مسرحية « هِيِ ونَّهُ» جمالية السينوغرافيا وتكرار القصة ومباشرة النص وإشكالية الإحساس!

جهاد أيوب

اعترف بشغفي بمسرح المخرج د.مشهور مصطفى، وذلك لبساطة طروحاته، وعمق معالجاته، وتعامله مع المجاميع والسينوغرافيا بمسؤولية جمالية، وكل شاردة وواردة على المربع مرهونة بمراقبته، وتهذيبه يأسر الجميع… ومنذ أكثر من خمسة عشر عاماً انقطعنا عن تبادل أخبارنا، ولم أشاهد مسرحه، واليوم كانت فرحتي كبيرة كي اعاود ما انقطع من خلال مسرحيته الجديدة «هِيِ ونَّهُ» المقصود «هي وهن».

عمل مونودراما بطولة مروة قرعون، ونص وسينوغرافيا د. مشهور مصطفى، ويتمسرح على مسرح المدينة، وتقديم من المسرح المعاصر اللبناني ومسرح المدينة…

يطرح العمل قضية مكرّرة، وليست بجديدة، وتكمن في تعنيف المرأة، وصعوبة حضانة ضناها بعد الطلاق إن وقع، ورغم ذلك ليس من الضرر تكرار القصة بشرط طرحها وتمرسحها خارج اللغة المباشرة، واعتماد رؤية مغايرة كلياً عن كل ما قدم وما كتب وما قيل من ثرثرات أصبحت مملة!

ملحوظة:

المسرح هو حالة تجريبية مهما اختلفوا في طبيعة التقديم، والمسرح صفعات وترفيه وطروحات تحرّك الذهن، وتثقف البصر، وتغني جمالية الجمال المشهدي بكل التفاصيل المعنوية والمادية مهما اعتمد العمل على المسرح الفقير أو المبهر أو الثراء المتعمّد. وهنا مع المخرج مشهور مصطفى دخلنا الصالة ليسقط بصرنا على ديكور فيه ثراء لوني ذوقي مدهش بخيطان منوعة وخلفية سوداء زادته رونقاً، وباروكات تمثل نساء عديدات، وماكينة حياكة خيطانها معلقة بالفضاء، وملابس مشتتة داخل سجن دائري يشير إلى حياتنا وأيامنا في الكرة الأرضية، وقد تم تشغيلها في المشهد الاخير بشكل لولبي. والمرأة المشكلة معلقة بداخلها للدلالة على أن قضيتها تدور في فراغ الوجود ضمن سينوغرافيا غاية بالجمال!

نعم مشهور مصطفى من أكثر المخرجين في لبنان والعالم العربي اهتماماً بجمالية السينوغرافيا، ووصولها إلينا بعناية، ولا يُفرط بكل تفاصيلها، وهنا حاول أن يحافظ على منواله، ولكن النتيجة كانت تتطلّب أكثر روية، وأكثر دراسة ودقة، وتعميق الرؤية، وبالتحديد في أداء الممثل وحركة جسدها وأحاسيسها!

داخل العمل:

سينوغرافيا غنية بالتفاصيل المبعثرة، وبالأكسسوارات المشتتة، التفاصيل المبعثرة فيها دلالات تشبهنا، ولكن الأكسسوارات المشتتة داخل هذه الجمالية اعاقت الفكرة، وحركة الممثلة، وتنقلها من شخصية إلى أخرى اظهرتها تقليدية، وفرضت عليها الايقاع البطيء من أجل ارتداء أكسسوارات الشخصية، وهنا تاه الكثير من ابداع اللحظة خاصة ان الممثلة اعتمدت على صوتها وليس على إيحاءات جسدها، ولو نُظمت بدراسة لتمت الاستفادة من كل ما كان معلقاً في فضاء السجن الحياة اليومية من باروكات وأكسسوارات لم تعطنا أي اشارات مفيدة ودالة، وربما لو وضعت مكانها صور تأثيرية لكانت النتيجة أفضل والتكلفة المادية أقل. ومع ذلك لا يحق لنا التدخل بنظرية المخرج!

منذ أكثر من عشر سنوات لم تقدم معاهد المسرح في لبنان الجسد كصوت يدل على ثراء النطق، ويكون من المتممين الأساسيين في إيصال المعنى، الجسد في حركته هو عمق الحوار وليس دواء للقضية، هو يدهش ولا يفرض الملل، وهو لغة ثرية بالمعاني والبوح، وهذا لم يعد متواجداً في بقايا المسرح اللبناني، وكل ما نشاهده نسمعه ينطق به مجرد ثرثرات لسانية تعتمد على الصراخ خارج الإحساس، وبعيداً عن انسجام البوح مع نطق الجسد مع الحالة الإنسانية النفسية وهذا ما حصل مع الفنانة مروة… باختصار أصبحت عروضنا تشبه في صراخها وعويلها الكثير من مسرح العروض المصرية والسورية والخليجية خارج استخدام صوت الجسد الفنان!

الممثلة مروة وقعت في شر ما يعانيه مسرحنا، حاولت الرشاقة في تنقلها، ولكن الصراخ داخل الصوت هو الذي غلب، وكان باستطاعتها أن تقدمه أكثر انسجاماً وتأثيراً وعمقاً، كانت مجرد قوالة. نعم هي ممثلة موهوبة، نعم تمتلك تقنيات لا بأس بها، نعم هي رشيقة ولكن هنا كانت كلاسيكية، نمطية، مباشرة، ورغم جهودها لم نشعر بعمق الأداء إلا في مشهد البنت الجنوبية المخطوبة… هنا الحوار النص البسيط تألق، والأداء تفوق، والرمزية خارج اللغة والحركة المباشرة كانت غاية بالجمال وإيصال الرسالة. فقط كان ينقص استخدام اللهجة الجنوبية المبالغ بها من أجل إسقاط خفة الجو الكوميدي، ومع ذلك هذا المشهد هو المسرحية، وهو المتميز، وقدم فنانة في قالب لافت رغم قصره، وهذا المشهد الوحيد الذي استغل جهة اليمين من المسرح المفتوح!

النص والزخرفة:

النص فيه مبالغات كثيرة في تكرار القصة القضية والمفردات، ومباشر يزعج المتلقي، ولم يعمق المشاهد، وأصاب المتابع بتعب ذهني فهو هنا أمام نص مكتوب في صحيفة اجتماعية لكثرة الإرشاد والتوجيه والمباشرة والتكرار!

الزخرفة التي واكبت النص غناء للفنان خالد العبدالله، والموسيقى، وأصوات دعسات القاضي أضافت جماليات رائعة وتأثيرات خدمت النص تلقائياً، يضاف إليها استخدام الإضاءة التي فرضت علينا أن نشاهد دون أن ننزعج بصرياً، وهذا يحسب إلى المخرج!

مسرحية «هِيِ ونَّهُ» انتهت حينما سقطت ما احاكته الأم من الفضاء، وإقحام المشهد الأخير «تحريك السجن دائرياً» لم يكن في مكانه، ولو وضع داخل المسرحية مع تخفيف حواره وحدّته لكانت النتيجة أفضل!

كما لو عمل المخرج على تحريك جسد الممثلة مع اكتشافها لتزاوج الإحساس مع الحركة والمعنى النصي لكنا اصبنا بدهشة تفرض شبه تكامل العمل، فما وصلنا يعني سرعة في تنفيذ الحركة والأداء الذي اعتمد على الصوت!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى