المساران «الإسرائيلي» والفلسطيني

ناصر قنديل

– قبل أيام على صواريخ تل أبيب وعملية سلفيت النوعية البطولية، خرج أحد المستوطنين في تسجيل من باحة المسجد الأقصى يصف الفلسطينيين بالجبن، باعتبارهم مصنوعين من سكر ولم يخرجوا إلى المسجد الأقصى بسبب المطر خشية الذوبان، وبعد أيام قليلة كان المصنوعون من سكر يقصفون بصواريخ تتخطّى القبة الحديدة وتسقط في تل أبيب، وبعدها بأيام يقوم شاب فلسطيني بطعن جندي صهيوني وتجريده من سلاحه، وإطلاق النار بواسطة هذا السلاح على مجموعة من الجنود فيقتل ثلاثة منهم ويتوارى. ويظهر المساران الفلسطيني والإسرائيلي متعاكسين، يتبادلان الحال العربية الإسرائيلية قبل عقود، يوم كان الكلام الكبير للعرب والفعل الكبير للإسرائيليين، ليبدو اليوم أن الكلام الكبير للإسرائيليين حكاماً ومستوطنين، بينما الأفعال الكبيرة للفلسطينيين.

– خلال العقدين الماضيين، ومنذ العام 2000 سلك المساران الفلسطيني والإسرائيلي اتجاهين متعاكسين، فمنذ إجبار «إسرائيل» على الانسحاب دون مقابل أو تفاوض من جنوب لبنان، ومقابلها اندلاع انتفاضة المسجد الأقصى، بدأ المسار التصاعدي لحساب الفلسطينيين، ومقابله مسار الانحدار الإسرائيلي، وتلاها تحرير غزة عام 2005 والفشل الإسرائيلي في حرب تموز 2006، وها نحن اليوم في مرحلة ما بعد الفشل الدولي والإقليمي الذي كانت «إسرائيل» جزءاً عضوياً منه في الحرب على سورية، وتنامي قدرات محور المقاومة، ذهبت «إسرائيل» نحو تصعيد فلسفة الجدار، رغم كل الصراخ عن القدرة على خوض الحروب، فشكل الإعلان عن دولة يهودية تعبيراً عن فلسفة الجدار، ومثله نقل السفارة الأميركية إلى القدس، إعلاناً عن العجز على السير في أي مشروع تفاوضي نحو تسوية سياسية يعادل العجز عن خوض الحروب، ولو رآه البعض علامة قوة فهو ليس إلا دليل ضعف.

– رغم الانقسام الفصائلي الحاد يبدو الفلسطينيون أقرب سياسياً لبعضهم في الإجماع على رفض التفاوض والدور الأميركي ومشروع صفقة القرن، بصورة لم يسبق أن شكل الموقف من التفاوض ومن نسخ التسوية المعروضة ومن العلاقة مع واشنطن، أسباباً دائمة للانقسام السياسي والشعبي، رغم وجود تفاهمات بين حركتي فتح وحماس وتشاركهما حينها في الانتخابات وتشكيل الحكومة، بينما يبدو الإسرائيليون رغم ظاهر تفرقهم في مستويات الخطاب التصعيدي انتخابياً، مدركين حجم المأزق الوجودي الذي يعيشه كيانهم، والمتمثل بفقدان قدرة الذهاب للحرب أو قدرة الذهاب للتسوية، فالجبهات كلها مقفلة ومخاطر العبث معها مكلفة، والتسويات لا تقل كلفة، وليس في الكيان من يجرؤ على المخاطرة في الاتجاهين.

– ثمة تحولات كبرى جرت في المنطقة، فقدت خلالها «إسرائيل» الإمساك بزمام المبادرة، ومقابلها حدثت تحولات معاكسة امتلك خلالها الفلسطينيون ومن ورائهم قوى وحكومات محور المقاومة، المزيد من عناصر القدرة على المبادرة، حيث الاشتباك المفتوح مع جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين، وطريق التفاوض مقفل كخيار يقسم الفلسطينيين، والقدرة العربية والغربية على إنعاش مسار التفاوض تتراجع، وخيار المقاومة يصير طريقاً حتمياً وحيداً، وقد أثبت قدرته على تحقيق الإنجازات، ويكفي النظر في كيفية التهرّب الإسرائيلي من التورط في الرد على صواريخ غزة على تل أبيب لمعرفة تبدل الأحوال الذي نعيش في ظله، بعدما كانت «إسرائيل» تصنع أحداثاً لتتخذها ذرائع لشن الحروب يوم كانت قادرة عليها، صارت تهوّن من خطورة التحديات لتبرير الهروب من المواجهات والحروب، لأنها فقدت هذه القدرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى