإنْ كانت تمثل خطوة تبلسم الجراح جراء ما تسبّب به آخر رئيس الوزراء أحمد أويحي من تفاقم السخط الشعبي، جراء تصريحاته التي اعتبرت مستفزة وجارحة في نفوس المحتجّين. ومن الجانب الآخر، أنّ التعديل الحكومي لا يغيّر من الواقع شيئاً، طالما أنّ السلطة الحاكمة استعانت برجال يتموقعون في دائرتها والمقرّبين أكثر من صانعي القرار داخل النظام الحاكم، دون أن تنظر إلى شخصيات تتمتع بالكفاءة والخبرة من خارج التنظيمات الحزبية تشرّع لهم الأبواب ويتمكّنون من المساهمة واستثمار مؤهّلاتهم للصالح العام دون ميول حزبية أو ولاءاتية، ولو لمدة لا تتجاوز تاريخاً محدّداً. وهذا التعديل بدا واضحاً أنه لم يأت من خارج المحيط الرئاسي، وهو ما يوحي انه قد يكون كفيلاً وضامناً للانتقال السلس خلال الأشهر المقبلة، دون الدخول في سجال أو حسابات بشأن العهدات السابقة أو ما قد ينجم عنها من اتجاهات عكسية تكبح عجلات التقدّم.

أما عن محور تأسيس ندوة وطنية يشارك فيها أعضاء من كافة المشارب والانتماءات، بهدف الاتفاق على هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات وتعديلات دستورية، لم يكن مطلباً للجماهير الحاشدة في الشوارع والساحات العامة خلال أيام الجمعة في الأسابيع المنصرمة بقدر ما كان مقترحاً من الطبقة المعارضة، التي ألحّت عليه في مناسبات خلت. ولكن تخشى أطياف المعارضة أن تكون السلطة الطرف الأقوى في الحضور، بعامل أنها الداعية والمشرفة على تنظيمها، دون صرف النظر أنها لا تزال تتمتع بالصبغة الشرعية التمثيلية الصادرة من رئاسة الجمهورية. أضف إلى ذلك أنه لا يستبعد إلى حدّ كبير تولي وزير الخارجية السابق والمبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي رئاسة الندوة الوطنية، التي يتوقع تنظيمها قبل نهاية السنة الحالية.

الرسالة الثانية للرئيس الجزائري قوبلت بترحيب داخلي لساعات عقب إعلان سطورها في وسط الشارع، لكن ذلك لم يدم طويلاً حتى خرجت تظاهرات جديدة ولو بمحدودية النطاق تمسح المطالب السابقة على مدى الأسابيع الثلاثة الأخيرة، مستبدلتها بشعارات ليست مؤيدة لتأجيل الانتخابات ولا للتمديد للعهدة الرابعة، وتأتي هذه القفزة كخطة ثانية تقابل الرسالة الثانية وما حملته من تأويلات وتجاذبات حول الوثوق بمضامينها وضماناتها عملياً. في وقت لا يخفى أنّ بعض منابر المعارضة كان لها دور في تحذير الشارع من هذه الخطة الرئاسية البديلة للأولى، بفعل قراءتها وتفسيرها بأنها لا تتوافق مع نداءات وصرخات المحتجّين، وإنْ كانت بعض الأحزاب أو الحركات رأت في نصوص البيان الرئاسي تحوّلاً وسطياً

قد يضع الخريطة السياسية في الاتجاه الصحيح. ومع هذا يمكننا الحديث أنّ الفصل الثاني من المرحلة الجديدة قد يفرز واقعاً آخر قد يكون مختلفاً، ما دام المتظاهرون من الطلبة والشباب يتبنّون قرار العودة إلى الشارع مرة أخرى كمحطة فاصلة للتجاوب مع حراكهم بشكل فاعل ودون التفاف أو تقديم وعود لا تتطابق مع طموحاتهم أو تطلعاتهم.

كاتب جزائري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى