الأعمال اللبنانية تحتاج إلى ثقة المنتج وإيمان الكاتب بالواقع والأعمال السورية عليها تدارك الوضع قبل الهبوط

جهاد أيوب

ربما الدراما السورية ضارّةٌ نافعة، أي ما أصابها في الحرب عزز موقعها، والخسائر التي مُنيت بها سابقاً بسبب الأحداث والمحاربة والمقاطعة العربية، والشكوى المتواصلة من هجرة السوق العربية لها، ومحاربتها من الشاري والعرض الخليجي جعلها تصمد رغم الوجع وتواضع الإنتاج خوفاً من فشل العرض عربياً، لكنها هذا العام تفاجأت بعودة سوق العرض إليها، والنتيجة كم من الإنتاج الذي فاق 42 عملاً من ضمنها 6 أعمال مشتركة مع الدراما اللبنانية بمعنى 32 عملاً سورياً صافياً لهذا العام، وفيها الكثير من الفقير إنتاجياً وفنياً، والقليل المتميز على أكثر من صعيد، ومنها ما لا يُحسب على الجودة، ومع ذلك يعتبر هذا الانتشار عربياً لصالح الدراما السورية مهما انتقدنا إنتاجها، وعودة متمكنة للتمسّك في سوق العرض، وبالتأكيد الأعوام المقبلة ستثبت أنها الأكثر حضوراً وانتشاراً وقد تكون الأفضل لو، وهذه «لو« هي بيت القصيد!

وعلينا أن نقف مطولاً عند الإنتاج اللبناني المشترك مع الفنانين والفنيين السوريين. فهذه الحالة حركت الركود والجمود الفني السوري، وأبعدت عنه القطيعة والمحاسبة والمحاربة من قبل الشاري والعارض الخليجي بنسبة كبيرة، ورغم الضرر الذي سببته في ارتفاع سعر النجم السوري الواحد إلى انها في الجانب المقابل تغلّبت على الركود والبطالة وقلصت من كثرة «النق» التي أصابت الفنانين السوريين، وأفادت الدراما اللبنانية على صعيد الحضور، وعلى صعيد انتشار نجوم التمثيل اللبناني في الدول العربية.

الدراما السورية

هذا العام اجتمعت غالبية نجوم الدراما السورية وقدّمت وجوهاً شابة كثيرة، لا بل شاهدناهم في عمل واحد مثل «حرملك» رغم صعوبة الإنتاج، وأحياناً يصل إلى التقشّف، والأهم زوال المقاطعة من دول عربية لها، وهذا جعلها تطلّ من على غالبية الفضائيات، لذلك تفاوتت في حضوره. كما تقلصت الأعمال الشامية المتشابهة بالقصص وبالممثلين لتصل إلى خمسة أنضجها شكلاً ومضموناً «سلاسل دهب»، وغابت عن هذا العمل حركة النصّ، كان يتطلّب أكثر عناية، ولكن المخرج المحنك أنقذ ما أمكن، وأسوأها «باب الحارة» و«كرسي الزعيم».

على صعيد أعمال الكوميديا وعلى عكس السنوات الماضية لم تقدّم ما هو لافت فقط عاد «بقعة ضوء 14» بقصص جيدة، بينما «كونتاك» كان عادياً جداً. في التاريخي حقّق «حرملك» انتشاراً واسعاً ليس لأسباب فنية، بل لأن المجتمع العربي يبحث عن الفضائح مع أن موضوع الحريم والحوار والدعارة لا تصلح للشهر الفضيل، ولا خلاف أن مشاركة أكثر من عشرين نجماً ممثلاً من مختلف الدول العربية يحقق النجاح، ولكن تسويق لتلك المرحلة بشوائبها الفاجرة، والتذكير بتسويق نساء العرب تقليداً لبعض ما قدّم تركياً ضعفاً فنياً وفكرياً، يضاف إلى عجقة الازياء غير المدروسة وغلب عليها الجو الشامي مع أن أزياء تلك المرحلة حاضرة في الكتب ومعروفة، ناهيك على مسخرة إقحام السجائر الذي لم يكن موجوداً، ويُفترض أن المسلسل يصوّرها في الفترة الممتدة من عام 1513 حتى عام 1516، أي أثناء حكم المماليك، كما أن الكثير من مفرداته لا علاقة لها بتلك المرحلة. أما كيفية تناول الأرمن فهذه مجاملات لا نعرف لمن أو جهلاً بمجازر الأرمن وتضحياتهم، أما تقطيع التصوير الساذج فنقدياً يدل على عدم دراية المخرج بما يقوم به، وترك للممثلين حمل الأداء والسلام، وهذا خفف من وهج تميّزه رغم انتشاره.

يبقى أن نشير إلى مسلسل «مساحة أمان» في بداية حلقاته كان ضعيفاً ومن المستحيل أن يكون من إخراج الليث حجو وبعد مرور الحلقات الثماني تغيّرت النظرة، وانقلبت حركة الكاميرا وأداء الممثلين والنص لصالح العمل، أما «ترجمات الأشواق»، و«عندما تشيخ الذئاب» لا بدّ أن نشيد بهما… باختصار الدراما السورية بعد هذا العام تحتاج إلى إعادة نفضة، وتروٍّ، والغوص بموقعها وواقعها كي تبقى فاعلة وليست نكسة تنتظر الهبوط أكثر!

الدراما اللبنانية

تعيش الدراما اللبنانية على نفقة الأعمال المشتركة وتحديداً مع الفنّيين والممثلين السوريين، صحيح الإنتاج هو لبناني، والغاية منه التجارة والربح، وعلينا أن نعترف أن الأعمال المشتركة ساهمت بنشر الفنان اللبناني، ودعمت عمل الفنان السوري الذي عانى الركود والبطالة بسبب الحرب كما أشرنا سابقاً، فجاءت المكاسب مشتركة في البداية أما اليوم فهي بدعة ومافيات وشلل وبزنس ليس أكثر!

لا نستطيع أن نقول إن هذا العام لصالح الدراما اللبنانية، أو لدينا دراما، أصلاً هي غير فاعلة لا فكراً ولا مضموناً وتسير بجانبها الكبير على خطى تقليد الدراما التركية كما حال المصري وبعض السوري مع أن ما يعانيه المجتمع اللبناني كل لحظة والمواطن اللبناني تبنى عليه معلّقات درامية.

تجارب

ورغم أن تجارب الدراما اللبنانية بقيت نشيطة طيلة العام، ولم تتقوقع لحين شهر رمضان فقط كما حال الدراما العربية، وهذا يحسب لها إلا أن حضورها مذبذب. وهذا العام قدمت «إنتي مين» و«فرج ورحمة» يعنيان بها و«أسود» وثمانية أعمال مشتركة، منها ستة أعمال مع السوري، وعمل يتيم مع المصري، والأجزاء الثانية من «الباشا» و«آخر الليل» يعني 10 أعمال جديدة، ومع جزءين إثنين تصبح 12 عملاً فقط لا غير تضمنت بعض اللهجة اللبنانية، ومشاهد جميلة لطبيعة البلد.

من ضمن الأعمال اللبنانية نستطيع الإشارة والإشادة بتميّز «إنتي مين» قصة وسيناريو وحوار وبطولة كارين رزق الله، عمل فيه الكثير من طبيعة المجتمع والبلد، ولا يعيش الانفصام، ومتعة في أداء غالبية الممثلين خاصة عمار شلق وكارين وانجو وعايدة صبرا، ولأول مرة المخرج إيلي ف. حبيب ينغمس بواقعية تحسب له، ويتمكن من دراسة مشاهده بنجاح عكس بعض أعماله السابقة.

العمل الثاني «فرج ورحمة» من أسوأ ما قدّم هذا العام عربياً شكلاً ومضموناً وإخراجاً، ربما فقر الإنتاج أضرّ بالنص والتمثيل والصورة، وكلنا يدرك تميز الكاتب محمد النابلسي، وهنا نحن نتعامل مع ما شاهدناه لا مع ما كتب على الورق، والتنفيذ هو الواجهة، عمل أضرّ بالتجارب السابقة دون مناقشة.

ومن ثم «أسود» فقط لطبيعة دور وأداء غول التمثيل باسم مغنية، أما العمل ككل يحتاج إلى إعادة ترميم نصاً وإخراجاً واختياراً للممثلين.

و«بروفا» اختلف كلياً عما سبق، وماغي بوغصن في أحسن حالاتها، وهذه المرة «ضبطت» معها بعد إخفاقات السنوات الماضية، ولكن المسلسل يحتاج إلى كلام آخر، والعيون الملوّنة للبطل أحمد فهمي لا تصنع نجاحاً، العمل يتطلب نفضة كاملة، ونفذ بسرعة لا تليق بإسم مخرجته رشا شربتجي. سقطة إخراجية!

«الكاتب» شربكة، ومن نفّذه ضاع بقصته، فتاهت الشخصيات، وفقد الممثل ثقته بالأداء، رغم ان أول ثلاث حلقات منه كانت مميزة، و«الهيبة الحصاد» نمطية، استهلك كلياً، وأصبح «باب الحارة» بسذاجة الفكرة النص وبعض الشخوص، مع أن نجوم الصف الثاني أمثال منى واصف وختام اللحام وروزينا اللاذقاني في أنضج حضورهنّ، وبعض الوجوه الشابة أمثال وسام فارس وسعيد سرحان بينما نجوم العمل تيم حسن وسيرين عبد النور غير مقنعين، وعلى سيرين أن تحسن النطق ومخارج حروفها، ونقول لتيم رفع الحاجب، وتحريك الفم، وغمزة العين لا تطوّر الشخصية.

«خمسة ونص» القصة لا تحتمل هذا المطّ، كان بالإمكان تعدد الأحداث من أجل جذب المشاهد خارج حدوتة مركّبة تركيباً بدائياً، وعاب العمل الكثير من حركة النص ولهجة رئيس حزب لبناني قصي – ولا يعرف نطق لهجة مَن يمثلهم. وهذا عجز في عدم تماسك الفكرة مهما كان التبرير، والإخراج الذي اعتمد على جهود الممثلين لذلك تلمسنا التميّز عند قصي خولي ورفيق علي أحمد وبالتأكيد رولا حمادة وإيماءات وتعبيرات معتصم النهار الذي لم يستغلّ جيداً من قبل القائمين على العمل، بينما لا جديد لتلعبه نادين نسيب نجيم وأسيرة شخصية برجوازية نمطية تكرّرها شكلاً ومضموناً، هذه الممثلة الجيدة تحتاج إلى نفضة في اختيار الأدوار التي تظهر ما لديها خارج دائرة الثرية والأنيقة.

«الباشا» في الجزء الأول والثاني لا يصلح للشهر الفضيل، وغلب عليه الصريخ والتصنّع في التمثيل، وفقر الإنتاج كان واضحاً في إعاقة تميزه، وكل الأحداث محصورة بالباشا مما جعل النمطية تغلب على عمل تميز بالإيقاع الهابط، أما «آخر الليل» المقصود من الجزء الثاني قطف نجاحات الجزء الأول، ولكن النتيجة مخيبة، وشاهدنا توهاناً وإرباكات على كل الاصعدة نصاً وحواراً وإخراجاً وتمثيلاً!

الدراما اللبنانية تحتاج إلى ثقة المنتج بما عنده من ممثلين، وإلى كاتب يؤمن بالواقعية وبوطنه، وأن تكون لديه جرأة الطرح خارج عقده الدينية والحزبية والسياسية، وإلى مخرج يعرف دوره وليس موظفاً عند المنتج أو الكاتب أو الكاتبة صاحبة العلاقات الإنتاجية والفضائية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى