محمد كريم: «كليتي للبيع مقابل الحصول على فرصة للتعلّم» فوافق بعضهم شرط توصية من أحد النافذين!

تحقيق: نبيل المقدم

منذ ولادته يعاني محمد كريم إبن الستة والعشرين عاماً من مرض نادر في نظره اسمه «ضمور الشبكية». وهذا المرض يزداد كلما تقدّم المريض بالعمر، إذ إنّ الشبكية تبدأ بالتآكل وصولاً الى العمى الكامل. وحتى الآن لا يوجد علاج فعّال لهذا المرض. ليس هذا كلّ شيء إضافة الى ضمور الشبكية فإنّ محمد مصاب أيضاً بمرض آخر هو «العش الليلي»، بحيث إنّ المريض بهذا المرض يفقد القدرة على الرؤية بشكل كامل مع حلول الظلام.

بالرغم من وضعه الصعب لم يستسلم محمد لواقعه فهو أكمل دراسته في «معهد الإمام الهادي للإعاقة السمعية والبصرية»، حيث نال شهادة البكالوريا الفنية في «البيع والعلاقات التجارية». بعد ذلك أكمل دراسته في معهد بئر حسن الفني، حيث نال شهادة الامتياز الفني في الاختصاص نفسه.

ليس هذا كلّ شيء فبعد الشهادة «في البيع والعلاقات التجارية». انتسب محمد الى معهد «الشهيد حسن قصير الفني»، حيث تخرّج حاملاً شهادة في «الإدارة والتسويق».

من جامعة «الآداب والعلوم» اوزال حصل محمد كريم أيضاً على شهادة اختصاص في «إدارة الموارد البشرية». واقع محمد الصعب لم يوقفه عن طلب العلى «فكلما وصلنا الى قمة تراءت لنا قمم». الى كلية الآداب والعلوم في الجامعة اللبنانية الفرع الأول توجّه محمد كريم حاملاً طموحه وشهاداته ورغبته بالتخصص في دراسة علم النفس. هناك كانت الصدمة. بكثير من الاستخفاف وقلة الاكتراث وعدم الشعور بالمسؤولية استقبله المسؤول في أمانة السرّ وبعد أن استمع الى طلبه قال له بجفاء: «دراسة هذا الاختصاص تحتاج الى ستمئة ساعة تدريب فكيف ستقدر على هذا الموضوع وأنت أعمى؟ وكيف ستتنقل بين العيادات ومراكز التدريب وأنت أعمى؟ وهل برأيك مَن يعاني مشكلة نفسية سيقصد شخصاً أعمى للعلاج عنده؟».

وعندما أصرّ محمد على طلبه وعلى حقه بالتسجيل أجابه المسؤول: «هناك امتحان دخول وهيهات أن تنجح». بكثير من الصبر أخذ محمد كلام المسؤول وعندما حاول مناقشته، ضرب الأخير يده على الطاولة وقال بحدّة: «شو ما عندي شغلة غير أقعد اشرحلك».

خرج محمد من إدارة الفرع مصدوماً كيف يعطي هذا المسؤول نفسه حق حرمانه من متابعة دراسته وكيف يسمح لنفسه أن يخاطبه بهذه الطريقة التي تحمل الكثير من الاستخفاف وقلة الاحترام؟

لم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرّض فيها محمد لمحاولة التهميش والاستخفاف. قبل ذلك في معهد بئر حسن الفني وفي امتحانات نهاية السنة، وبينما كان محمد يملي على أحد الأساتذة الأجوبة، وذلك بموجب القانون الذي يفرض تعيين كاتب لمساعدة المكفوفين في نقل الأجوبة الى ورقة الامتحان. توجّه الى أحد المراقبين إلى الأستاذ المكلف بمساعدة محمد قائلاَ: «شخص متل هيدا مش مفترض حدا يساعده». يقول محمد مرّت عليّ لحظات في المعهد كنت أتمنّى فيها الموت» لكثرة ما كنت أسمع من كلام ساخر بحقي أنا وبعض الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة من قبل بعض الطلاب».

جهل المجتمع بأصول التعامل مع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والذي يجب أن يقوم على مبدأ اعتبارهم مواطنين عاديين لهم الحقوق والواجبات نفسها لم يقتصر فقط على المؤسسات التعليمية بل تعدّاه الى الحياة اليومية والعامة.

فقبل فترة من الزمن بينما كان محمد عائداً الى منزله في الضاحية الجنوبية وقع في حفرة متروكة على الطريق من قبل البلدية. لم يتقدّم أحد من المواطنين لمساعدة محمد مع أنّ الوقت كان ظهراً، حيث بقي أكثر من نصف ساعة يحاول الخروج من الحفرة وحده مستعيناً بعصاه.

الى منزله أكمل محمد الطريق سيراً على الأقدام وهو ينزف. حاول إيقاف سيارة أجرة لكن أحداً من السائقين لم يتوقف. بعد هذه الوقعة أصيب محمد بشعر في وركه بقي يعاني منه أكثر من شهر.

أكثر من ذلك في إحدى المرات وبينما كان محمد يتنقل بـ «الفان» من منطقة إلى أخرى، فوجئ بالعناصر الأمنية تقطع الطريق في أحد الشوارع وتطلب من الركاب إكمال طريقهم سيراً على الأقدام، حاول سائق الفان إقناع الشرطي بالسماح له بإكمال الطريق بمحمد وحده نظراً لوضعه فلم يقبل الشرطي المذكور، وقال لسائق الفان «متلو متل غيرو».

اليوم يعيش محمد إبن بلدة «يحمر الشقيف» في الجنوب وحده في منزله في الضاحية الجنوبية ويخدم نفسه بنفسه. والدته وشقيقه الذي هو في مثل وضعه هاجرا إلى كندا حيث يقيم شقيقه الأكبر منذ فترة طويلة. ينتظر محمد أن تكتمل أوراقه ليلحق بعائلته، ولكن الأمر قد يأخذ وقتاً طويلاً. همّه في هذه الفترة أن يكمل تعليمه، بعد أن أقفلت بوجهه أبواب الجامعة اللبنانية حاول التوجه الى الجامعات الخاصة. وهو عرض على صفحته على الفيسبوك أنّ كليته للبيع من أجل تأمين أقساط الجامعة. وعندما قرأ بعض المعنيين بشؤون التربية والتعليم هذ الإعلان أرسلوا وراءه وأعلنوا استعدادهم لمساعدته في مؤسساتهم التعليمية، شرط أن يأتي بتوصية من أحد النافذين. يحزّ في نفس محمد أن يحاول البعض استعماله كمادة لتبادل الخدمات والمنافع، ولكن مع ذلك هو مستعدّ أن يقصد هؤلاء النافذين للحصول على فرصة تعليم. وهو في الوقت نفسه يوجه نداء الى المسؤولين في الجامعة اللبنانية ووزارة التربية للوقوف على ما يجري من ممارسات بحق ذوي الاحتياجات الخاصة داخل الجامعة الرسمية.

فهل من مجيب؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى