شهر حاسم في كل الملفات: حلول تفاوضيّة شاملة أم مواجهة شاملة؟

ناصر قنديل

– تزدحم في نهاية هذا الشهر الاستحقاقات، وطبيعي أن اقترابها يعني تصعيد التسخين في المنطقة استعداداً للمواجهة أو للتفاوض، ويشكل الاستحقاق الأول نهاية المهلة التي حددتها إيران بستين يوماً للإعلان عن خروجها من التفاهم على ملفها النووي، يصير بعدها السعي لإعادة إيران للتفاهم أشدّ تعقيداً، ويصير وجودها خارج التفاهم بحد ذاته تصعيداً ومساراً مفتوحاً للتصعيد، ولا يمكن قراءة أي تطوّر في المنطقة أو استحقاق تفاوضيّ بعيداً عن مضمون ما يقدّمه من إجابة على السؤال الرئيسيّ الذي تطرحه مهلة الستين يوماً لإقناع إيران بتمديد المهلة إذا تعذّر إقناعها بالبقاء تحت مظلة التفاهم، والإقناع هنا ليس لغوياً ولا عقلياً، بل هو إقناع بلغة المصالح وتقديم العروض، التي تلبي لإيران الحد الأدنى من متطلباتها المستحقة بموجب التفاهم، والتي يعترف بها الشركاء المتمسّكون بالتفاهم في روسيا والصين وأوروبا، لكنهم وخصوصاً أوروبا، يعتذرون عن توفير متطلبات إيران بسبب العقوبات الأميركية. وهذا يعني أن أي عروض ستتلقاها إيران هي عروض أميركية بلسان أوروبي وضمانة روسية صينية.

– لا يمكن الفصل بين هذا المسار الخاص بالملف النووي الإيراني وملف صفقة القرن، الذي يشكل مساراً موازياً لمسار حصار إيران في الخريطة الأميركية الإسرائيلية الخليجية المبنية على فرضية القدرة على تحجيم ومحاصرة قوى المقاومة وفرض مفهوم الأمن الإسرائيلي عليها. وبالتالي يشكل انعقاد مؤتمر البحرين أواخر شهر حزيران الجاري الفرصة الاختباريّة الأولى للتوازنات التي تحكم معادلة صفقة القرن. وبمثل ما تبدو واشنطن مرتبكة في التعامل مع تبعات خطواتها في الملف النووي مع إيران بعد ظهور حائط مسدود أمام الضغوط يضع واشنطن بين التراجع أو الذهاب للحرب، تبدو واشنطن أيضاً مرتبكة في التعامل مع تبعات خطواتها نحو صفقة القرن، حيث يواجه رئيس حكومة الاحتلال وضعاً لا يحسد عليه في الداخل الإسرائيليّ، وحيث الإجماع الفلسطيني على مواجهة صفقة القرن، عاملان كافيان لإسقاطها بالنقاط إن لم يكن بالضربة القاضية، والتردد الأميركي في الخطوات اللاحقة في مواجهة إيران يشبه التردّد في الإعلان الرسميّ عن مضمون صفقة القرن.

– يتزامن هذا الاستحقاقان المفتوحان على المواجهة في العناوين الكبرى في المنطقة، مع استحقاقيْن يشكلان فرصاً تفاوضية، لا يمكن الحديث عن نتاج إيجابي لها خارج سياق ما ستفعله واشنطن بصدد التعامل مع إيران من جهة، ومع صفقة القرن من جهة موازية. فالترويج الأميركيّ عن فرضيّة التوصل لحل روسي أميركي في سورية، واعتبار لقاء مستشاري الأمن الروسي والأميركي والإسرائيلي محطة لهذا التفاهم، وتضمينه سلفاً إشارات لانسحاب إيران وقوى المقاومة من سورية مقابل اعتراف أميركي بشرعنة النصر السوريّ، محكوم عليه بالفشل إذا كان قائماً على رهان ضمني على فرضية إغراء روسيا أو الضغط عليها لقبول حل من وراء ظهر إيران وقوى المقاومة ترفضه الدولة السورية. وهو ما تقول الوقائع أيضاً أن روسيا لا تقع بفخاخه، وتقول الوقائع إن الأميركي يعلم أن روسيا لا تملك خريطة طريق لتطبيقه إن رغبت، لكن إذا كان ما تريده واشنطن هو السعي لفرصة حلّ بالتراضي مع إيران وقوى المقاومة من البوابة الروسيّة، بمعزل عن فرص وشروط القبول بهذا العرض ضمن حلّ شامل يطال الحصار على إيران وصفقة القرن، فهذا يعني أن المسار التفاوضي أمامه حظوظ جيدة.

– من دون هذا المسار الشامل لا يمكن الحديث عن جدوى أو قيمة لأي استحقاقات تفاوضيّة أخرى، خصوصاً فرضية قمة روسية أميركية على هامش قمة العشرين نهاية شهر حزيران الجاري في اليابان، فموسكو وبكين في اشتباك متعدّد العناوين مع واشنطن، تجارياً واستراتيجياً، والدور الروسيّ والصينيّ في ملفي الصراع العربي الإسرائيلي، والحصار على إيران، ظاهر من قرار مقاطعة مؤتمر البحرين، كما الموقف من المواجهة في إدلب ظاهر من مداولات مجلس الأمن والفيتو المزدوج على مشروع البيان الأميركي البريطاني الفرنسي.

– في حال قرّرت واشنطن التراجع عن الحصار على إيران ولو مواربة، ومن تحت الطاولة بغطاء أوروبي، وقررت طي مشروع صفقة القرن ولو تحت عنوان الحاجة للوقت والتنسيق مع الأطراف الدولية، سيكون ممكناً البحث في مناطق وسط لتسويات في سورية واليمن تشرعن انتصارات محور المقاومة، وتحفظ ماء الوجه للذين هزموا في الحروب لفتح الباب لانسحاب آمن أمامهم، سواء من سورية أو من اليمن.

قوى المقاومة التي تستعدّ لاجتماع على مستوى قيادي جامع ربما يجمع الحركات المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن والعراق مع الدول المقاومة في المحور، خصوصاً سورية وإيران، ستضع بين أيدي الحليف الروسي مع جهوزيّتها للمواجهة المفتوحة، إذا كان هذا هو الخيار الأميركي، الحدود الممكنة للحلول التفاوضيّة إذا ظهرت مؤشرات جدية باتجاهه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى