نحن وفنزويلا أعمق من الظاهر بكثير

ناصر قنديل

– ليس مهماً أن يلعب بعض المسؤولين اللبنانيين سياسة صغيرة في التعامل مع التهديد الذي تعيشه فنزويلا تحت وطأة الاستهداف الأميركي، فهذا على قشرة الأحداث ونتيجة تلاعب بالأبعاد العميقة للمسألة الفنزويلية، وإدخالها في محاور الإرضاء والاسترضاء التي يقيم لها بعض المسؤولين حساباً أكبر من معاني القضايا وحجمها، فالقضية ليست سياسية، ولا هي تموضع على محاور شرقية وغربية بقدر ما هي قضية العلاقة الواحدة بين دول أقامها المستوطنون البيض على حساب السكان الأصليين من حُمر البشرة او سُمر البشرة، ولا تزال نيران الحروب الأهلية التي أشعلوها جمراً تحت الرماد، ولا تنفكّ تبث سخونتها وتقذف حممها عند كلّ اهتزاز في طبقات المجتمع، يشبه انشقاق طبقات الجيولوجيا لقشرة الأرض في حالات البراكين والزلازل.

– في الذاكرة العميقة ليست أميركا و«إسرائيل» إلا كيانين استيطانيين للبيض الوافدين، وقد قاموا بتهجير ومحاولة إبادة السكان الأصليين، أبناء البشرتين الحمراء والسمراء، وليست فنزويلا بالنسبة لواشنطن إلا شبيهاً للبنان وسورية والأردن، بالنسبة لـ «إسرائيل»، أيّ بلاد السكان المنتمين للون بشرة السكان الأصليين ذاتها، الذين تمّ تهجير من بقي منهم إليها بعد حروب الإبادة. فالسكان الحمر في فنزويلا هم أشقاء السكان الحمر الذين هجّرتهم حرب الإبادة التي قامت عليها أميركا، والسكان السمر في لبنان وسورية والأردن هم أشقاء السكان السمر الذين هجرتهم حرب الإبادة التي شنّت في فلسطين.

– مهما حاول الأميركيون تسييس معركتهم مع فنزويلا ومهما قبل بعض الفنزويليين مساعي السياسة للتلاعب بالذاكرة، سيبقى جذر الصراع كامناً في أصل القضية التي بدأت قبل قرون وانتهت بقيام دولة الاستيطان على حساب السكان الأصليين. وستبقى فنزويلا دولة الثقل للسكان الحمر الذين لم تنته الحرب عليهم من المستوطنين البيض، وهي تتجدّد كلما سقط الطلاء الخارجي للخطاب الديمقراطي، فتظهر العنصرية من بين ثنايا الخطاب المأزوم والغاضب، كما هو خطاب الرئيس دونالد ترامب، فينفضح التزييف وتظهر الحقيقة، تماماً كما يحدث عندما تحاول تل أبيب تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية سياسية أو يرغب بعض العرب التلاعب بالتاريخ لحساب المصالح الصغيرة فيتوهّمون تخطياً لعمق الصراع بأخذه إلى اللعبة السياسية.

– اقتبس وزير خارجية فنزويلا في اللقاء التضامني مع بلاده الذي عُقد في بيروت، عبارات لرئيسين أميركيين سابقين، ما بعد حرب الاستقلال الأميركية تدعو لبقاء الاستعمار الإسباني على السكان الحمر في أميركا الجنوبية، أو استبداله باستعمار أميركا الشمالية لهم، لأنّ المهمّ أن تبقى سلطة البيض على الحمر. وهذا كان الحال في جنوب أفريقيا بين سلطة الاستعمار البريطاني أو سيطرة المستوطنين البيض. المهمّ أن يكون للبيض سيطرة على السود. وهكذا هي حال «إسرائيل» لا مكان عندها للسكان الأصليين، وإلا فما معنى الإصرار على الطابع اليهودي للدولة؟

– عندما وقف الزعيم الفنزويلي الراحل هوغو شافيز مع فلسطين ومن بعده الرئيس نيكولاس مادورو لم يفعلا سوى البحث عن عمق اللقاء أكثر من قشرة السياسة. وعندما يقف المقاومون في لبنان وسورية وفلسطين مع فنزويلا شافيز ومادورو لا يفعلون سوى البحث عن عمق اللقاء أكثر من قشرة السياسة. وعندما يتلاعب سياسيون عرب ولبنانيون بالصراع مع «إسرائيل» أو بالتعامل مع فنزويلا، فهم يتهرّبون من عمق الصراع ويسبحون على قشرة السياسة.

– كما الصراع مع «إسرائيل» ضارب في جذور فلسطين، وسيشهد محطاته الحاسمة فيها، بين السكان الأصليين والمستوطنين الوافدين، الصراع مع المشروع الاستعماري الأميركي ضارب في جذور المجتمع الأميركي، وسيشهد محطاته الحاسمة فيها بين السكان الأصليين الحمر البشرة والمستوطنين الوافدين، وما تفعله فنزويلا كدولة مقاومة هو ما يفعله ذاته لبنان وسورية كبلدين للمقاومة، الصمود ريثما يتولى السكان الأصليون لحظة الصراع الفاصلة، بمثل ما فعل السود في جنوب أفريقيا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى