ملتقى الأدب الوجيز اللّبناني التّونسي الدّورة الأولى : سقطُ زند أوّل في رحلة الشّعر والقصّة نحو التجاوز…

البشير الجلجلي

لا يمكن بحال ونحن ننجز ملتقى للأدب الوجيز في تونس العاصمة أيام 28 و29 و30 آذار 2019 في دورته التأسيسيّة بعد خمس سنوات من التحضير والمشاورات، أن نغفل مجهودات الرابطة العربيّة للفنون والإبداع برئاسة الأديبة فتحية الهاشمي وإدارة الرّسّامة سليمى السّرايري وكل الجمعيات المشاركة وخاصّة جمعية أقلام الأدبية التي نالني رئيساً لها شرف إدارة جلستين واحدة للقصة وأخرى للشعر. ولا يفوتني أن أعبّر عن اغتباطي بالوفد اللّبناني ورئيسه الدكتور أمين الذّيب الذي قدّم تصوّرا هاماً للأدب الوجيز أهمّ ما جاء فيه أنّ الفكر هو الذي يجب أن يحرّك المبدع أديباً كان أو ناقداً، ليكتب شعر الومضة وقصّة الومضة وق. ق. جداً أو نقداً يصل الأدب الوجيز فنّاً ومعنى ودلالة.

اليوم الأول: «شعر الومضة من القوّة إلى الفعل»:

ـ الوفد التّونسي: الناقد والإعلامي محمد بن رجب والناقد عمر السّعيدي والناقد البشير الجلجلي.

أشرت في مداخلتي التي بعنوان «شعر الومضة وإشكاليّة التّلقّي» إلى كون شعر الومضة هو خزّان للمعاني في كلمات معدودات تقوم الشعريّة فيه على اللّعب مع المتلقّي بالتعويل على قوة الصورة والكثافة والإدهاش والمفارقة ويكون دور المتلقّي فكّ شفراته.

وقدّم الناقد عمر السعيدي مداخلة منهجيّة بعنوان «التكثيف في شعر الومضة»، مشيراً إلى صعوبة إدراك المصطلح وتطوّره عبر العصور. واعتبر أنّ هذا الشّعر تميّز بالغموض في ذهن المتلقّي. وقدم النّاقد محمّد بن رجب لمحة عميقة عن شعر الومضة وارتباكه مفهوماً وإنجازاً، معتبراً أنّ بعض الشعراء يمارسون بعض التّحيّل في المحافل الشّعرية إذ يقتطفون من مطوّلاتهم بعض المقاطع وينسبونها إلى شعر الومضة.

-الوفد اللّبناني، الدكاترة: أمين الذّيب وعبد المجيد زراقط وباسل بديع الزّين ولارا ملاّك.

في مداخلتها الدّقيقة التي بعنوان «مفهوم الكثافة في شعر الومضة» أشارت الناقدة لارا ملاّك إلى حركة الزمن في شعر الومضة محددة خصائصه من كثافة ووحدة لغوية وانزياح ورمز. ثم قدّم باسل بديع الزّين مداخلة هامّة عنونها «مفهوم الإيقاع في قصيدة الومضة» مشيراً إلى اختلاف النقّاد في ذلك محدّداً ملامح الشعريّة من خلال الإيقاع.

وفي نقاشنا معه تطرّقنا إلى ما قاله هنري ميشونيك إنّ «الإيقاع هو مقولة شكل فرعيّة». ولم يفت أمين الذّيب في محاضرته القيّمة التي عنونها «الأدب الوجيز بين المنطلقات الفكريّة والنّتائج» إلى الإشارة إلى أنّ التّطوّر هو حالة إنسانيّة ملحّة مذكّراً بأن الوجود الإنسانيّ يأبى الوقوف لأنّه صنو الموت… وقد حوصلنا المداخلات وتناقشنا فيها مطوّلاً مع جمهور المثقفين لننتهيَ إلى أهمية حركة الأدب الوجيز حركة تجاوزيّة للمتلقيّ فيها الدّور الهامّ وللناقد الدور الحاسم. والرّأي عندي أنّ النقد يجب أن يكون من جنس الأدب وإلاّ بقي يغرّد خارج السّرب. وهذا الإجراء يتطلّب من النّاقد إعادة تدبّر للشّعريّة الحديثة بما هي فعل يسير في المجتمع، يأخذ منه ويبتعد عنه خيالاً… لذلك كان لِزاماً على النّقد العربيّ ألاّ يستنسخ النّظريات الغربيّة دون نظر وفهم للّذات الشاعرة العربيّة. وإنْ فعل عكس ذلك فهو يُقصي الذّات المبدعة ويفرغها من طاقاتها التّوليدية، والحال أنّ مهمتها هي الإسهام في بناء التّمايز الثّقافي.

من خلال هذا المنطلق تبدو مهمّة النّاقد العربي، إضافةً إلى البعد الفنّي والمضموني والدّلالي، أنْ يحمل على عاتقه بعداً حضاريّاً بتخليص الشعر العربيّ من أوهامه، وقد أوجزها محمد لطفي اليوسفي في كتابه «البيانات» في خمسة: وَهْم الزّمنيّة ووهم المغايرة ووهم المماثلة، أمّا الرابع والخامس ففنّيان: وَهْم التّشكيل النّثري ووهم الاستحداث المضموني.. ولتجاوز هذه الأوهام في شعرنا على الشّاعر العربي أن يعتقد أنّ «الشّعر لا يكتسب حداثته بالضّرورة، من مجرّد زمنيته، وإنّما الحداثة خصيصة تكمن في بنيته ذاتها»، كما أشار إلى ذلك أدونيس في «بيان الحداثة».

اليوم الثاّني: ندوة القصة القصيرة جدّاً «ق.ق جدّاً المفهوم والمنطلقات»:

قُدمت الندوة، التي تقسّمت إلى أربع مداخلات افتتحت بمداخلة بعنوان «القصّة القصيرة جدّا وجنسها القلّب»، تطرقت المداخلة إلى مأزق القصة القصيرة وصولاً إلى ق.ق. جدّا منذ نشأتها والخلاف حول بنيتها وحجمها حتّى عدّها البعض ظلّ الرّواية، واعتبرها آخر جنساً صغيراً وفاقداً للقيمة، فما بالك بالقصّة القصيرة جداً وقصّة الومضة؟ وهي أسئلة حاولت الإجابة عنها بدريّة فرحات متحدّثة عن معنى الأدب الوجيز لغوياَ عند ابن منظور والجرجانيّ، معتبرة أنّ من خصائصها التكثيف والإيجاز والإدهاش والتّناص والترميز.

وقد بيّن أمين الذّيب في مداخلته إلى إغفال المدارس النقديّة للجانب الرّوحي والفكري وحركيّة النصّ في نقودهم، مشيراً إلى جدليّة الشكل والمضمون في ق .ق. جدّا، مذكّراً بأن الغايةَ القُصوى للأدب هي الجمال والحريّة بعبارة ديكارت.

اليوم الثالث: الاختتام والبيان الختاميّ

حرّر الناقدان الجلجلي والزّين البيان الختامي للملتقى وتلاهما أمين الذّيب باقتدار… وأهم ما جاء فيه أن ملتقى الأدب الوجيز التّونسي اللّبناني هو لبنة أولى في صرح عظيم تأسس منذ خمس سنوات. وقد وقع النظر في بِنية شعر الومضة والقصة القصيرة جداً وقصة الومضة تمييزاً لها عن غيرها نقداً وإبداعاً بما هي حركة نقديّة تجاوزيّة تفتح آفاقاً جديدة للنّقد، تصل إلى المكامن القصديّة والشعوريّة في ذات المبدع. كما دعونا إلى ضرورة استكمال العمل الجادّ من أجل بلورة أوضح للمفاهيم الجديدة من زاويّة نقديّة تسائل آلياتها باستمرار وتُبقي مجاليْ النقد والتصويب مفتوحيْن. وتؤكد اللّجنة على مواصلة العمل والإعداد لملتقى الأدب الوجيز التونسيّ اللبنانيّ في دورته الثانيّة في بيروت.

علماً أنّ ما ذكر هو حوصلة للجلسات التي حضرتها رئيساً للندوات، والحال أنّ هناك جلسات أخرى ترأسها أمين الذّيب والأديبة فتحيّة الهاشمي الشاعرة سليمى السرايري والشاعرة سماح بني داود وأفضت إلى نتائج ثرّة. كما تخللت النّدوات قراءات شعرية وقصصية لمنير الوسلاتي ولارا ملاّك وباسل الزين ونورا الورتاني وضحى بوترعة وزكية الجريدي وأمين الذّيب وماجدة الظاهري وسليمة السرايري وسماح بني داود ونبيهة العيسي وريم قمري وبدرية فرحات وفتحية الهاشمي ومصطفى بوغازي وسلوى الرابجي وأحمد الحاجيّ وغيرهم.

ناقد وجامعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى