واشنطن… تباين الخيارات الاستراتيجية!

فاديا مطر

لا يزال الأميركيون منتظرون أمام رقم هاتفهم الساخن الذي أعلنت بعض الأوساط المخابراتية بأنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب سرّبه للإيرانيين عبر سويسرا، والتي بدورها لم تسرّبه الى طهران، فعلى الطريقة الأميركية «الغاية تبرّر الوسيلة» كانت سردية انتظار الردّ الإيراني للتفاوض تقبع في الأذهان فقط، في مقابل التباينات التي تطرح نفسها في سياسة الإدارة الأميركية، والتي تمتزج بالفشل الواضح في أغلب استراتيجيات واشنطن عبر الإقليم، فالجدل الواضح بين ترامب ووكالة الاستخبارات المركزية لديه بات يزيد حجم تباينات الداخل الأمنية والحزبية في قضايا قدّمها ترامب لواجهة سياساته المعلنة، فليست إيران أوّلها وليس آخرها كوريا وسورية وروسيا والصين، لا بل اتهام ترامب لتقارير «سي أي آي» منذ 30 كانون الثاني/ يناير المنصرم بأنها «ساذجة» توضح حجم التباين الداخلي في أروقة المعلن وغير المعلن، وهي بذلك تبيّن حجم الفوارق الاستراتيجية التي رافقت سياسات ترامب منذ لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ في حزيران الماضي في سنغافورة لبحث نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، وعرض مدير الاستخبارات الوطنية دين كوتس لتقارير تقييم الخطر النووي على المستوى العالمي أمام مجلس الشيوخ، واستبعاد أن تتخلى كوريا الشمالية عن قدراتها النووية، فالمشهد طبع نفسه على العلاقة مع إيران أيضاً بعد التوترات الأخيرة في منطقة الخليج، والتي تتباين مضامينه منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الموقع في العام 2015 مع إيران، والهدف الأميركي المتباين مع الاستعراضات العسكرية الأخيرة في التهدئة مقابل الخوف المتنامي في سوق النفط والخوف من المعادلة الإيرانية في وضع قدرتها التجارية النفطية مقابل استقرار السوق العالمي للنفط، وهو ما جاء به وزير الخارجية الأميركي بومبيو إلى بروكسل في 13/ آيار الجاري تحت عنوان «مسائل ملحة».

ظاهر الزيارة كان اللقاء مع وزراء خارجية الدول الموقعة على الاتفاق النووي، أما الباطن فكان لقاؤه مع قادة «الحلف الإطلسي» قبيل الذهاب الى «سوتشي» للقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فهي محادثات ترسم الخوف الأميركي من تفشي التباينات ما بين البيت الأبيض والبنتاغون والمخابرات الأميركية، والتي صرّح بعض مسؤولي الحزب الديمقراطي بضرورة القراءة التدقيقية لتقارير «سي أي آي» التي كشفت عن صور استخباراتية فضائية لزوارق إيرانية مزوّدة بصواريخ مجهّزة جعلت التصعيد الأميركي على غرار تقارير كولن باول قبل الحرب على العراق، وهو ما يجعل التصعيد الأميركي ممزوجاً بالعودة عن التلويح بالخيار العسكري، بل الاكتفاء بإثبات الوجود عبر بعض الصواريخ التي أطلقتها تل أبيب باتجاه الجنوب الغربي لدمشق والتي تصدّت لأغلبها الدفاعات السورية التقليدية والتي تنمّ عن لفت نظر عن الفشل الأميركي و«الإسرائيلي» في إدلب والخليج ومجلس الأمن الذي عجز عن توفير الحماية للمجموعات الإرهابية في الشمال السوري، وهو مضاف الى باقي التلويح الحذر الذي دفع الرئيس ترامب الى إعلام وزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان بأنه لا يريد الحرب مع إيران، رغم الدفع المتكرّر من مستشار الأمن القومي جون بولتون لتعزيز خيارات المواجهة مع طهران والتي أبدى منها ترامب استياء من مناخاتها، فالتباين المتكرّس في شقوق الإدارة الأميركية بات عنواناً لأغلب الاستراتيجيات المعلنة والمضمونة، وهو يتزايد مع التحذير الأوروبي من مغبة إضافة توترات تودي بالمنطقة الى جحيم مستعر لا تستطيع واشنطن تحمّل تكلفته ولا حتى أوروبا، في مقابل تحركات تلقي بها الاستخبارات الأميركية في وسادة نوم ترامب القلق، مقابل المهلة الإيرانية التي تمرّ بسرعة والتلويح الإيراني بخطوات أكثر تقدّماً في الملف النووي، فالتنافر حالياً سيد الموقف الداخلي الأميركي والذي حاول ترامب إخفاء مكنوناته الواضحة بسروره من فريقه الاستشاري والوزاري والأمني في الأداء الحاصل في كلّ الملفات، لكن الخيارات تستبق المخطط لها إنْ كان في منطقة الخليج أو الشمال السوري أو ملف إيران والبحث الأميركي عن وساطة تبرّد حرارة التصعيد وترضي رغبات الحلفاء في شكل لا تظهر فيه تباينات الداخل الباحث عن أرقام هواتف ربما تقبل بها طهران!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى