الحريري يحوّل الحكومة من بروكسل إلى «ربط النزاع» من بوابة النازحين بومبيو يحمل أولوية عنوانها الملف النفطيّ… وملف حزب الله أداة ضغط

كتب المحرّر السياسيّ

تصاعدت الغارات السورية والروسية على مواقع جبهة النصرة على طول خط الاشتباك الممتد بين أرياف حماة واللاذقية وحلب، وصولاً إلى قلب مدينة إدلب وريفها، وفيما كان بعضها رداً على قصف أحياء حلب ليل أمس، تخطّى حجم القصف واستهدافاته هذا العنوان بحيث بدا بوضوح وفقاً لمصادر متابعة أن ثمة تحولاً سياسياً بات يسمح ببدء معركة الحسم ضد جبهة النصرة، ولو على مراحل، ترجّح المصادر أن تكون أهدافها عزل إدلب عن الطرق الدولية التي تربط حماة بحلب واللاذقية بحلب، ما يجعل مدينة سراقب ذات أهمية استراتيجية كنقطة تقاطع للطريقين الدوليين. وربطت المصادر بين الإعلان الروسي عن الغارات، وتبلور تفاهم روسي تركي على سقوط المهل الممنوحة للحلول السياسية والأمنية، خصوصاً في ظل سيطرة النصرة على مواقع الجماعات التابعة لتركيا منذ شهور.

على إيقاع التطورات الجارية في سورية، ينعقد مؤتمر بروكسل المخصص لعنوان النازحين السوريين، والذي يجسّد النظرة الأوروبية والأميركية، لتقديم تمويل مشروط للدول المضيفة للنازحين، أغلبها ينفق عبر هيئات وجمعيات ترتبط بالمرجعيات الغربية، من خارج مؤسسات الدول المعنية، وفي صلب التوجهات التي يقوم عليها بروكسل تعقيد عودة النازحين، وإغراء الدول المضيفة بالمزيد من المال إذا استجابت لهذه المهمة، وفوق المزيد ثمة مزيد إذا سارت في مشاريع الإدماج للنازحين في اقتصادها ومجتمعها، وسقف المزيد متاح لمن يقبل بالتوطين.

لبنان الذي يشارك بوفد حكومي يترأسه الرئيس سعد الحريري في المؤتمر، يبدو قد دخل مرحلة التجاذب مجدداً حول ملف النازحين، وربما معه ملفات أخرى، تحوّل الحكومة كلها إلى حكومة ربط نزاع، فتغييب وزير شؤون النازحين عن الوفد الحكومي المنتمي إلى لون سياسي واحد هو قوى الرابع عشر من آذار، شأن سياسي لا تقني، مبني على الحرص لمنع ظهور وجهة نظر رئيس الجمهورية ومعه الأغلبية الحكومية والنيابية من ملف النازحين، وقطع الطريق على قول كلام لا يناسب أجندة بروكسل، ويدعو لتحرير المساعدات للنازحين من الشروط السياسية، ومن نظرية الإدماج، وتشجيع من يقدر منهم على العودة بنقل المساهمات التي ترصد للنازحين نحو العائدين منهم، ورغم محاولة الرئيس الحريري طي صفحة النقاش حول الوفد الحكومي وتركيبته بالقول إنه هو مَن يمثل الحكومة بصفته رئيسها، بقيت الأسئلة بانتظار ما سيقوله الحريري وما سيخرج به المؤتمر، تجاه مبدأ العودة، وكيفية إنفاق المساعدات، ونصيب لبنان منها والشروط المرافقة لهذه المبالغ.

بعد عودة الحريري سيكون لبنان على موعد مع استحقاق دولي إقليمي آخر، يتمثل بما سيحمله وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو خلال زيارته لبنان الأسبوع المقبل، وهو ما وصفته مصادر تسنّى لها الاطلاع على ما عرضه معاون بومبيو، ديفيد ساترفيلد في الاجتماعات التي عقدها في بيروت، بالسعي لتصعيد اللهجة الضاغطة على الدولة اللبنانية في ملف حزب الله، وتحميلها مسؤولية التغاضي عن نفوذه وقوته، وتجسد الاعتراض الأميركي على حجم تمثيل حزب الله وحلفائه في الحكومة، وذلك وصولاً لخلق الضغوط اللازمة قبل فتح ملف الحدود المائية للبنان التي تحدد ثروته النفطية والتي يريد بومبيو الحصول على موافقة لبنان على تسوية سبق وطرحها المسؤول الأميركي فريديريك هوف الذي قدّم تصوراً لتقاسم المناطق التي تدّعي إسرائيل نصيباً فيها ويتمسك لبنان بكونها حقوقاً خالصة تخضع للسيادة اللبنانية.

الدول المانحة: لا دعم للنازحين بسورية قبل الحل السياسيّ

لن يكون الوفد اللبناني المشارك في مؤتمر بروكسل «لدعم النازحين» الذي يُعقَد اليوم أفضل حالاً من الواقع الداخلي المثقل بالأزمات المتنوّعة والمفتوحة على احتمالات عدة، كما لن يكون بروكسل 2019 مختلفاً عن مؤتمرات السنوات الماضية التي لم تأتِ بحلول لأزمة النازحين أو على الأقل لم تضع خارطة طريق دولية واضحة لمعالجة تدريجيّة لأزمة نزوح كانت نتيجة حرب غربية خليجية تركية على سورية كان المجتمع الدولي فيها متواطئاً وشاهد زور، فمنظمات هذا المجتمع الموالي للسياسات الأميركية لم يسعَ يوماً بالحد الأدنى الى نقل مساعداته للنازحين الى سورية، بل تشكل إجراءاته استمراراً للسياسة الأممية والإقليمية في التعامل مع أزمة النزوح في المنطقة لا سيما في لبنان، وهي ضمان بقاء النازحين في دول النزوح مقابل حزمة من الدعم المالي والمشاريع المرفقة بسلّة شروط سياسية ومالية وتوظيفية ما يُؤدي في نهاية المطاف الى توطين غير مباشر للنازحين أو ما يُعرَف بالتوطين «المقنع».

فمؤتمر بروكسل بنتائجه لن يكون أفضل من المؤتمرات السابقة، كما يقول لـ»البناء» مصدر وزاري سابق معني بهذا الملف، بل إنه «سيكرس الانقسام الداخلي حيال هذا الملف ولن يحمل حلولاً جذرية، بل مسكنات تؤدي الى بقاء النازحين في الدول الموجودين فيها». وينقل الوزير السابق عن مصادر دبلوماسية وأممية مطلعة لـ»البناء» بأن «الموقف الدولي لم يتبدل من الأزمة، فالولايات المتحدة ودول الخليج والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية لن تدفع دولاراً واحداً لا للنازحين ولا لإعادة الإعمار قبل التوصل الى حل سياسي في سورية، وهذا ما أبلغه الموفدون الدوليون مؤخراً للمسؤولين اللبنانيين».

7.5 مليار دولار للنازحين!

وفي سياق ذلك، تشير مصادر مطلعة على ملف النازحين لـ»البناء» الى أن «7 مليارات ونصف المليار دولار حصيلة جميع المؤتمرات التي عقدت من أجل دعم النازحين السوريين في لبنان»، إلا أن الفضيحة التي لا يتجرّأ أحد على إعلانها هي «أن 20 في المئة منها فقط مرّت عبر الحكومة والوزارات الرسمية المعنية، فدول الخليج كانت ولا تزال ترسل مساعداتها للنازحين عبر جمعيات سنّية والقليل منها تمر عبر وزارتي النازحين والشؤون الاجتماعية وتقلصت مع انقسام الموقف الداخلي بعد تولي الوزارة معين المرعبي، حيث باتت معظمها تصل الى النازحين مباشرة». ما يطرح أسئلة عدة حول تسليم هذه المبالغ المالية الضخمة الى جمعيات دون دخولها الى خزينة الدولة ما يشكل مخالفة للقوانين المحلية؟ ومن كان يراقب وجهة وكيفية صرفها؟ وأي وظيفة تؤديها؟ وهل كان جزء منها يذهب لتمويل التنظيمات الإرهابية ولاستخدامها في الصراع السياسي الداخلي؟

أما ما يُثير الاستغراب فهو مشاركة لبنان في بروكسل بلا ورقة أو رؤية موحّدة لملف النازحين يطرحها على المؤتمرين وبلا تنسيق حكومي مسبق، ما يطرح علامات استفهام: لماذا لم يطرح رئيس الحكومة سعد الحريري مشاركة لبنان في المؤتمر في مجلس الوزراء لجهة تشكيل الوفد ومضمون الموقف اللبناني هناك؟ هل كي يتجنّب المساءلة المسبقة من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء واختار فرض أمر واقع على الجميع؟ ما يشير الى أن سلوك الحريري يخفي أمراً ما يتعلق بشروط والتزامات دولية أكبر من طاقته على مواجهتها! وما يعزز الشكوك توقيت زيارة رئيس الحكومة المفاجئة الى السعودية وزيارته بعبدا فور عودته وحسم أمر مشاركة وزير شؤون النازحين صالح الغريب بأن «رئيس الحكومة يمثل لبنان في بروكسل ويتحدث باسمه»!

وتشير المصادر نفسها الى أن «الحريري لا يستطيع مجاراة موقف بعبدا وحزب الله و8 آذار في ملف النازحين، إذ إن الولايات المتحدة ودول الخليج لم تقتنع بعد بالعودة الآمنة للنازحين الى سورية أي كما يريد لبنان بحسب بيانه الوازري، بل مستمرة في سياساتها السابقة ولم يحصل اي تعديل عليها للأسباب التالية:

إبقاء ملف النازحين ورقة ضغط على الرئيس السوري بشار الأسد واستخدامه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

لا تريد الدول منح الرئيس الأسد «شهادة حسن سلوك» ودعم شرعية بقائه.

إن عودة النازحين تسرّع وتسهّل الحل السياسي في سورية كما إعادة الاعمار وهو ما لا تريده قوى الحرب على سورية قبل تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية من سورية وحلفائها.

وتكشف المصادر أن «خلال العام 2018 فقط بلغ حجم مساعدات 10 دول للبنان 4 مليارات و500 مليون دولار لم يدخل منها إلى الخزينة اللبنانية سوى 21 مليون دولار ما يعني ان الدول المانحة تتجاوز سلطة الدولة وسيادتها الوطنية. كما تكشف بأن «منظمة النجدة الإسلامية الفرنسية ترفض تسليم المساعدات الى النازحين مباشرة كما تشترط لتنفيذ بعض المشاريع الصغيرة توظيف 30 في المئة من النازحين».

وتضيف أن «البنك الدولي جمّد تنفيذ مشاريع بـ 70 مليون دولار إلا بشرط توظيف 25 في المئة من السوريين كما اشترطت منظمة أميركية تعتزم تنفيذ مشاريع زراعية توظيف عاملين سوريين في قطاع الزراعة ولم تحدّد أي نوع من العمالة بل عمال مزارعين ومهندسين وفنيين وغيرها من المهن التي تمنع القوانين اللبنانية مزاولتها على العامل الأجنبي».

وتخلص المصادر الى التحذير من أن «المشروع الدولي والإقليمي لتوطين النازحين مستمر، داعية الحكومة الى التوحّد خلف موقف وطني جامع لرفض المخطط». وتضيف بأن «الحل ليس بيد المفوضية السامية لشؤون للأمم المتحدة لشؤون النازحين بل بيد الدول الفاعلة، أما المنظمات الأممية فتنفذ البرامج وتدير الأزمات، لكن يمكنها لعب دور إيجابي على صعيد التأكيد بأن النازحين الذين يعودون الى سورية يلقون معاملة جيدة من قبل سلطات بلادهم. فالقوى الكبرى ترفض حتى الآن التعهد لروسيا وللبنان ضمان استمرار المساعدات في حال عودة النازحين الى سورية ما يعيق أي توجه حكومي لعودتهم في إطار المبادرة الروسية».

وبري يحذّر…

وفي سياق ذلك، رأى عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي بزي أن المجتمع الدولي لا يريد عودة النازحين. وقال «هذا ما سمعناه في الخارج، لذلك انظروا الى مصلحة شعبكم ووطنكم دون أن نغرق في هذا المستنقع الذي يلوث المنطق السياسي والمصلحة السياسية». من جهة أخرى، اضاف «نحن على مسافة قريبة من الحدود. وهناك ملف يحمله بكل مسؤولية الرئيس نبيه بري وهو ملف الحدود البحرية، والكل يعرف حركة الموفدين، وكل له جدول أعماله»، متسائلاً عن جدول أعمال الوفد اللبناني. وتابع «هذا الملف سيادي وطني بامتياز عابر للمذاهب والطوائف والأحزاب والسجالات السياسية»، مؤكداً ان «الموقف الرسمي اللبناني يجب ان يكون منسجماً واحداً موحداً ازاء حركة الموفدين الأجانب الذين يأتون الى لبنان».

وكشف بزي خلال لقاء الأربعاء أن تم تحديد موعد لوزير خارجية أميركا مايك بومبيو للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وكان رئيس المجلس أكد في «اللقاء» «أن الاولوية والمعركة الأساسية اليوم هي إقرار الموازنة في مجلس الوزراء وإحالتها الى المجلس النيابي في اسرع وقت، معتبراً ان حسم هذا الاستحقاق هو اساس في الإصلاح المالي ومحاربة الهدر. ونقل النواب عن الرئيس بري أنه سيدعو الى جلسة أسئلة وأجوبة، مشيراً الى وجود 17 سؤالاً نيابياً موجّهاً للحكومة حتى الآن. وفي الحديث عن نتائج مباراة بعض الوظائف شدّد بري على ان الكفاءة يجب ان تكون المعيار، والكفاءة فقط. الى ذلك، ونقل عنه النواب قوله «لو كان الرئيس سعد الحريري هنا لاتصلت به وعبّرت عن انزعاجي من التجديد في مجلس الوزراء لعقود موظفين متعاقدين عيّنوا».

لقاء الحريري – باسيل

وعشية سفر الحريري الى بروكسل وبعد التوتر على خط الرئاستين الأولى والثالثة حيال استبعاد الغريب، تستمر المساعي لاحتواء التوتر والتخفيف من حدة انقسام الموقف اللبناني والحؤول دون انعكاس هذا الخلاف على ملفات أخرى. وفي السياق وبعد لقاء عون الحريري، عُقد لقاء أمس بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية جبران باسيل في بيت الوسط. وأشارت معلومات الـ»أو تي في» الى ان «اللقاء بحث تسريع عمل الحكومة في الكهرباء والتعيينات والنزوح والاقتصاد ومكافحة الفساد».

ريفي يعلن انسحابه اليوم…

على صعيد آخر، بقيت المصالحة بين الحريري والوزير السابق أشرف ريفي في الواجهة. لا سيما الدور السعودي فيه حيث جاء اللقاء فور عودة الحريري من المملكة! وعلاقته أيضاً بملف مكافحة الفساد والسجال بين حزب الله والرئيس فؤاد السنيورة ما يؤشر الى أن اللقاء جاء بعد تقاطع المصالح السياسية للأطراف الثلاثة، كما يمهّد الساحة الداخلية للمواجهة المرتقبة مع حزب الله ويأتي في سياق الحملة الأميركية الخليجية على حزب الله وبعد زيارة المسؤول الأميركي دايفيد ساترفيلد. إلا أن مصادر مشاركة في تحضير اللقاء أوضحت لـ»البناء» أن «اللقاء لا يحمل أبعاداً سياسية ولا خلطاً للتحالفات السياسية الداخلية، بل هدفه طي صفحة الخلافات الماضية وفتح صفحة جديدة من العلاقة بين الطرفين مع تنظيم الخلاف»، نافية «أي دور للسعودية في هذا اللقاء». بدورها قالت مصادر ريفي لـ»البناء» أنه «بدأ التحضير للقاء منذ حوالي أسبوع اي قبل زيارة الحريري الى المملكة، وذلك بجهود من السنيورة والوزير السابق رشيد درباس»، لكن ما أخر اللقاء بحسب معلومات «البناء» «عدم الاتفاق على المكان حيث اشترط الحريري أن يكون في بيت الوسط فرفض ريفي وعاد وتم الاتفاق في منزل السنيورة».

الى ذلك يعقد ريفي اليوم مؤتمراً صحافياً يشرح فيه ظروف اللقاء مع الحريري ويعلن انسحابه من المعركة الانتخابية الفرعية لصالح تأييد مرشحة المستقبل ديما جمالي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى