هل يُجابهُ لبنان الرسمي ما يخصّهُ في صفقة القرن؟

د. وفيق إبراهيم

أصبح واضحاً أنّ القمم الخليجية والعربية والبحرينية التي تلتئم أواخر الشهرين الحالي والمقبل ترمي الى تنفيذ صفقة القرن، لإلغاء القضية الفلسطينية وتوطين الفلسطينيين في بلدان النزوح وإنشاء حلف عربي إسرائيلي أميركي له غايات إقليمية وأممية.

لبنان واحد من البلدان المتضرّرة لوجود اصرار أميركي سعودي إسرائيلي على توطين الفلسطينيين اللاجئين اليه منذ 1948 في اراضيه مقابل تعويض مادي.

لكن الديموغرافيا اللبنانية بالمقارنة مع مساحته الضيقة لم تعد تسمح بأي استيعاب سكاني جديد، والدليل أنّ لبنان هو الأول في الكثافة السكانية ليس عربياً فقط بل على المستوى العالمي، وليس لديه موارد كافية حتى لتأمين احتياجات اللبنانيين، فكيف الحال مع 500 ألف فلسطيني ونحو مليوني سوري يقيمون حالياً في ربوعه؟

هناك نقطة إضافية مرتبطة بالنشأة التاريخية الطائفية للبنان التي تشكلت على أساس توازنات مذهبية، ومع تجنيس أعداد اضافية من الفلسطينيين «المسلمين» قد يتدنّى عندها عدد المسيحيين الى اقل من عشرة في المئة من السكان، فيخسرون أهميتهم السياسية على قاعدة أنهم المسيحيون الوحيدون في الشرق والعالم الإسلامي الذين يؤدون دوراً سياسياً اساسياً.

هذا جانب هامشي من المشكلة أما عمقها الإضافي فسببه عائد الى القوى السياسية اللبنانية التي تتمتع بتغطيات أميركية وسعودية، وبعضها له تاريخ في العلاقات مع «إسرائيل» وجد أنّ توطين الفلسطينيين في لبنان هو مشروع أميركي سعودي إسرائيلي.

أيّ القوى العالمية والعربية نفسها التي يرتبط بها كلّ من الحزب التقدمي الاشتراكي واحزاب المستقبل والقوات اللبنانية والكتائب.

ما أصاب هذه القوى المحلية بإشكالية بنيوية سببها أنها ترفض توطين الفلسطينيين كما تأبى التمسك بالنازحين السوريين، لكنها تجد نفسها في هذين الموضوعين على نقيض مع تحالفاتها الأميركية والسعودية، فلا تعرف ماذا تفعل، فتذهب للتعمية على ضبابية مواقفها، بتسديد اتهامات تحشيدية وإعلامية «للمشروع الإيراني الفارسيّ المجوسيّ».

أيّ تماماً كما فعل «القائد» أحمد الحريري الذي استمع الى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يسخر من الملك السعودي سلمان وولي عهده محمد وبدلاً من أن يردّ عليه آثر شنّ هجوم على إيران وأدواتها في المنطقة.

كذلك فإنّ الكنيسة التاريخية المارونية التي تعتقد أنّ علاقاتها بالغرب هي التي أدّت الى تأسيس دولة لبنان، تقف بدورها اليوم امام مفترق خطير جداً يتعلق بالمستقبل السياسي للمسيحيين في لبنان في ضوء الاتجاه الأميركي السعودي الى توطين الفلسطينيين فيه والتمسك ببقاء السوريين وحتى إشعار آخر.

للتوضيح فإنّ أسباب هذه الإشكالية العميقة ترجع الى التماهي الكامل والكلي لسياسات احزاب «القوات» و»المستقبل» والتقدمي الاشتراكي والكتائب والأحرار، والكنيسة خصوصاً في مرحلة الراحل الكاردينال صفير مع السياسات الأميركية والسعودية الى درجة انّ فرنسا التي كانت تتمتع بعلاقات عميقة مع الكنيسة المارونية اختفت تماماً.

فكيف يستطيعُ قائد القوات سمير جعجع ان يبرّر لجمهوره رفضه توطين الفلسطينيين في لبنان بينما حزبه هو الحليف التاريخي للجهات الإقليمية والدولية التي أنتجت التوطين وترعى تطبيقه؟

هذه التساؤلات نفسها تنطبق على وليد جنبلاط وحزبه الاشتراكي وأيضاً على تيار المستقبل الحريري المؤيد بشكل كامل للسياسات السعودية، فكيف يمكن لرئيس الحكومة سعد الحريري أن يعارض التوطين فيما تغطيته السعودية هي من تروّج للتوطين وتعمل على تطبيقه وذلك برعايتها للقمم الثلاث الخليجية والعربية والبحرينية؟

وهذا أيضاً برسم الكتائب والأحرار.

انّ سبب هذا التخصيص مردّه الى أنّ «لبنان الرسمي» ليس وليد انتخابات ناتجة من نظام أكثري وطني، بل ينبثق من تفاهمات طوائفية تقسمُ السلطات الأساسية والتشريعية والإدارية والعسكريّة والقضائيّة بين مذاهب وطوائف.

فتُنتِجُ هذه التحاصصات دولة طوائفية تأخذ شكلاً رسمياً لكنها تحفظ مصالح طوائفها أكثر من اهتمامها بالوطن.

وهذا النظام مرتبط أيضاً بقوى إقليمية ودولية تتجاذبه فيرتهن لها ويعتمدها مظلة لتوفير حماية داخلية وخارجية له، لذلك فإنّ كلّ جزء من لبنان الرسمي مرتبط بحماياته الخارجية أولاً وأخيراً.

وهذا يعني أنّ صدور قرار لبناني رسمي في موضوع التوطين مرتبط بمصالح قوى المذاهب في الداخل وحماتها في الخارج ما يدفع الى التساؤل كيف يمكن لأحزاب المستقبل والاشتراكي والقوات والكتائب والأحرار أخذ مواقف ضدّ توطين الفلسطينيين في لبنان فيما حماتها في الخارج هي التي تعمل على تطبيقه في لبنان والأردن ومصر؟

لذلك فمن المحتمل أن تقف هذه القوى الداخلية في وجه التوطين في لبنان على المستوى الشكلي من دون ان تأخذ مواقف علنية ترسلها الى أحلافها في السعودية والغرب وتعلمها فيها أن لبنان لن يقبل بأي توطين على أرضه حتى لو اقتضى منها الانفصال عن السياسات السعودية والأميركية، فهل هذا ممكن؟

ألا تستطيع تيارات الكنيسة والقوات والكتائب التوجّه الى الفاتيكان لتحريكه في وجه التوطين؟

المطلوب إذاً تمتين الموقف اللبناني في وجه تداعيات صفقة القرن. وهذا يتطلب تحالف القوى اللبنانية بكاملها وانفتاحها على سورية والمنظمات الفلسطينية لتشكيل ميزان قوى يحمي المنطقة بأسرها وعلى رأسها لبنان من صفقة الشيطان وتحالفاته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى