ترامب يوسّط الرئيس السويسري مع إيران… وبومبيو يستنجد بمسقط مع أنصار الله «القومي» يذكّر بالثلاثية الذهبية في ذكرى 17 أيار… والحكومة للموازنة اليوم بعد وداع صفير

كتب المحرّر السياسي

سقط العشرات في صنعاء بالغارات السعودية الإماراتية التي استهدفت المباني المدنية انتقاماً من الغارات التي شنتها طائرات بدون طيار على المنشآت النفطية السعودية، والاتهامات الإماراتية لأنصار الله بالوقوف وراء استهداف السفن الأربع في ميناء الفجيرة، في ظل معلومات عن استهداف طائرة يمنية مسيرة للجناح العسكري في مطار دبي وإصابة طائرة استطلاع على إحدى مدرجاته ومقتل من فيها. وبدا أمس أن حكومات الخليج تريد رفع منسوب التصعيد ببياناتها وتحركاتها التي ركزت على اعتبار إيران مسؤولة عما تعرضت له منشآتها النفطية داعية لمعاقبتها على أفعالها، بصورة لم تخل من الغمز من قناة الصمت الأميركي على ألسنة المسؤولين الخليجيين وتعليقات الصحف ووسائل الإعلام.

أميركياً، بدت الوجهة معاكسة. فالسير نحو التهدئة طغى على الخطاب التصعيدي في مواقف المسؤولين الأميركيين، وكشفت المعلومات الرسمية الصادرة عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية، عن اتصال أجراه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس السويسري الذي تتولى حكومته رعاية المصالح الأميركية في إيران عبر سفارتها في طهران، والاتصال محوره التهدئة مع إيران وإيصال رسالة رسمية بهذا المضمون، الذي نقلته الصحف الأميركية على لسان ترامب تحت عنوان لا نريد حرباً مع إيران في إطار كشفها لمضمون المحادثات التي أجراها ترامب مع قيادات عسكرية في وزارة الدفاع الأميركية، بينما أجرى وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو بالتوازي اتصالاً بسلطان عمان قابوس بن سعيد في سياق السعي للتهدئة مع أنصار الله، الذين تولت مسقط مراراً تنظيم مفاوضات بينهم وبين الأميركيين.

في طهران كانت الاستعدادات للمواجهة عنوان الخطاب الإيراني، على قاعدة رفض أي حوار مع واشنطن، كما صرّح وزير الخارجية محمد جواد ظريف، بينما اعتبر قائد الحرس الثوري حسين سلامي أن المواجهة الكبرى مقبلة وأن الحرس جاهز لتلقين العدو الأميركي الصهيوني درساً تاريخياً لن ينساه.

لبنانياً، تعود الحكومة اليوم لاجتماعاتها المخصصة لمناقشة الموازنة بعد عطلة الحداد لوداع البطريرك نصرالله صفير، ولا تزال شروط من يبدأ أولاً تحكم الكثير من بنود الموازنة وجدول أعمال النقاش، فالمصارف تتريث بانتظار أن تبدأ الحكومة أولاً بالرواتب والتعويضات، والنقابات تنتظر ما ستفعله الحكومة لوقف الهدر والفساد وما ستفرضه من ضرائب ومساهمات على الشركات الكبرى وفي طليعتها المصارف لقبول المناقشة في بعض التقديمات من مكتسبات الموظفين، وبين الوزارات بقيت المعادلة ذاتها من يبدأ اولاً. وهذا هو الحال بين وزارتي الدفاع والداخلية، فيما أكد وزير المال علي حسن خليل أن وزارته تنتهي من أرقام الصيغ التي أقرت في الموازنة متحدثاً عن تخفيض هام في نسبة العجز دون الحديث عن أرقام ونسب مئوية.

لبنانياً، ايضاً استعداد لترجمة التفاهم الذي تم مع المبعوث الأميركي ديفيد ساترفيلد، حول ترسيم الحدود بتفاوض غير مباشر ترعاه الأمم المتحدة كترجمة للتصور اللبناني الذي رفضه الأميركيون شهوراً وعادوا لقبوله بعدما تبين لقادة كيان الاحتلال ومعهم القيادات الأميركية صعوبة إقناع الشركات العالمية بما فيها الأميركية بالبدء بالتنقيب واستثمار مشاريع النفط والغاز بحراً، بغياب اتفاق نهائي مع لبنان يضمن عدم اندلاع نزاع بات معلوماً أن المقاومة ستكون حاضرة فيه باستهداف المنشآت الخاصة بكيان الاحتلال والشركات التي تعمل لحسابه، لتنتج معادلة الردع مرة أخرى الحماية التي يحتاجها لبنان، في ظل معادلة الشعب والجيش والمقاومة. وهذه المعادلة الذهبية التي يتنكر لها الكثيرون ويتجاهلون في حديثهم عن الإنجاز الدبلوماسي الجديد دورها في صناعته، كانت موضع تذكير من الحزب السوري القومي الاجتماعي في ذكرى اتفاق السابع عشر من ايار عام 1983 باعتبارها الاستراتيجية الدفاعية والدبلوماسية التي أثبتت قدرتها على حماية لبنان وتحرير أرضه.

أكد عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي معن حمية أنّ لبنان يمتلك كلّ عناصر القوة التي تمكّنه من ردع أيّ عدوان يتعرّض له. وهو قادر على رسم المعادلات وفرضها، بعدما تكرّست ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة وباتت معادلة ثابتة وراسخة.

واعتبر عميد الإعلام، في تصريح له بمناسبة الذكرى الـ 36 لاتفاق 17 أيار أنّ توقيع الاتفاق من قبل الطغمة اللبنانية الحاكمة حينذاك، شكل طعنة في الصميم لهوية لبنان وانتمائه، ومسّاً بكرامة اللبنانيين وحريتهم، ولذلك لم يكن من خيار، إلا رفض هذا الاتفاق ومقاومته حتى إسقاطه. وبالإرادة والثبات والمقاومة سقط الاتفاق، ومن ثم سقط الاحتلال واندحر وسقط العملاء، وسقطت مشاريع التقسيم والتفتيت والدويلات الطائفية والمذهبية.

وشدّد حمية على ضرورة عدم التعامل مع لبنان على أنه بلد ضعيف تفرض عليه الإملاءات والشروط، وبمناسبة زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد إلى لبنان، ندعو الولايات المتحدة الأميركية إلى أن تتوقّف عن إيفاد المسؤولين للتدخل في شؤون لبنان الداخلية، والتواطؤ مع العدو بما خصّ النقاط البرية أو البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة.

ولفت الى أنّ لبنان مصمّم على أخذ كلّ حقوقه، مصمّم على استخراج النفط والغاز من حقوله، مصمّم على تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر، مصمّم على حماية سيادته، وباختصار فإنّ لبنان مصمّم على التمسك بمعادلته الذهبية، معادلة الجيش والشعب والمقاومة.

وختم عميد الإعلام قائلاً: اتفاق العار في 17 أيار 1983 سقط، ومعه سقطت كلّ رهانات وأوهام ومشاريع التآمر والخيانة والاستسلام، وحذار من أن يجدّد البعض تحت عناوين السيادة الوهمية الرهانات على مشاريع سقطت وتقهقرت.

محاولات أميركية لتحييد حزب الله!

فرضت مراسم وداع البطريرك الماروني السابق مار نصرالله بطرس صفير الى مثواه الأخير والحداد العام، تجميد الحركة السياسية والحكومية على أن يعود النشاط الحكومي الى طبيعته اليوم، حيث يواصل مجلس الوزراء مناقشة مشروع الموازنة في جلسة يعقدها بعد الظهر في السرايا الحكومي.

إلا أن رياح التطورات على الساحة الاقليمية بدأت تلفح الداخل، في ظل التصعيد بين المحور الاميركي الخليجي الإسرائيلي من جهة ومحور إيران سورية وحزب الله وشعوب وحركات المقاومة في المنطقة من جهة ثانية، وكان لافتاً توقيت إصدار السلطات الإماراتية أحكاماً قضائية ضد رعايا لبنانيين في الإمارات ادعت أنهم يعملون لمصلحة حزب الله، جاء بعد أيام على استهداف ناقلات النفط في الخليج، ما يوحي بأن تداعيات الصراع الإقليمي ستنعكس على لبنان بشكل أو بآخر. فحزب الله كما تقول مصادر مطلعة لـ»البناء» جزء من محور المقاومة الذي قرّر ألا يواجه الهجمة الاميركية الاسرائيلية عليه بالمفرق بل سيواجه كجبهة ومحور متكامل، إلا أن المصادر لاحظت محاولات أميركية خبيثة لتحييد حلفاء إيران وتحديداً حزب الله عن ساحة المواجهة لاستهداف إيران والاستفراد بها. وفي سياق هذا التوقيت والأهداف جاءت زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركية دايفيد ساترفيلد حاملاً عرضاً تسووياً للحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة بهدف نزع ذريعة تحرير الأرض المحتلة من يد حزب الله وتقويض حركته العسكرية على الحدود الى درجة شلّ قدرته على مهاجمة «إسرائيل» عندما تحين لحظة استهداف إيران عسكرياً لا سيما مع اعتماد الحكومة اللبنانية سياسة النأي بالنفس والحياد عن الصراع الاقليمي، إلا أن المصادر لفتت الى أن «حزب الله يعرف كيف يتعامل مع الوضع بما يتناسب مع خطورة ودقة الواقع ووحدة محور المقاومة». وفي هذا السياق تُحذر المصادر من أن «يكون هدف العرض الاميركي مجرد مناورة لتمرير الوقت لتحقيق أهداف إقليمية تتعلق بالسياسة الاميركية وضرب إيران وصفقة القرن». وعن العرض التفاوضي الأميركي في ما خصّ الحدود البحرية والبرية الجنوبية، أوضحت أن «الإشكالية هي في آليات التفاوض أي أن هناك ثغرات تتعلق بنقطة البدء بالتفاوض، فهل ستقبل إسرائيل بأن يبدأ الترسيم من نقطة «ب1»؟ وبالتالي اذا وافقت هل ستعود الى الخلف 25 متراً؟». ومن المتوقع أن يعود ساترفيلد الموجود في «إسرائيل» الى لبنان حاملاً الرد الاسرائيلي على العرض الاميركي والمقترحات اللبنانية.

وفي سياق ذلك، أوضح مستشار رئيس مجلس النواب نبيه بري ، علي حمدان ، في تصريح تلفزيوني، إلى أنّ «مع وصول ساترفيلد إلى لبنان ، ووجه بالموقف اللبناني الموحّد، وهذا يسهّل الأمر لكلّ مفاوض». وركّز على أنّ «الموقف يشكّل عملية رصّ صفوف، لتبديد الفرصة على أي تفريط بالثروة اللبنانية».

ونوّه حمدان، إلى «أنّنا في المسار الصحيح للمصلحة الوطكنية العليا، ولحماية المصالح الوطنية، وهناك انتظار لعودة المفاوض ساترفيلد لنرى ما سيحمله معه من الجانب الآخر». وبيّن أنّ «الأمر متروك للتنسيق بين المفاوض والمسهّل والمشرف على المفاوضات، أي الأمم المتحدة ، لدعوة الجهات للمفاوضات».

خليل: حققنا خفضاً كبيراً بنسبة العجز

وعلى وقع الغليان الإقليمي، يستأنف مجلس الوزراء اليوم مناقشة الموازنة ومن المتوقع أن يقدم وزير المال علي حسن خليل الأرقام النهائية للموازنة ونسب التخفيضات للعجز اضافة الى مناقشة بعض البنود والاقتراحات التي قدمها الوزراء في جلسة الاربعاء الماضي لا سيما مقترحات وزير الخارجية جبران باسيل، في حين شكلت العطلة الرسمية فرصة للوزراء للراحة ومتسعاً من الوقت لوزير المال لإجراء مراجعة أخيرة لأرقام الموازنة في وزارة المال. ونشر خليل صورة على تويتر مع فريق عمل وزارة المالية. وعلّق عليها بالقول: «مراجعة أخيرة لأرقام الموازنة مع فريق عمل الوزارة اليوم، لإنجازها قبل جلسة الغد». ولاحقاً، أعلن خليل أن «مشروع الموازنة طبع في وزارة المال بعدما ادخلت عليه التعديلات»، وقال: «حققنا خفضاً كبيراً جداً في نسبة العجز ولن ادخل الآن في الأرقام». ورأى أن «اللقاء مع حاكم مصرف لبنان كان جيداً»، وأشار إلى أن «لا مشكلة في كل المستحقات وستدفع كاملة في وقتها».

وتوقعت مصادر «البناء» أن تستمر المناقشات في مجلس الوزراء الى الأسبوع المقبل على أن يحيلها الى المجلس النيابي منتصف الأسبوع المقبل، إلا أن إشكاليتين تواجهان الحكومة بحسب مصادر نيابية: الأولى استمرارية إنفاق الحكومة على القاعدة الاثنتي عشرية مع نهاية اجازة المجلس للحكومة بهذا الإنفاق في 31 الحالي، ما يتطلب من الحكومة العودة الى المجلس للإجازة لها بقانون للاستمرار بالإنفاق. والثانية تتمثل بإرفاق قانون الموازنة بقطع الحساب، وقد أشار رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان الى ان «ارسال موازنة من دون قطع حساب لا يمر دستورياً». وأضاف في حديث تلفزيوني، «إذا كانوا سيتأخرون بعد بإرسالها أقول لهم «لا تتعذبوا»، لافتاً إلى انه «المهم ان تصل ونحن وضعنا توصيات لم يؤخذ بها». وقال: «سأحاول ان لا يأخذ درس الموازنة أكثر من شهر في اللجنة، لكن لا أعد أحداً بالانتهاء منها بهذا الوقت وكان من المفترض ان ترسل لنا منذ تشرين الاول».

ووفق معلومات «البناء» فإن «فريق رئيس الحكومة سعد الحريري لا يزال يرفض المسّ بمكتسبات المصارف والشركات الكبرى ومصرف لبنان والمؤسسات المستقلة كأوجيرو والمرفأ قبل إجراء التخفيضات اللازمة من موازنات الوزارات ورواتب وتقديمات وتعويضات الموظفين». وأوضحت مصادر وزارية لـ»البناء» أن «الحكومة تدور في حلقة مفرغة وكل التخفيضات حتى الآن لن يكون لها جدوى ما لم تلِج الحكومة مزاريب الهدر ومكامن التهرب الضريبي والجمركي والأملاك البحرية والنهرية غيرها من الأماكن التي تُدِر الاموال الكبيرة الى الخزينة العامة إذا ما اُعِيد تنظيمها وضبطها».

ورأى الحريري أن «أمامنا فرصة لن أضيعها ومن يريد إضاعتها فليتحمل المسؤولية»، وشدد على أنه «من دون إصلاحات جدية لا تصحيح ولا فرص عمل ويجب علينا كلنا العمل لتجاوز الأزمة الاقتصادية».

وأشار الحريري خلال إفطار في بيروت إلى أن «الأمور صعبة وبعد إقرار الموازنة سنصل إلى وضع أحسن بعد تطبيق «سيدر»، ولفت إلى أنه «هناك تهويل في البلد والليرة بخير بوجود حاكم مصرف لبنان رياض سلامة». وأكد أن «سعد الحريري وحده لا يقدر أن يقوم بالبلد»، وقال: «هذه الحكومة كما وعدت ستكون حكومة إلى العمل ونحن سنذهب إلى العمل».

في المقابل علمت «البناء» أن «أكثر من قطاع وظيفي ونقابي يستعد للإضراب المفتوح والتحرك في الشارع فور إقرار الموازنة في الحكومة وسط حديث عن توجه حكومي للمسّ برواتب ومخصصات وتعويضات وتقديمات موظفي القطاع العام»، وأعلنت رابطة موظفي الإدارة العامة الإضراب العام اليوم في كافة الإدارات العامة تعبيراً عن رفضها لسياسة قضم الحقوق، وإدانتها لأي إجراء يرمي لتحميل الموظفين ومحدودي الدخل جريرة السياسات الخاطئة التي كانت السبب في هدر أموال الخزينة»، داعية الحكومة إلى «مقاربة أي إصلاح حقيقي بعيداً من لقمة الفقراء، وعبر إقفال مزاريب الهدر، محاربة الفساد، وتعزيز الإدارة العامة وتفعيلها بدلاً من ضربها والمساس بحقوق موظفيها».

كما أعلنت «أنها ستواكب ما يصدر عن مجلس الوزراء في جلسة اليوم وعليه يصدر قرار تصعيد التحركات وصولاً الى الإضراب المفتوح. ايها الموظفون في الإدارات العامة حقوقكم ومستحقاتهم الأدنى بين أقرانها كونوا على الاستعداد للمواجهة في الدفاع عنها».

الى ذلك أقيمت أمس، مراسم صلاة دفن البطريرك صفير بحضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة سعد الحريري وحشد سياسي وحزبي ودبلوماسي وروحي واسع، وترأس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الصلاة، حيث أكد في كلمته أن «الكل يجمع على أن صفير «خسارة وطنية» ورأوا فيه بطريرك الاستقلال الثاني، والبطريرك الذي من حديد وقُدّ من صخر، وبطريرك المصالحة الوطنية، والبطريرك الذي لا يتكرر، المناضل والمقاوم من دون سلاح وسيف وصاروخ، وصمام الأمان لبقاء الوطن، وضمانة لاستمرار الشعب».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى