كرامي للتحقيق في الاعتداء على طرابلس… والقومي لدعم الجيش والقوى الأمنيّة عون للبنان المثال… وارتباك «مستقبلي» مع الاشتراكيّ… والموازنة لأسبوع نيابيّ

كتب المحرّر السياسيّ

تغيّر كل شيء منذ نجح جيش الاحتلال الصهيوني قبل أكثر من نصف قرن بتحقيق نصره التاريخي على الجيوش العربية، ونجاحه باحتلال القدس وسيناء والضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان. فالزمن لم يعُد زمن اليد الإسرائيليّة العليا في المنطقة، وقد بدأ زمن المقاومة وانتصاراتها منذ انتصار التحرير عام 2000، والنصر التاريخيّ عام 2006 وتحرير غزة بينهما عام 2005 ومن بعد الهزائم المتكرّرة على أسوار غزة، وصولاً للعجز عن خوض حرب على جبهة لبنان أو سورية أو غزة، وصولاً للمأزق السياسي الذي يلقي بظلاله على المشهد النيابي الإسرائيلي مع انتخابات مبكرة للمرة الثانية، وعجز متمادٍ عن تشكيل حكومة، وبالتوازي كانت هزائم الحروب الأميركية في المنطقة، من حربي أفغانستان والعراق، وانتهاء بالحرب على سورية، وصولاً لحصار بأفق مسدود يستهدف إيران، والتغيير يترك بصماته على المشهد الدولي، حيث أزمة الملف النووي الإيراني عقدة العقد، حيث لا قدرة على الحرب، ولا قدرة على التسوية، وحيث أوروبا تتململ من السياسات الأميركيّة لكنها تعجز عن بناء سياساتها المستقلة. وفي هذا السياق المدرك للمتغيرات والتوازنات، سجل البرلمان الألماني بادرة لافتة بالتصويت لرفض توصية حزب البديل الليبرالي على تصنيف حزب الله بجناحيه السياسي والعسكري على لوائح الإرهاب، خاذلاً الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي دعا البرلمان الألماني ليحذو حذو بريطانيا في الحصار على حزب الله.

رغم المناخ المشدود والمتوتر الذي يخيّم على المنطقة بتأثير الانسداد السياسي بوجه الملف النووي الإيرانيّ ومواصلة واشنطن سياسات التصعيد والتهديد، تترقب الأوساط المتابعة للوضع الإقليمي الزيارات التي ستشهدها إيران تباعاً لرئيس الوزراء الياباني ووزيري خارجية سويسرا وألمانيا، في محاولات توسّط ليست بعيدة عن مناقشات أجراها الرئيس الأميركي مع زوار طهران المرتقبين.

لبنانياً، قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مؤتمر الطاقة الاغترابية إن نماذج الدول القائمة على التطرف والتعصب تفشل وتخلف الفوضى والحروب، بينما نموذج لبنان القائم على غنى التعدد الثقافي والديني، كمنبر للحوار يجعله نموذجاً لصناعة السلام الاجتماعي داخل الكيانات وبين الدول، بالتوازي ورغم بدء الأسبوع النيابي بسلسلة جلسات للجنة المال والموازنة للبدء رسمياً بمناقشة الموازنة، انجذب المشهد السياسي الداخلي نحو السجالات المتتابعة التي تحيط بعلاقة تيار المستقبل بكل من التيار الوطني الحر، شريك التسوية الرئاسية، والحزب التقدمي الاشتراكي، الحليف التقليديّ، ولم تنجُ بيئة المستقبل من هذه السجالات بعد غمز قناة المستقبل من قناة النائب نهاد المشنوق وحديثها عن المتصيّدين لإلحاق الإساءة في معرض ادعاء الدفاع، إلا أن الاعتداء الذي نفّذه تنظيم داعش في مدينة طرابلس بقي في الواجهة، وبقيت تداعياته تتصدر الاهتمامات السياسية والشعبية، في ضوء خطاب مستقبلي مرتبك وصل حد الظهور بموقع تبرير العمل الإرهابي، تارة بنظرية الذئب المنفرد ونفي الطابع المنظم للعملية التي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها، في سياق سلسلة العمليات التي نفذها مع عيد الفطر، وطوراً بالحديث عن حالة نفسيّة عصبية للإرهابي عبد الرحمن مبسوط الذي نفذ الاعتداء على طرابلس، وتتالت ردود الفعل المنتقدة للتفسيرات الرسمية ما استدعى توضيحات وتبريرات من وزيرة الداخلية ريا الحسن، بقيت عاجزة عن طي الجدال الذي انطلق إثر الاعتداء، وكان لنائب طرابلس فيصل كرامي موقف لافت دعا فيه لتحقيق شامل وفوري يجيب عن الأسئلة الكبرى، مثل المسؤولية عن إطلاق سراح الإرهابي وهو أمر تكرّر مع سواه وفقاً لمقتضيات اللعبة السياسية والانتخابية، والمسؤولية عن العائدين من صفوف القتال مع داعش وإدارة التعامل معهم ومراقبتهم وإعادة تأهيلهم ثقافياً وعقائدياً وسياسياً، ومراقبتهم أمنياً. وقال كرامي إنه سيجري اتصالاته بكتل نيابية أخرى لتوفير النصاب اللازم لانطلاق هذا التحقيق، بينما تناول الحزب السوري القومي الاجتماعي اعتداء داعش الإرهابي من زاوية ما يؤكده من كون لبنان في دائرة الاستهداف، وما يستدعيه ذلك من التفاف حول الجيش والقوى الأمنية، واعتبار المدخل لحماية وتحصين المؤسسات العسكرية والأمنية بعدم المساس برواتب وتعويضات ضباط وعناصر هذه المؤسسات التي يتوقف على تماسكها وأدائها لمهماتها ضمان الأمن والاستقرار في لبنان.

بقيت عملية طرابلس الإرهابية، في الواجهة خاصة مع تباين الرؤى بين مَن يعتبر أن العملية فردية، وبين مَن يعتبر أن هناك مجموعة إرهابية خططت للعملية التي نفذها الإرهابي عبد الرحمن مبسوط. وبحسب المعلومات الأمنية فإن التحقيقات جارية والعمل منصبّ على تحديد اتصالات مبسوط، خاصة أنه حتى الساعة لم يتأكد أن هناك شركاء له حتى الساعة.

وعقدت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن مؤتمراً صحافياً في الوزارة شرحت فيه ملابسات ما حصل على يد الإرهابي عبد الرحمن مبسوط، وقالت «من يتولى التحقيق هم الأجهزة الأمنية وهم يقومون بكل ما يلزم لكشف ما حصل بطريقة مهنية وحرفية تحت اشراف القضاء المختص ووفقاً لتوجيهاته». وتابعت: «ان مصطلح الذئب المنفرد تعتمده الأجهزة كافة للدلالة على شخص قام بعمل إجرامي، ومنها عمليات إرهابية. وهذا النوع من العمليات يحصل في كل دول العالم، والمجرمون الذين يقتلون بدم بارد غير متزنين عقلياً بالمعنى المجازي، وليس الطبي». ورأت الحسن «ان من الخطير استغلال جريمة إرهابية لشد العصب الطائفي والسياسي»، مؤكدة «ان طرابلس أثبتت قبل العملية الإرهابية وبعدها أنها تنبذ كل أنواع التطرف وتبين أن لا بيئة حاضنة للإرهاب». واشارت الحسن الى انه «تقرر انشاء غرفة عمليات افتراضية في كل منطقة، بحيث تجتمع فروع المناطق لإدارة أي ازمة أمنية بإشراف القضاء وبحضور قاضٍ وسيتم بحث هذه المسألة في الاجتماع المقبل بحضور قادة الأجهزة الامنية».

واعتبر الحزب السوري القومي الاجتماعي، بحسب ما أعلنت عمدة الاعلام أن ما حصل في مدينة طرابلس عشية عيد الفطر، عمل إرهابي عن سبق تخطيط، حيث إنّ استهداف الجيش اللبناني والقوى الأمنية، هو استهداف لأمن المدينة وأمن البلد برمّته. وهذا النوع من الأعمال الإرهابية، لا يمكن حصره بمنفذه فقط، لأن من يقف وراءه، تخطيطاً وتنفيذاً، مجموعات إرهابية ديدنها القتل والإجرام ونشر الفوضى والخراب.

وأشار إلى أن طمأنة الناس أمر مطلوب، ولكن ليس من خلال التقليل من حجم المخاطر الإرهابية. فالمؤسسات العسكرية والأمنية تقوم بجهود جبارة لتحصين أمن البلد واستقراره، وتنجح في عملياتها الاستباقية لاستئصال الإرهاب والقضاء على التطرف. لذلك، على كل القوى السياسية، الالتفاف حول مؤسسة الجيش اللبناني وسائر المؤسسات العسكرية والأمنية، لكي تنجز مهامها تحصيناً للبنان من خطر الإرهاب، معتبراً أن العمل الإرهابي الذي استهدف الجيش والقوى الأمنية في طرابلس، وأدى إلى استشهاد ضابط وثلاثة عسكريين، هو جزء من مخطط إرهابي يستهدف لبنان، والتعامل معه يجب أن يتم على هذا الأساس، وليس على أساس أي فرضية أخرى.

وجدّد التأكيد بأن الإرهاب ليس مناطقياً ولا كيانياً، بل هو منظومات تحوي متطرفين إرهابيين من مختلف البلدان والجنسيات، وكل بلد يتعرّض لخطر الإرهاب، يجب أن تتوحّد كل الجهود لدرئه، لا أن تتباين وتختلف حوله، أو أن يختبئ البعض خلف أسباب واهية ولحسابات ضيقة وفئوية.

ودعا لتحصين البلد بوحدة جميع أبنائه في مواجهة الإرهاب، وخلق بيئة سياسية تساعد المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية على تفكيك شيفرة هذا العمل الإرهابي، وعلى مواصلة جهودها وعملياتها الاستباقية في ملاحقة وتفكيك الخلايا الإرهابية. وفي هذا السياق أعاد التأكيد على عدم المسّ برواتب وتعويضات العسكريين وحاجات المؤسسات العسكرية والأمنية، لأن الأولوية هي صون الأمن والاستقرار والسلم الأهلي من خطر الإرهاب، وكذلك التمسك بعناصر قوة لبنان المتمثلة بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة في مواجهة العدو الصهيوني.

الى ذلك، وبانتظار أن يعود مجلس الوزراء الى الانعقاد خاصة بعد حادثة طرابلس أشارت مصادر وزارية لـ»البناء» الى أن الامور لا تزال غير واضحة، لجهة عقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل لا سيما ان التوافق غير متوفر بين المكوّنات الحكومية في ما خصّ ملف التعيينات، مشددة على ان لا جلسة لمجلس الوزراء قبل تبريد الأجواء على خط المستقبل والتيار الوطني الحر. ورغم ذلك ترى المصادر أهمية أن يدعو الرئيس الحريري الى جلسة يوم الخميس، مشيرة إلى أن التطور الأمني الخطير يفرض على الحريري الدعوة.

الى ذلك تتجه الأنظار الى ضبط السجالات على خط التيار الوطني الحر تيار المستقبل والتي اتخذت من يوم أمس استراحة المحارب، حيث من المتوقع أن يزور يوم الاثنين وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي دار الإفتاء. وتشير مصادر بعبدا في هذا السياق لـ «البناء» إلى أن التسوية السياسية راسخة وأن بعض التباينات لا تفسد في الود قضية، مشدّدة على أن الأمور الخلافيّة قابلة للحل والمعالجة لا سيما أن الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري متفقان على تفعيل العمل الحكومي ومحاربة الفساد.

في المقابل فتحت حلبة «سجال» جديد، بين تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي على خلفية المداورة في بلدية شحيم وفي المعلومات الاشتراكية لـ»البناء» أن الأمين العام لتيار المستقبل أخلّ بالوعد المعقود بين الرئيس الحالي للبلدية السفير زيدان الصغير والحزب التقدمي الاشتراكي المتمثل بأحمد فواز، على المداورة بين الرجلين، حيث كان من المفترض ان يتولى فواز رئاسة البلدية للسنوات المتبقية من عمر المجلس غير أن الحريري تدخل شخصياً وعطّل عملية التناوب عبر الضغط بإيعاز من الرئيس سعد الحريري على الأعضاء بمصدر رزقهم.

وعلى هذا الأساس رأى رئيس اللقاء الديمقراطي النائب السابق وليد جنبلاط في تصريح على مواقع التواصل الاجتماعي انه «كم هزيلة تلك الايام التي وصلنا اليها حيث يصبح محافظ جبل لبنان موظف صغير عند تيار سياسي تائه ومتخبط في خياراته العامة لكن مصر في محاربة الحزب الاشتراكي في اقليم الخروب بأي ثمن».

وردّ الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري على جنبلاط قائلاً: «هيدا الحكي مش إلك يا بيك… يلي بيناتنا اكبر بكتييير من مجلس بلدي… اذا شايف غير شي خبرنا». ولاحقاً توجه أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر الى الحريري بالقول: «لانو لي بيناتنا اكبر بكتير مش لابن رفيق الحريري تهديد الناس بأرزاقون كرمال بلدية. صوّب المسار كرمال لي بيناتنا». ليردّ أمين عام تيار المستقبل على تغريدة ناصر بالقول: «كلامك او كلام معلمك يا «رفيق» ظافر مش مقبول.. سعد الحريري ما بيقطع أرزاق.. ابن رفيق الحريري بنى أرزاق ودفع من لحمو الحي وانتو اول العارفين.. يا عيب الشوم».

تستعدّ لجنة المال والموازنة لعقد 9 جلسات الأسبوع المقبل، أولاها عند العاشرة من قبل ظهر الإثنين وعلى جدول أعمالها بندان، الاستماع إلى جواب وزير المالية حول فذلكة مشروع قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة في إطار دراسة مشروع قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2019، ودرس مواد الموازنة. أما الثلثاء والاربعاء والخميس، فتعقد اللجنة جلستين في اليوم، الأولى في العاشرة قبل الظهر والثانية في الخامسة عصراً. وتختتم اللجنة الأسبوع بجلسة في الرابعة بعد ظهر الجمعة لدرس مشروع موازنة العام 2019 والموازنات الملحقة.

الى ذلك، لفت مستشار رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري عبر حسابه على تويتر: «مَن يستمع الى بعض الوزراء ونواب الكتل المشاركة في الحكومة يعتقد أن مشروع الموازنة الذي أقرّ في مجلس الوزراء هو غير المشروع الذي تمّت إحالته الى مجلس النواب». وأشار الى ان «جلسة الموازنة المرتقبة في مجلس النواب ستتحوّل حكماً الى جلسة لعرض العضلات الاقتصادية والمالية للكتل المشاركة في الحكومة، وربما يكون من الأفضل قيام الرئيس سعد الحريري باسترداد مشروع الموازنة للتصويت عليه من جديد في مجلس الوزراء».

من ناحية أخرى، لفت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى ان «لبنان يكافح اليوم للنهوض من أزمات مزمنة متراكمة خصوصاً في الميدان الاقتصادي، ولكنه يسلك درب التعافي»، مشيراً إلى أن كل جهد من المنتشرين اللبنانيين، «سيساعده دون شك على المضي قدماً في هذا الدرب». وأكد خلال افتتاحه مؤتمر الطاقة الاغترابية في البيال إصراره على ترسيخ انتماء المنتشرين اللبنانيين في العالم إلى لبنان عبر إقرار قانون استعادة الجنسية، الذي دخل حيز التنفيذ منذ أكثر من عام، معيداً الحق لمن فقده.. وشدِّد على أن إزاء التطرف السائد الذي يولّد الإرهاب، يأتي دور لبنان في النموذج الذي يمكن أن يقدّمه للعالم، خصوصاً بعد التجارب التي سبق أن عاشها وعلّمته كيف يعيش تعدّديته، وأنّ الاختلاف حق، والحوار وحده هو طريق الخلاص والسلام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى