الموازنة خطوة في الاتجاه الصحيح

البروفسور فريد البستاني

مع كلمات رئيس الجمهورية وملاحظاته حول الموازنة، ودعوته للبدء بالإعداد لموازنة العام 2020 وتضمينها ما فات موازنة العام 2019 من فرص وإجراءات إصلاحية، أصبح مشروع الموازنة في عهدة المجلس النيابي، الذي ستكون له بصمته في المناقشات وبعض التعديلات، التحسينية، وحيث ستكون لكل الكتل النيابيّة الفرصة لتحاول إضافة أو تعديل ما تجب إضافته وتعديله، لكن في نهاية المطاف نحن الآن أمام موازنة تسلك الطريق نحو النهاية، تحمل تخفيضاً واضحاً لعجز الموازنة بحدود مرضية، تتناسب وربما تتخطّى، ما كان مأمولاً من الجهات المانحة للقروض الميسّرة في مؤتمر سيدر، وتلبي ما كان الخبراء يعتبرونه ضرورياً لتقف المعادلة المالية اللبنانية على أول طريق الإصلاح بتناسب أجزاء جسدها، بعدما كان التورم يصيب اجزاء والضمور يصيب أجزاء أخرى بعكس الطبيعة والحاجة. فالتوازن بين نسبة الإنفاق والناتج الإجمالي للاقتصاد له معادلات لا يمكن تخطيها وكان لبنان قد تخطاها، والتوازن بين أبواب الإنفاق نفسها له أيضاً معادلات لا يجوز تخطيها وكان لبنان قد تخطاها، ولهذا كنا في دائرة الخطر، وها نحن نخطو الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح.

يمكن القول إن خطة الكهرباء شكلت نصف العلاج المرجو، لأن نصف تخفيض العجز خلال السنوات الثلاث المقبلة سيأتي من معالجة ملف الكهرباء، ويمكن القول إن تخفيض الإنفاق العام للدولة، الذي ليست له صفة استثمارية، مثله مثل زيادة الواردات تفادى بحدود معقولة المساس بذوي الدخل المحدود. وهو ما تعاقدت على احترامه جميع القوى المشاركة في الحكومة، ومثلهما جاءت مصادر الواردات الحقيقية من مساهمات الشركات الكبرى والمصارف في الموارد الضريبية للدولة، وتوازنت خدمة الدين بنسبة معقولة أيضاً مع نسبة الإنفاق العام.

بالتأكيد لا يمكن الحديث عن موازنة مثالية تمّ إنجازها، ولكن أمامنا بعد فرصة المناقشات في المجلس النيابي وبعدها موازنة العام 2020، والأهم أن أمامنا تفاعل الخارج والداخل المعنيان مالياً مع النتائج التي تمّ تحقيقها، لأن الأعباء التي رتبتها الموازنة ستضغط على من استهدفتهم مهما كانت نتائجها إيجاباً أو سلباً في الاقتصاد، بينما يتوقف النتاج الإيجابي لهذه الإجراءات على التفاعل الداخلي والخارجي مع إنجاز الموازنة كتعبير عن مرحلة جديدة في المسار المالي للدولة، يرفع منسوب الثقة بجديّتها في الإصلاح المالي، فتتحرّك عجلة الاقتصاد والاستهلاك، وتتدفق الأموال والتحويلات، واللبنانيون ينتظرون مع الصيف موسماً سياحياً واعداً يأملون معه الكثير في القطاعات العقارية والسياحية والمصرفية وسواها، وسيكون مع نتائجه الموعودة أول شهادة عملية لما أنجزته الموازنة، بالتزامن مع بدء المانحين في مؤتمر سيدر بسداد تعهّداتهم بعد إعلان تأييدهم ومباركتهم للمسار الإصلاحي للمالية العامة.

بلوغ هذه النتائج المرجوة يستدعي من الأطراف السياسية الممثلة في الحكومة، أن تتعامل بعناية مع الموازنة وفي خطابها السياسي حولها، فمثلما يشكل نقاش الموازنة وبنودها بنية التعديل والتحسين حقاً مشروعاً، يشكل الدفاع عن الموازن بإجماليّتها كمشروع إصلاحي واجباً ومسؤولية جماعية، وبمثل ما تشكل معارضة بعض البنود والإجراءات حقاً مشروعاً أيضاً، يشكل التضامن في التعامل لاحتواء مرارة وغضب بعض القطاعات الشعبية التي تتعرّض لضغوط كبيرة، مسؤولية وطنية مشتركة.

في النظام الديمقراطي لا يضمن أي فريق الأخذ بكل ما يريد، لكن الحاصل الإجمالي للمعادلة ينظر إليه من زاوية المصلحة الوطنية لا المصلحة الحزبيّة أو الشعبويّة. وهذه مسؤولية القوى السياسية مع الانتهاء من الموازنة.

نائب الشوف في مجلس النواب اللبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى