الضدُّ يظهر حُسنه الضدُّ…

تحدّث إبن خلدون في كتابه مقدمة ابن خلدون عن مواجهة الظلم السائد في عصره، وأكدّ أنّ المقصود بالظلم ليس مجرد أخذ المال أو الشيء من صاحبه من دون تعويض، بل هو أعظم من ذلك إذ يشمل اغتصاب الحقوق العينية والمالية والمعنوية، وكلها تعود على الدولة بالخراب الآجل أو العاجل، وكيف إذا كان مسبّبو الظلم من رحم أجهزة الدولة وممن يصدرون القرارات. هنا سيعود الظلم بالدرجة الأولى أضعافاً مضاعفة على الأخ المواطن الصابر العتيد..

مكاسب الرفض أكبر من مثالبه، فلصعوبات الحياة إيجابيّات تفوق سلبياتها، والرفض المجتمعي من عوامل التحفيز وتحسين البشر، فالنقائض محرّضات للتنقيب داخل النفس، والشجاع هو مَن سيقف وقفة أبي الهول أمام صنّاع الظلم ليقول بملء فيه: لا، لا لقراراتكم التهكمية والجائرة والتي تنصف من يحمل الدنانير والدولارات! لا لمبادئكم التي خرجت من بطون الكتب حيّة وأنتم ذهبتم بها إلى قارعة الموت والنسيان! لا لعقولكم التي لم تدعموها يوماً بجلسة مسائية مع الكتب ومتعتها، بل متعتموها بالشرب والسكر حتّى فقدت رشدها وأحببتم مساهرة الغانيات الجميلات !

كم لا ولا تتسع الأسطر، ولكنّ حتّى هذه الـ لا صاحت بكفى أن تستخدموني مع مّن لا تتجرأون وتكتبون أسماءهم ومراتبهم.

أبشع أنواع الظلم استخدام التسلط والنفوذ في شراء كلّ ما يرغبون به بدءاً من السلع المادية وانتهاء بالرقبات الإنسانية ونعود لنؤكد لـ نابليون بونابرت عندما قال: «لا خطط تصمد عند لقاء العدوّ». إنّهم وخططهم أودوا بالأكثرية في وادي الأفاعي وإنّ المطبّلين لهم مازالوا يعدّون دولاراتهم الخضراء قبل ان تفقد لونها الجميل.

كان الفراعنة في مصر يضعُون الخبز المتعفّن على الجرح، ثمّ يربطونه بضماد لأيام عدة فيشفى، وقد دونوا في مخطوطاتهم الطبية التي استطاع الناس قراءتها بعد أن تمكّن شامبليون من فكّ رموز الهيروغليفية: إنه كلما زادت كمية العفن في الخبز تماثل الجرح للشفاء بطريقة أسرع. واكتشاف البنسلين بعد آلاف السنوات من علاج الفراعنة بالخبز المتعفّن يثبت بالدليل القاطع أنّ كثيراً من علوم الأمم الغابرة يشهد بذكاء العربي. تخيّلوا يا قوم إلى أيّ حال وصلنا! الظلم سمّ يقضي على ركائز المجتمع عندما يتم تحجيم وتقليص أصحاب العقول النيّرة واستبدالهم بأصحاب العقول المجمّدة وينصّبوا على كراسي الإدارة سنتذكر أننا نحتاج لكتاب إبن خلدون ومقدّمته التي تصلح لكل زمان، فالظلم هو المؤشر لزوال الدول. في المقابل فإنّ العدل يرتقي بالإنسان والأمم. فن الحياة أن تعرف ماذا يتوجب عليك فعله وتقوم به على أتمّ وجه. والعدل أساس الملك وأساس الإدارة الناجحة، أمّا الظلم فليذهب وأهله إلى الجحيم…

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى