المركز الثقافي الإسلامي يكرّم نقيب الصحافة الراحل محمد البعلبكي في ذكراه الثانية سحر البعلبكي: ستبقى المثال الجامع… وقلمك كتب صرخة أوجاعنا حرية وقضية

عبير حمدان

نقيب الصحافة اللبنانية على مدى عقود الراحل محمد البعلبكي، إسم محفور في ذاكرة لبنان والعالم العربي، وهو الذي ترك بصمة في تاريخ الصحافة، ولعب أدواراً مهمة خلال مسيرته، على أكثر من صعيد.

وعلى أمل أن يقيم لبنان تكريماً وطنياً كبيراً للنقيب الراحل، فإنّ أيّ مبادرة تكريمية للراحل الكبير إنما تعبّر عن قيمة هذا الرجل الكبير.

وفي هذا السياق، أقام المركز الثقافي الإسلامي حفلاً تكريمياً في الذكرى الثانية لرحيل النقيب الراحل، رئيس الشرف للمركز في قاعة عدنان القصار – مبنى اتحاد الغرف العربية في بيروت، بحضور رؤساء ووزراء ونواب حاليين وسابقين وشخصيات سياسية وثقافية وأمنية وإعلامية وفاعليات وأصدقاء ورجال دين أضافة إلى رئيس المركز الدكتور وجيه فانوس وعقيلة الراحل سحر البعلبكي.

قدّمت الحفل الإعلامية وداد حجاج، وتحدث رئيس المركز الثقافي الاسلامي الدكتور وجيه فانوس الذي استذكر مراحل الراحل محمد البعلبكي المهنية والاجتماعية، وأكد «ضرورة الاقتداء بنهج الراحل المشجع للحوار والانفتاح».

وكانت كلمات لعدد من الرؤساء والوزراء تحدّثت عن مزايا الراحل ومناقبيته المهنية حيث أنه عُرِف برجل المواقف الحرة الشجاعة الذي لم تتعبه الأيام ولم يتعب منها وبقي واقفاً بثبات حتى الرمق الأخير ولم يساوم يوماً رغم أنه كان معروفاً بدبلوماسيته.

كما تليت برقية من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الذكرى.

الفرزلي

وتخللت الحفل قصيدة شعرية ألقاها نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي جاء فيها:

حزني دفاتر روضٍ… ووعدُ غيمة في رؤى العمر الوريف

آه يا بُعد كم تشعل أرصدة من سهاد..

والذكريات.. تستظلّ مواجع فراق كثيف

وكأني جئت وما برحت في حلم شفيف

ودمعي درة الوجد الرهيف…

سآتيك محمّد البعلبكي أحمل وزري وعذري

فأيّان يهطل حزني زهوراً

ينسج ضوء كلمة.. أنا منها نبضة محتدمة

حروفها في شغاف الصدر تتذخرُ

وبالضياء وشاح الحق تأتزر

نقيب الأريحية، لؤلؤة تاج النبل نظير الصنوبر

في ابان شمخته يصهر الجبل في أوّج منعته

لن تغرب.. في صميم الدهر مرساك

وشمس اللغة يخلبها بهاك

نقيب الأصالة ترف في ربوات العز

تُباهي زهوة القمم.. زاخر الإبداع في الهمم

في السمع وقع صداك، لو به صمم

معك نتوق للكلمة العصماء.. ننشدها

في هيكل لغتك نرصدها، يستوطن العقل رغداً

في خميلتها.. ويستساغ النمير العذب، موردها

محمّد البعلبكي.. هامة كأعمدة بعلبك

يا غُرّةً شمّاء.. رفعة هام الروابي.. لا ادّعاء

يمرُّ كالنهر يحيينا ارتواء.. كالشمس يغمر سمانا بالضياء

محمّد البعلبكي حسبك أنك في أعلى مقام

الثريا والسّهى أعلى سنام

ان تكلمنا عنك فكالبحر الكلام

اسمع همسك هناك في أعلى عليين

تردّد إلى سفر أجيء ولا أروح

أليس بكلّ جارحة ضريح

بقلبي قد وسعت الله حباً

فباركه محمّد والمسيح

وآيسني ببُعد الهجر موت

فآنسني بقرب فيه روح

فرحت مهاجراً جنات نفسي

وفي نيران جنتها اسوح

وما جزعي أنا الياقوت فيها

يجوهرني اللظى أنّى أروح

إذا القرآن أعجزني مداه

ففي نهج البلاغة أستريح

وفي كلّ الحروف لنا تجلى

جلالُ الوحي واتسع الفصيح

اصوغ سفينتي بُعداً تعرى

كما سرُّ السفينة صاغ نوح

افلكها مدارات الثريا

وتحملني مع الأشواق ريح

إذا غاصت إلى الأعماق نفسي

اقلتني إلى الآفاق روح

وتفنى الذات في ذات تراءت

ويرفلُ بالسنا الصقر الصدوح

سحر البعلبكي: نصير النساء ومدافع عن الحرية والرأي

كلمة العائلة ألقتها سحر البعلبكي وقالت فيها: «لك مني يا سيدي ألف تحية وسلام،

يا من بعثك الكريم لي من الغيوم وجعلك بقدرته رسوله إلى حياتي.. يا من مددت لي يدك العطوفة وأخذت بيدي.. وتحدّيت كلّ الظروف والتقاليد والأعمار والبشر.. وجعلتني رفيقة لدربك الجميل..

بكرمك سيدي منحتني اسمك الكبير.. وحبك العظيم الراقي وحملتني على كفيك المباركتين وطفت بي بين الكبار.. وبين البلاد والبشر.. علقتني كالوردة الحمراء على صدرك الواسع، وتباهيت بي أمام الملأ فكم أنت كبير أيها الكبير.

كتبت لك رسالتي هذه يوم ذكرى إعلان دولة لبنان الكبير.. يومها.. كنت واقفاً كبيراً بين الكبار.. شامخاً كشموخ الأرز.. معتزاً بأنك من عمر الوطن.. لقد ولدت بمولد الوطن.. وولد الوطن بك.. ولدتما معاً ونشأتما معاً.. كنت وبإصرار عنيد تأبى إلا أن تكون عموداً صلباً يحمي الوطن ويحافظ عليه ويرمي بنفسه بقلب النار، أيام لبنان العصبية، لينتشل أبناءه من الجهل والتطرف والعصبية.. تركض من هنا إلى هناك بين الألغام، لتوفق بين أبناء الوطن، وتأبى الاستسلام.. وكيف لا.. ولبنان رفيقك الذي تعشق..؟

يمدحونك كثيرا سيدي.. يقولون فيك أجمل الكلام والعبارات. تعشقك النساء وكيف لا وأنت نصيرهن.. يفتحون بوجهك كلّ الأبواب مرحبين فخورين.. ينتظرون وقوفك على المنبر متشوّقين ملهوفين.. توّجوك ملكاً على رأس الصحافة مسرورين.. نقيباً للصحافة اللبنانية لثلاثة وثلاثين سنة، بالانتخاب والإجماع وبالمحبة طائعين، يلجأون إليك في أصعب الظروف والمواقف لأنهم يعلمون لمن يلجأون، إلى الكبير الكبير.

آه سيدي كم أشعر بخجل وبأني مهما حاولت أن أعبّر.. صغيرة بحبي وعطائي وتقديري أمامك أيها الكبير… أشعر بخجل أمام كبر عظمتك وعطائك وكيف لا؟ وأنت الكبير وأنت بعمر الوطن…

يا من كنت الزوج والحبيب والصديق، الذي عمل بحق بقوله تعالى: «وجعلنا بينكم مودة ورحمة». وكنت لي ولأبنائنا الأب العطوف الذي غمرنا بعطفه وبكرمه اللامتناهي.. يا من كنت الصديق الصدوق لكلّ من عرفك.. يا من كنت النقيب الذي جعل وبجدارة نقابة الصحافة تشمخ عالياً كأرز لبنان.. إنْ من حيث مبنى النقابة الذي أنجزته وأصرّيت ان تكون من أهمّ النقابات اعلاءً لشأن الصحافة.. وإنْ من حيث الإنجازات الكبيرة والعديدة التي بجهدك وصدقك وإخلاصك أنجزتها.. والتي تحفظ حقوق الصحافة والصحافيين.. وانْ من حيث دفاعك الدائم عن الحرية بشكل عام، وعن حرية الصحافة وحرية الرأي والكلمة.. وقد منحت وبجدارة لقب «حامي الحريات».

يا من تواجهنا كلماتك ضاحكة.. صارمة.. مدوّية كقنابل إعلامية.. تخرج صرختك من حناجرها.. يا من كتب قلمك صرخة أوجاعنا.. يا من رسالتك عنفوان، حرية وقضية.. يا من كنت قائداً يصرخ بقلمه وبأعلى المنابر بوجهه المهيمنة الصهيونية.. ليبلسم جراح القضية الفلسطينية.. يا من مسرح ساحاتك النضالية.. تهتف من على منابرها.. «نضال.. تحرير.. حرية» وقد منحت وبجدارك لقب «سيد المنابر».

يا من امتدحك الشاعر الكبير خليل برهومي حيث قال فيك:

أنقيب.. لم تعرف صحافتنا يداً بيضاء مثل يديك ولا عرفت أباً.. أعليت شأن الحرف في وطني وقد صارت نقابتنا من عهد صرحاً هي منبر حرٌ ومسؤول معاً.. في ظلك الميمون تبقى في صباً.. دوماً تحلق في العلاء لأنك عرفتك منذ اتخذت هذا المنصب.. صارت صحافتنا بعهدك قلعة شمّاء تشمخ في الجبال وفي الربى.. سيسجل التاريخ اسمك ناصعاً، بين الرجال الخالدين مذهباً..

أيا نقيب اليوم بعد كلّ هذا رحلت.. سلمت الأمانة ورحلت.. أيّ نوع هو هذا الرحيل..؟ سنتان مرّتا على رحيلك ولم ترحل أبداً.. سنتان مرّتا.. ولم يمرّ يوم واحد ولم تكن فيه أنت الحاضر الأكبر..

بكلّ جلساتنا.. بكلّ لقاءاتنا.. بكلّ حواراتنا.. أنت الحاضر وبك وعنك يكون أجمل وأرقى الكلام.

يا نقيب.. اليوم أعاتبك، بقلبي الحزين وعيوني الباكية. وأقول لك اهكذا..؟ أهكذا يا نقيبنا وبغير استئذان تتركنا وترحل..؟ في هذا المدى الواسع.. رحلت كالنسمة الناعمة ولم تترك وراءك سوى العبير الطيب وقلبي الحزين.لا.. لا.. يا رفيق عمري.. أنت لست براحل أبدا..

أنت ها هنا.. جالس أمامي تبارك هذا اللقاء.. بوجهك المنير وضحكتك الجميلة وبروحك التي ترفرف حولنا.. تنظر إلينا بفرح وتدفق علينا بمحبتك… وها هم أصدقاؤنا وأحباؤنا الأوفياء قد جاؤوا بشوق إليك، مجتمعين على محبتك.

أيا نقيبنا اشتقنا إليك.. واشتقت لك كثيراً.. ونفتقدك بكلّ الأمور والمحطات.. أينما أنت الآن.. فإني أراك جالساً بأناقتك ولياقتك ولطفك.. محاطاً بأروع الورود والأزهار.. بجنتك حيث أنت الآن.

رجاء يا حبيبنا إبقِ نظرك علينا، أحطنا بمحبتك، وظللنا بروحك الطاهرة.. لتزرع فينا الأمل والمحبة كما عهدناك دائماً..

ونحن يا حبيبنا نعدك أننا سنبقى لك ولنهجك ولعطاءك أوفياء.

دمتم وعشتم وعاش لبنان سيداً حرّاً مستقلاً.. يشمخ ويفتخر برجالاته الكبار.

وعلى هامش التكريم قالت سحر البعلبكي لـ»البناء»: «في ذكراه الثانية أقول للنقيب محمد البعلبكي أنه لم يغب طالما حضر كلّ هؤلاءالمحبّين على اختلاف قناعاتهم وتوجهاتهم، وذكراه باقية في قلوبنا وعقولنا، وستبقى لأنه المثال الذي يُحتذى به على الدوام، محمد البعلبكي الجامع لكلّ الأطراف والأطياف».

أضافت: «أقول له اليوم أنّ الوسط الإعلامي بألف خير بوجود أناس مخلصين في أدائهم وعطائهم سيبقى إعلامنا بخير على الدوام، والنقيب سيبقى في قلوبنا وعقولنا وسنبقى دائما أوفياء له».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى