البشير تحت الإقامة الجبرية بعد الإنقلاب والمعارضة ترفض الحكم العسكري واستمرار التظاهرات

أنقلبت القوات المسلحة السودانية أمس، على الرئيس عمر البشير الذي حكم البلاد بقبضة حديدية على مدى 30 عاماً، وأعلنت عن «تشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون الدولة لفترة انتقالية مدتها عامان تتبعها انتخابات».

وأعلن الفريق أول عوض بن عوف وزير الدفاع ونائب الرئيس السوداني عمر البشير بيان القوات المسلحة بـ«اعتقال عمر البشير والتحفظ عليه في مكان آمن، وبدء الفترة الانتقالية لمدة عامين».

وفي بيان بثه التلفزيون السوداني، أكد عوض بن عوف «إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين في جميع أنحاء البلاد، وإعلان حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر وحظر التجوال لمدة شهر من العاشرة مساء وحتى الرابعة صباحاً، وإغلاق أجواء السودان والمعابر لـ24 ساعة، وتشكيل مجلس عسكري حاكم، وحل مؤسسة الرئاسة، وإعلان وقف إطلاق النار الشامل في كل أنحاء البلاد، ووضع دستور دائم للبلاد بنهاية الفترة الانتقالية»، داعياً المواطنين لـ»تحمّل بعض الإجراءات الأمنية».

وأضاف أنه «تم تعطيل الدستور، وحل المجلس الوطني ومجلس الولايات وحكومات الولايات ومجالسها التشريعية ومجلس الوزراء، مع استمرار عمل النيابة والقضاء».

وطمأن عوض بن عوف دول العالم بـ«الالتزام بالاتفاقات الدولية واستمرار عمل السفارات والبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى السودان».

وقال نائب الرئيس إن «الفقراء زادوا فقراء والأغنياء زاد غناهم»، وأضاف أن «الشعب كان مسامحاً وكريماً، رغم ما أصاب المنطقة، فقد خرج شبابه في تظاهرات سلمية تعبر عنها شعاراتهم منذ كانون الأول الماضي».

وتابع أن «النظام ظل يردد الوعود الكاذبة حول مطالب الشعب السوداني»، ودعا عوض بن عوف لـ»الترحم على الشهداء وتمنى الشفاء للجرحى والمصابين، وأن يتحمل الشعب السوداني الإجراءات الأمنية المشددة».

وأشار إلى أن «اللجنة الأمنية حذرت من الأوضاع، وسوء الإدارة والفساد، لكن نظام البشير عاند كل ذلك وأصر على المعالجة الأمنية التي أدت إلى سقوط قتلى ومصابين».

ودعا حاملي السلاح والحركات المسلحة للانضمام لحضن الوطن والمساهمة في بنائه، مشدداً على «وقف اطلاق النار الشامل في كل السودان، والفرض الصارم للنظام العام ووضع التفلت ومحاربة الجريمة بكل أنواعها».

وأشاد البيان بـ«صبر أهل السودان»، ووصف صبرهم بأنه «كان فوق قدرة البشر»، معتذراً عن «سقوط عدد من الشهداء أثناء الاحتجاجات».

فيما تشمل الأسماء المرشحة لخلافة البشير وزير الدفاع، الذي كان مديراً سابقاً للمخابرات العسكرية وينتمي أيضاً للتيار الإسلامي، إضافة إلى رئيس الأركان السابق عماد الدين عدوي.

ويتردد أن عدوي شخصية تحبذها دول جوار على خلاف مع البشير بسبب توجهاته الإسلامية.

مواقف مرحّبة ومعارضة للحكم العسكري

وكان الآلاف قد تدفقوا على موقع احتجاج مناهض للحكومة أمام وزارة الدفاع أمس، بينما خرجت حشود ضخمة إلى شوارع وسط الخرطوم ابتهاجاً بنبأ تنحية البشير وأخذت تهتف بشعارات مناهضة له. وهتف المحتجون «سقطت سقطت.. انتصرنا».

ودعا المحتجون لـ»تشكيل حكومة مدنية»، وقالوا إنهم «لن يقبلوا بإدارة تقودها رموز عسكرية وأمنية أو مساعدون للبشير».

بدوره، قال عمر صالح سنار القيادي في تجمع المهنيين السودانيين، المنظم الرئيسي للاحتجاجات ضد البشير، في تصريحات «لن نقبل إلا بحكومة مدنية انتقالية مكونة من قوى إعلان الحرية والتغيير».

فيما قال مصدر كبير في تجمع المهنيين إن «التجمع رفض بيان وزير الدفاع ودعا المحتجين لمواصلة الاعتصام الذي بدأ يوم السبت أمام وزارة الدفاع».

وأضاف «ندعو الثوار لمواصلة الاعتصام.. بيان بن عوف استنساخ جديد لنظام الإنقاذ.. نرفض البيان بصورة كاملة».

وانتشرت قوات في محيط وزارة الدفاع وعلى الطرق والجسور الرئيسية في العاصمة.

في سياق متصل، أكدت نائبة رئيس حزب الأمة مريم الصادق المهدي، أنّ «الاعتصامات ستبقى مستمرة حتى تحقيق مطالب الشعب السوداني كافة».

ووصفت المهدي بيان القوات المسلحة بأنّه «نسف تماماً فكرة الانتقال إلى سلطة مدنية».

كما رحب تجمع المهنيين السودانيين بـ«اطلاق سراح معتقلي الثورة وجميع قادة وأعضاء التجمع».

واعتبر التجمع في بيان له مباشرة بعد بيان الجيش السوداني الذي أعلن فيه اعتقال البشير، إن «ثورة ديسمبر بقيادة شعبية خالصة استطاعت تخليص هؤلاء الأحرار من قبضة الاستبداد».

وأضاف التجمع: «نعلن أن هؤلاء الشرفاء مكانهم هو ساحة الاعتصام مع الثوار إلى حين تكوين سلطة مدنية».

من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين اسماعيل التاج إن ما جرى «انقلاب بكل معنى الكلمة وسيوفر ملاذاً آمناً للبشير»، مطالباً بـ«تسليم السلطة إلى حكومة مدنية انتقالية يحددها تجمع المهنيين مع حلفائه في قوى الحرية والتغيير».

وأكد تاج أن «الاعتصامات لن تبقى أمام مقر الجيش بل ستمتد إلى كل المدن حتى تسليم السلطة إلى القوى المدنية»، متسائلاً «لماذا لا يضع الانقلابيون البشير في السجن بدل التحفظ عليه في الإقامة الجبرية؟».

وشدد التاج على «وجود اختلاف بين ما قاله بن عوف وما تسعى الجماهير إلى تحقيقه»، لافتاً إلى أن حشود الشعب لم تتوقع أن يكون بيان وزير الدفاع «مخيباً للآمال».

ومن ناحيتها، أشارت قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان، إلى أنّ «سلطات النظام نفذت انقلاباً عسكرياً وترفض ما ورد في بيانها»، داعية الشعب لـ»الحفاظ على اعتصامه في الشوارع حتى تسليم السلطة لحكومة مدنية».

وشددت على أن «سلطات النظام نفذت انقلاباً عسكرياً تعيد به انتاج الوجوه والمؤسسات ذاتها»، مشيرة إلى أن «من دمروا البلاد يسعون إلى سرقة منجزات الشعب في ثورته».

ردود فعل دولية داعمة لخيارات الشعب

وفي ردود الفعل الخارجية الأوليّة على تطورات الأحداث في السودان، أكدت وزارة الخارجية المصرية، «دعم خيارات الشعب السوداني وإرادته الحرة فى صياغة مستقبل بلاده».

وأعربت القاهرة عن ثقتها الكاملة في «قدرة الشعب السوداني الشقيق وجيشه الوطني الوفي على تجاوز المرحلة الحاسمة وتحدياتها»، داعيةً المجتمع الدولي إلى «دعم خيارات الشعب السوداني وما سيتم التوافق عليه في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة».

وناشدت مصر «الدول الشقيقة والصديقة مساندة السودان ومساعدته على تحقيق الانتقال السلمي نحو مستقبل أفضل».

ومن جهتها، دعت وزارة الخارجية الروسيّة «كافة الأطراف في السودان الى حل الإشكالات بالوسائل السلمية».

وأضافت الخارجية الروسية في بيان لها: «سنقيّم الوضع لاحقاً على أساس تطورات الموقف في السودان».

كما دعت الخارجية المواطنين الروس للامتناع عن السفر الى السودان في الظروف الراهنة حفاظاً على سلامتهم وأمنهم.

من ناحيتها طالبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قيادة الجيش السوداني لـ»الانحياز الكامل غير المشروط إلى نبض الشارع».

بدوره، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أمله في أن يعبر السودان المرحلة الراهنة بـ «سلام ومصالحة وطنية»، مؤكداً أن «لدى أنقرة والخرطوم علاقات متجذرة في التاريخ»، مشدداً على أن بلاده تريد «أن تتواصل هذه العلاقات».

وقال: «أتمنى أن يستطيع السودان الخروج من هذا الوضع بأجواء أخوية، وتفعيل المرحلة الديمقراطية بأسرع ما يمكن»، مضيفاً أن «أهم ما يتمناه أن يتخطى السودان هذه المرحلة على أساس السلام والمصالحة الوطنية».

وقال إن «تركيا تتلقى أنباء متضاربة حول مصير الرئيس السوداني المعزول»، مشيراً إلى أنه «في وسعه معرفة مصير البشير وما إذا كان في منزله أم في مكان آخر».

من جهته، أعلن الاتحاد الأوروبي، أمس، أنه «يراقب عن كثب تطورات الأوضاع في السودان». وقالت المتحدث الرسمية باسم المفوضية للشؤون الخارجية مايا كوتشيانتيتس في إحاطة إعلامية: «نحن نراقب عن كثب التطورات في السودان وندعو جميع الأطراف لعدم استخدام العنف».

وأضافت: «كما ندعو إلى حل سلمي وأخذ بالاعتبار آراء الشعب ونحن في اتصال دائم مع حلفائنا لمناقشة الوضع في السودان».

كما تمنت الخارجية الفرنسية، أمس، بأن «يتم الاستماع لصوت الشعب السوداني وبأن تجري التطورات الجارية في السودان بشكل سلمي».

وقالت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية آنييس فان دور مول في بيان رسمي: «فرنسا تتابع عن كثب تطور الوضع في السودان». وتابعت، «نتمنى أن يتم الاستماع لصوت الشعب السوداني وأن تحدث التطورات الجارية من دون عنف».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى