ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.

وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.

كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

إعداد: لبيب ناصيف

الحزب السوري القومي الاجتماعي في الكاميرون – مواقف ونضالات وتاريخ حافل 1

من المعروف ان للحزب حضوره القديم والواسع في «الكاميرون». عنه كان تحدّث الامين مسعد حجل في مذكراته «لم أبدل… ولن»، وكنا أشرنا الى ذلك في أكثر من مكان، منه عندما نشرنا عن مذكرات الامين حجل، وايضاً عندما تحدثنا عن الرفيق المناضل تاج الدين مرتضى 1 .

ولان الامين فاروق ابو جودة أقام فترة غير قصيرة في «الكاميرون» وتولى فيها مسؤوليات حزبية، منها مسؤولية المندوب المركزي، فلقد اقترحت عليه ان يعد لنا دراسة عن الحضور القومي الاجتماعي في «الكاميرون» وعن ابرز المحطات التي يعرفها، ويفيد تعريف الرفقاء والمواطنين الاصدقاء.

من حضرة الامين فاروق ابو جودة هذه الدراسة، مع التنويه لشموليتها، وللكثير من المعلومات المفيدة لتاريخنا، الواردة فيها، مع الاشارة اننا اضطررنا الى حذف عدد قليل من المقاطع، التي لا تؤثر على مضمون البحث القيّم الذي حققه الامين فاروق.

ل. ن.

الجالية اللبنانية في الكاميرون

يعود وجود الجالية اللبنانية في الكاميرون الى سنة 1904 عندما حطّ رحاله فيها معوّض جريس الحجل من جل الديب قادما اليها من جزيرة سانتا ايزابيل الإسبانية مالابو حاليا

ومن المعلوم ان تسمية البلاد بهذا الإسم «الكاميرون» يعود الى البحّار الفينيقي القرطاجي حنون في دورته حول القارة الإفريقية عندما وصل الى شواطىء المنطقة ورأى مشهداً رائعاً في كبد السماء: شهب من النار تسبح في الفضاء يغمر الضباب الكثيف منحدر جبل غير مرئي فنادى بحارته وأشار بيده: « أنظروا الى عربة الآلهة» أو:

كاميروس كاميروس !!!.

ثم تتالت العائلات النازلة في تلك المقاطعة، فمع البدء بالعمل بمفاعيل معاهدة سايكس – بيكو، التي وزّعت القارة الإفريقية على إنتدابين وسلطتين: فرنسا وبريطانيا .

وصلت طلائع الجيش الفرنسي الى الكاميرون سنة 1916 وبرفقتها اللبناني أمين ناصيف من بلدة «مزيارة» قضاء زغرتا قادماً من جمهورية التوغو وتعيّن بعدئذ من قبل السلطات المنتدبة اول قنصل فخري للبنان في عاصمة الإقليم الشرقي «ياوندي» .

ونمت الجالية تباعاً بشكل بطيء لم تعرف هجرة كبيرة سوى عدد قليل من اللبنانيين كعائلات: ابتور وشدياق ودينا مزيارة وعثمان ومكارم ونويهض راس المتن العريضي بيصور والحجل وعطيه وزينون جل الديب وعميص والدباجي القرعون وسلوم العبادية وابوجودة جل الديب والزلقا وغزاله عين عطا وغيرهم .

هاجر جان معوّض الحجل الى الكاميرون سنة 1934 بعد زواجه من ايفون الياس ضومط زينون ولحقه شقيقه ميشال خلال سنة 1936 .

البدء بالنشاط القومي

مع وصول ميشال معوّض الحجل الى الكاميرون، وهو الذي انتمى الى الحزب القومي في باكورة ايامه على يد منفذ عام المتن نهاد ملحم حنا 2 وأنشأ معه ومع يوسف ضومط زينون وعبدو زينون وغيرهم من الرفقاء الأولين، أول فرع نظامي للحزب في جل الديب،

وبعد تعرّفه على أبناء الجالية عرف منهم من كان قومياً ملتزماً أو متعاطفاً أو محبذاً، فأقام علاقة خاصة بأنيس سلوم 3 من العبادية وعارف نويهض من راس المتن وملحم العريضي من بيصور وسواهم لأنهم كانوا قوميين إجتماعيين .

تأسيس فرع حزبي في الياوندي

في أواخر العام 1956 هاجر الرفيق مسعد حجل الى الكاميرون بعد أن خسر وظيفته إثر إستشهاد الزعيم 8 تموز 1949 كمهندس زراعي على محافظة الجنوب من قبل الوزارة وخسارته لمشاريعه الزراعية التي أقامها بعدذاك في الجزيرة السورية أو في منطقة ريف حلب، بعد حادثة إغتيال العقيد عدنان المالكي وإتّهام الحزب القومي بها، مما اضطرّه لمغادرة البلاد بعد أن سُدّتْ بوجهه كافة السبل، ملتحقاً بأخويه جان وميشال .

عند وصوله وتركيز عمله، أقام علاقات مميّزة مع القوميين الإجتماعيين ثم تواصل مع مركز الحزب في بيروت واعلم المسؤولين في مكتب عبر الحدود عن إستعداده وسائر القوميين على مزاولة العمل الحزبي وإنشاء فرع في المنطقة .

يقول الأمين مسعد في مذكراته «لم أبدّل … ولن» المجلد الأول الحلقة الثانية عشر صفحة 205 :

« أتاني جواب مكتب عبر الحدود يحمل تنويهاً وتشجيعاً مع ضرورة أخذ الحذر الشديد تحاشياً من إنتقام الفرنسيين أو من عملائهم بين أبناء الجالية اللبنانية ؟ وحمل البريد الحزبي أسماء بعض الرفقاء في الكاميرون لم أكن أعلم عنهم شيئاً، مع قرار بتكليفي بمهمة جمع الرفقاء والعمل على إنشاء مفوّضية مركزية، حين تسمح الظروف الوضعية بذلك».

يكمل الأمين حجل: «إتّصلتُ بكافة الرفقاء ومنهم يوسف زينون وعارف نويهض وحليم نويهض ووديع الداقور وجورج زينون وزوجته وديعه كركي وأنتمى فخري القاوقجي من طرابلس نسيب المجاهد فوزي القاوقجي

« واعلمت المركز بما فعلناه ورحنا نقيم الإحتفالات بالمناسبات الحزبية تحت مسمّيات مختلفة .

« وهكذا بدأ العمل الحزبي بصورة غير رسمية إلى أن صدر قرار من عمدة الداخلية يحمل الرقم 55/28 تاريخ 31 كانون الأول 1959 يقضي بإنشاء مفوّضية مركزية في الكاميرون وتعييني مفوّضاً مركزياً لها .

نموّ العمل الحزبي

« مع وصول الرفيق فاروق ابوجودة، بعد خروجه من السجن بعيد المحاولة الإنقلابية في بيروت، بتاريخ 8 تموز 1962، تعزّز العمل الحزبي وتنوّعت النشاطات الإجتماعية، فأنشأنا مدرسة لتعليم اللغة العربية لأبناء الوطن الأم إذ ان الرفيق فاروق حمل معه الكتب المدرسية اللازمة والدفاتر الضرورية.

وبدأت السهرات الحافلة والندوات الثقافية الفكرية الواسعة بالمناسبات القومية الثلاث : الأول من آذار والثامن من تموز والسادس عشر من تشرين الثاني، ونما الفرع بشكل مطّرد في العاصمة وفي غيرها من المدن وتحوّلت المفوّضية الى مديرية مستقلة بإدارة الرفيق ابوجودة الذي تعيّن لاحقاً مندوباً مركزياً على الكاميرون والدول المجاورة: تشاد الكونغو برازافيل الغابون افريقيا الوسطى وغينيا الإستوائية .

« وتسهيلا للعمل الإداري أنشئت مفوضية تابعة في مدينة «نانجا إيبوكو» بإدارة الرفيقة الشاعرة نجاة صعب زوجة الرفيق نديم العريضي، ومفوّضية أخرى في مدينة «دوالا» بإدارة الرفيق إدمون الدرزي من الكورة .

ووصل الكاميرون عدد من الرفقاء قادمين من الوطن أو من بلدان إفريقية أخرى: الرفيق محسن سليمان وزوجته الرفيقة زوبعة، وانتمت الرفيقة ميليا قرطباني زوجة الأمين فاروق .

« أتى من غانا الرفيق صبحي عبد الرحمن 4 وعائلته وشقيقاه عبد الرحيم وعبد الرؤوف والرفيق بسام رزق 5 وزوجته الرفيقة راغدة، والرفقاء: شربل تنوري وشقيقه ايلي، ونجا قيقانو، وغيرهم وانتمى في تلك المرحلة الرفقاء: شوقي الهاشم وظافر خوري ورجا الداقور وفادي غزاله وليلا ابوجودة، وكذلك التحق الرفيق ابراهيم جبور وكان موظفاً في الأمم المتحدة، بالفرع الحزبي في الياوندي ويوسف بو سليمان 6 المتين وزوجته عفيفة ابوجودة .

« وإلى جانب النشاط التعليمي، انشأنا فريقاً رياضياً لكرة الطائرة، على قطعة أرض قدّمها الأمين حجل، كان يزاحم الفرق الأخرى على بطولة الكاميرون .

زيارة الأمينة الأولى الى الكاميرون سنة 1964

يقول الأمين حجل بمذكراته صفحة 237:

« إتصل بي الأمين يوسف الأشقر الموجود في غانا وأعلمني ان حضرة الأمينة الأولى وصلت هناك بعد خروجها من سجن المزة في الشام، وهي تقوم برحلة استجمام خارج الوطن وترغب بزيارتنا في الكاميرون.

كان سرورنا جميعاً بالغاً لدن سماعنا الخبر السعيد ورحّبنا بالفكرة وشجّعنا على القيام بها .

واعلن الأمين حجل عن استعداده لضيافتها ومرافقيها والقيام بما يحتّم علينا واجبنا القومي تجاه الأمينة الأولى لما تحمله من رمزية مقدسة لدى جميع القوميين الإجتماعيين أينما وجدوا .

أعلمْنا جميع أبناء الجالية في الياوندي عن الحدث الجميل ودعوناهم الى المأدبة العامرة بالمناسبة على شرف الضيفين الكبيرين: الأمينة الأولى والأمين يوسف الأشقر .

كان أبناء الجالية جميعهم في عداد المستقبلين على أرض المطار وكلهم لبوا الدعوة الى منزل الأمين حجل وشملت فضلا عن أبناء الجالية، مدراء المصارف وبعض الوزراء الكاميرونيين.

أقام الزائران القوميان عدة أسابيع في ربوع الكاميرون، تقاسم خلالها الرفقاء دعوتهما وأخذت الصور التذكارية .

وضع الرفيق عارف نويهض نفسه وسيارته تحت تصرّف الأمينين الجزيلي الإحترام وتفرّغ لذلك، طيلة مدة وجودهما في الكاميرون» .

لجنة قومية لمتابعة انعكاسات حرب حزيران 1967

إبان اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية 6 حزيران 1967 والتي عُرفت بحرب «الستة أيام» دعت هيئة المديرية الى اجتماع إستثنائي وشكّلت لجنة طوارىء لمواكبة سير العمليات الحربية تألفت من الرفقاء مسعد حجل وفاروق ابوجودة وتاج الدين مرتضى وعارف نويهض وقامت هذه اللجنة بزيارة جميع سفراء الدول العربية المعتمدة في الكاميرون: جمهورية مصر العربية وتونس والجزائر والمغرب والمملكة العربية السعودية والقنصلية الفخرية للبنان ، بغية توحيد الموقف العربي تجاه العدو الإسرائيلي الذي بدأ يغزو القارة الإفريقية ويقدّم المساعدات المختلفة والمنح النوعية للأفارقة كي يذهبوا الى دولة العدو يتخرجون من جامعاتها، مهندسين زراعيين وضباطاً عسكريين، وقد يتحوّل هؤلاء الى قاعدة ثابتة ومتينة للعدو الإسرائيلي في القارة السمراء وكذلك مخبرين لمؤسساته العسكرية والأمنية.

ومن الأفكار التي حملها أعضاء اللجنة ، التعويض على الدول الإفريقية ما خسرته عند مقاطعتها مجتمعة للدولة العبرية عندما اتّخذ الأمين العام «لمنظمة الوحدة الإفريقية» قراراً بإيقاف التبادل الدبلوماسي والتجاري وغير ذلك بين كافة الدول الإفريقية والكيان الصهيوني ، شذت عن القرار ولم تلتزم به دولة شاطىء العاج بالرغم من أن رئيس جمهوريتها هوفووّيه بوانييه الملقّب ب «الختيار» كما كان يسمّى بأحد حكماء إفريقيا مع رئيس السنغال الدكتور الشاعر ليوبولد سيغار سنغور ورئيس الكاميرون أحمدو أييدجو، كان يتعاطف كلية مع العالم العربي ودوله وحكوماته …

كان أسف اللجنة عميقاَ جداً عندما اصطدمت بواقع عدم وجود خطة لدى الدول العربية ولدى أمانة جامعتها بتلقّف الأوضاع المستجدة ومقابلة إفريقيا بعرفان على مستوى موقفها المميّز تجاه قضايانا العربية واقتصرت بعض المساعدات على تقديم نسخ من كتاب القرآن وبناء الجوامع وإرسال بعثات لتعليم الدين المحمدي في وقت تعاني فيه الشعوب الإفريقية من حالات جوع وامّية وتخلّف زراعي وصناعي وعلمي وغير ذلك …

إنتعاش العمل الحزبي في دوالا

وفي سنة 1973 انتقل الرفيق ابوجودة الى مدينة دوالا فانتعش العمل الحزبي كثيراً في تلك المدينة .

أنشئت مدرسة ليلية لتعليم اللغة العربية لأبناء المغتربين رادها أيضاً بعض أبناء الجاليات المغربية والجزائرية الذين أرادوا الخروج من برنامج التعليم الديني في إرسالياتهم المتخصّصة بهذا الحقل، إلى تعلّم اللغة العربية الفصحى واستفادوا كثيراً من جودة وأسلوب وإتقان الرفيق ابوجودة بهذا الخصوص .

كما أنشئ نادٍ رياضي ثقافي «نادي النهضة الرياضي الثقافي» في أحد فيلات المدينة وحولها أرض واسعة استوعبت ملاعب لكرة الطائرة وكرة المضرب وكرة اليد وكرة الطاولة، وأنشىء مطعم داخل حرم النادي يقدّم الوجبات اليومية كان يستقبل من خارج أبناء الجاليات العربية عددا كبيرا من الأوروبيين والأفارقة على حدٍ سواء.

مواقع رسمية تبوأها قوميون

بعيد نيل الكاميرون استقلالها في شقيها الغربي عن بريطانيا والشرقي عن فرنسا في الأول من كانون الثاني 1960: 1/1/ 1960 ، انتقل الصليب الأحمر الفرنسي الى عهدة الحكومة الكاميرونية واستلم رئاسة المنظمة الإنسانية رئيس مجلس الوزراء الدكتور سيمون بيار تشونغي وبدأ بتعيين معاونين له ليشكلوا الهيئة الإدارية الوطنية لهذه المنظمة الفتية .

وعلى ضوء العلاقة المميّزة التي لاحظها الوطنيون الكاميرونيون التي توطّدت بين الرفيق مسعد حجل وكافة المواطنين من أهل البلاد، تلك العلاقة التي تعود الى زمن وصول الرفيق حجل وزوجته الرفيقة ناديا، وما يكنه الكاميرونيون لكليهما من محبة ومودّة واحترام نظراً للخدمات الجلّى التي قدماها للكاميرونيين على زمن الإنتداب، وعلى ضوء كل تلك المعطيات، أرسل الرئيس تشونغي وزير الصحة الدكتور جان كلود هابّي الى الرفيق حجل يسأله عن استعداده لتحمّل مسؤولية رئاسة الصليب الأحمر الكاميروني؟ كان جواب الحجل أنه مستعد للتعاون لإنجاح مهمة الإدارة الجديدة . إذن سنعلمك عن موعد لك مع رئيس مجلس الوزراء، قال الدكتور هابّي.

أثناء اللقاء عرض الرئيس تشونغي أن يتولّى الرفيق مسعد رئاسة المنظمة الإنسانية .

شكر الرفيق مسعد رئيس الوزراء وكافة الحاضرين على ثقتهم بشخصه لكنّه استدرك طالباً إعفاءه من تحمّل المسؤولية العليا وإبقائها بعهدة الرئيس تشونغي وهو – أي الحجل يكون الى جانبه في كل ما يتطلب الواجب القيام به .

وتعيّن الرفيق حجل نائباً لرئيس الصليب الأحمر الكاميروني وقام بإنجازات مهمة جداً وصلت في قمّتها الى إنشاء بناء من عدة طوابق ملكاً للمؤسّسة وفّرت على ماليتها كماً هائلا من المصاريف وأصبحت تُدخل أموالا طائلة لصندوقها مما أغناها عن انتظار مساعدات الدولة لتحيا وتستمر في أداء عملها الإنساني، وهذا ما دفع إدارة المؤسسة العالمية في جنيف لإرسال كتاب تهنئة للإدارة المحلية في الكاميرون على الإنجاز المهم الذي قامت به .

مثّل الرفيق حجل الكاميرون في جلسات المؤتمرات الدولية التي كانت تنعقد دورياً في عدة عواصم عالمية ويترأس وفد الكاميرون في تلك المؤتمرات: جنيف طهران مانيلا بوخارست وغيرها .

وعندما عزم الأمين حجل على العودة النهائية الى الوطن قدّم استقالته من نيابة الرئاسة، لكن الرئيس وليام إيتيكيه مبوموا الذي خلف الدكتور تشونغي، رفض الإستقالة وطلب تأييد أعضاء اللجنة الإدارية بإبقاء الأمين حجل نائباً فخرياً للرئيس مدى الحياة وتم له ما أراد، وأرسل بالتالي كتاباً رسمياً لرئيس الصليب الأحمر الدولي في جنيف طالباً فيه تقليد الأمين مسعد حجل أعلى وسام في المنظمة الدولية ألا وهو «وسام هنري دونان» مؤسّس منظمة الصليب الأحمر الدولي، تقديراً لعطاءاته الكثيرة وتفانيه في خدمتها .

وانتُخبت الرفيقة ناديا حجل رئيسة على: «نادي النساء العالمي club international women s «

الذي يجمع زوجات المسؤولين الرسميين والسفراء والقناصل المعتمدين ورجال الأعمال …

وتقلّد الأمين حجل مجموعة من الأوسمة صدرت بمراسيم وقعها رئيس الجمهورية الكاميرونية :

وسام برتبة فارس. وسام برتبة ضابط. وسام الشرف الكاميروني. وسام الإستحقاق الكاميروني. وسام أعلى برتبة كومندور. مرسوم بتعيينه قنصلا فخرياً للكاميرون في لبنان. وسام العمل للأمينين مسعد وناديا. وترأس الامين الحجل «إتّحاد كرة اليد الكاميروني» وتعيّن مستشاراً خاصاً ل «إتحاد الدبلوماسيين الكاميرونيين» .

في مقابل ذلك، طلب الأمين حجل من رئيس الصليب الأحمر في منطقة الساحل، السيد موكوري ايليسّا، الإتصال بالرفيق ابوجودة للتعاون في إستنهاض نشاط المؤسسة الخدماتية الإنسانية في دوالا وجوارها .

أعلن الرفيق ابوجودة استعداده للتطوّع لمساعدة اللجنة المحلية فتعيّن نائباً للرئيس في منطقة الساحلle littoral .

تحييد الجالية اللبنانية في الكاميرون عن الصراعات المذهبية

على أثر اندلاع الحرب الأهلية في لبنان نيسان 1975 وانقسام البلد الى محاور متعدّدة وتشرذم الشعب اللبناني وانفراط عقده الإجتماعي وانحلال ميثاقه الوطني، حاولت بعض الجهات نقل تلك الإفرازات الى الجاليات اللبنانية المنتشرة في معظم دول العالم .

ومخافة أن تصل شظايا تلك الحرب المدمّرة الى جسم الجالية في الكاميرون، عقد مدير المديرية الرفيق فاروق ابوجودة إجتماعاً خاصاً للقوميين لتبادل الآراء حول المستجدات وضرورة التصدي لها وإبعاد الكأس المرّة عن أبناء الجالية الذين يحيون معاً بروح المحبة والأخوة والتلاحم والإحترام وأقرّ الرأي بضرورة دعوة كافة المواطنين الى إجتماع عام ووضعهم بصورة ما يحدث .

عُقد الإجتماع في منزل الرفيق ابوجودة حضره معظم أبناء الجالية في دوالا وامتد صداه الى كافة المغتربين في مدن الكاميرون الأخرى .

كانت كلمة المندوب الحزبي تشمل سلامة العلاقات بين مختلف المواطنين وضرورة المحافظة عليها إذ أن أي خلل تتعرّض له يعرّض مصالح كل المغتربين الى الأذية وليس لنا أي خيار إلا المحافظة على سلامة ووحدة الجالية وإبعادها عن كل تشرذم وانقسام وتصارع ومن يريد تفجير الوضع وتعريض سلامتنا الى المخاطر التي لا تحمد عقباها فنحن كلنا سوياً ضدّه وما عليه إلا الذهاب الى لبنان حيث هناك جبهات مفتوحة يلتحق بمن يريد هناك وليس هنا، قال الرفيق ابوجودة .

لاقت كلمته الوجدانية صدى إيجابياً ومؤيداً من كافة الموجودين إلا من عدد قليل موتور لم يحضر الإجتماع، لكن هؤلاء حوصروا بإجماع المواطنين المغتربين الذين أيّدوا ما جاء في دعوة الرفيق ابوجودة .

وهكذا سلمت الجالية من تداعيات الحرب الأهلية التي دمّرت البشر والحجر والشجر ولم تبقِ على أي شيء حياً…

ردود فعل بعض صغار النفوس

بعد دخول جيش العدو الإسرائيلي الى العاصمة اللبنانية 1982 وتنصيبه رئيس القوات اللبنانية بشير بيار الجميل رئيساً على جمهورية أشلاء الوطن الجريح الممزّق الدامي، وبعد اغتياله على يد حبيب الشرتوني واتهام الحزب القومي بذلك العمل، قام بعض المغتربين في الكاميرون بتوجيه تهديدات الى المسؤول القومي فاروق ابوجودة.

ففي صبيحة باكرة من ذات يوم من ايلول 1982 بعد انهيار أحلام الصهاينة وإحباط وتخبّط القوات اللبنانية وحلفائها إثر اغتيال أملهم وتبخّر طموحاتهم، رنّ جرس الهاتف في منزل الأمين ابوجودة مُنِحَ الرتبة سنة 1978 وما إن رفع السمّاعة ليُجيب حتى انهالت عليه التهديدات من المتكلّم المجهول الذي لم يفصح عن إسمه، تهديدات بالقتل والخطف وما الى ذلك .

وتحاشياً لكل مضاعفات في ما إذا ركب هذا المجهول مركباً خشناً، «عمدتُ الى إتلاف الملفات الحزبية والأشرطة المسجّلة والتقارير والمحاضر «كي لا تقع في أيد غريبة لا نعرف خطورتها ولا غايتها من الوصول الى ذلك.

وبعد مدة قصيرة، أعلمَنا الراهب الفرنسي أنه لن يجدّد عقد الإيجار الشفهي معنا والذي بموجبه نُشغِل عدة غرف في تجمّعه لتعليم أولاد المغتربين اللبنانيين وغيرهم من الجاليات، لغتهم الأم اللغة العربية، فانتقلنا من عنده الى استئجار عدة غرف في مدرسة خاصة تديرها راهبات إرسالية فرنسية بإدارة رئيسة كاميرونية وأكملنا سنتنا الدراسية.

من غريب المفارقات أن من وشى لدى الراهب الفرنسي لإغلاق المدرسة كان أولاده يتعلمون عندنا مثل أولاد الآخرين.

وذات مساء، هاتفني المغترب جان ابو زيد من بيت شباب لبنان يدعوني الى شرب فنجان قهوة في منزله بحضور الراهب الفرنسي ذاته، فاعتذرت عن عدم الحضور لكنه أصرّ وألح عليّ بالحضور إذ أن هناك خبراً سعيدأ يهمني سماعه.

فبعد السلام والمجاملات وحفاوة الإستقبال من ربّة المنزل السيدة ماري غبريل زوجة ابو زيد التي كانت واحدة من الهيئة التعليمية، سمعتُ من الكاهن الفرنسي إعتذاراً عما بدر منه دون أن يعلم ملابسات الموضوع وتمنى أن نعود إلى مكاننا عنده لإكمال تعليم أبناء المغتربين لغتهم القومية اي اللغة العربية .

لم اقبل إعتذاره وشعرت أنّه خجل عندما ترجمت له قولا عندنا جاء فيه: «من افتتح مدرسة أقفل سجناً» فهل تريد يا محترم أن نفتح سجناً وأن يبقى أولادنا دون إلمام بلغة بلادهم الأصلية، وهل تقبل بألا يتعلم أولادكم ويجيدون لغتهم الفرنسية وتاريخ بلادهم وحضارة أمتهم؟ .

ولا أغالي إن ردّدتُ ما قاله الخالد سعاده: « ليس لإبن النور محب بين أبناء الظلمة فبقدر ما يظهر لهم من محبة وعطاء يظهرون له من كره ومن تنكّر « .

لم يكتف هؤلاء من تخريب المدرسة العربية إنما أسلوبهم المخرّب والبغيض بالوشاية لدى السلطات الأمنية بتلفيقات وأكاذيب وتحريض أدّى ، بناء عليها ، الى مداهمة الأمن الكاميروني مقرّ النادي الرياضي الثقافي الإجتماعي وإقفاله .

هوامش:

1 – تاج الدين مرتضى: عرفته ناموساً في مديرية الكاميرون المستقلة، فخازناً عاماً للحزب، فيما كانت الامينة ناديا حجل تتولى مسؤولية وكيلة عميد المالية، في اوائل سبعينات القرن الماضي.

كان رفيقاً مميزاً بمناقبه، وبقيت اتردد إليه في دمشق وقد عاد إليها، او يزوّدني كلما حضر الى لبنان، الى ان وافته المنيّة. تكلم عنه الامين مسعد حجل في مذكراته، ونشرت نبذة عنه. للاطلاع الدخول الى قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

2 – نهاد ملحم حنا: كما آنفاً

3 – انيس سلوم: يفيد الرفيق انيس سلطان انه من اوائل رفقائنا في العبادية.

4 – صبحي عبد الرحمن: من الرفقاء المناضلين. شارك في الثورة الانقلابية، شقيق الامين عبد الكريم الذي كان تولى مسؤولية عميداً للداخلية، الى مسؤوليات ومسؤوليات اخرى مركزية، وفي الكيان الشامي.

5 – بسام رزق: من الرفقاء المناضلين. تولى مسؤوليات حزبية في الوطن وفي مناطق عديدة في افريقيا. اقترن من الرفيقة راغدة ابو سليمان واسس معها عائلة قومية اجتماعية.

6 – يوسف ابو سليمان: من «المتين». شارك في الثورة القومية الاجتماعية وكان من بين الرفقاء الذين هاجموا مخفر «المتين» عام 1949. والد الرفيقة راغدة، عقيلة الرفيق بسام رزق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى