ليلة صوفيّة في فيينا لفرقة «عطار للموسيقى»… شاعرها جلال الدين الرومي!

طلال مرتضى

جاء الصيف وجاءت معه ليالي الأنس السالفات، هكذا كان في الأمس، هوى قلب فيينا مشرقياً وما أحلاه هوى قلب فيينا أن ينبض مشرقياً..

أمس تمتم عليّ قائلاً: الموسيقى اللسان الذي يفهمه كل سكان الأرض ويستطيعون التواصل من خلاله دون ترجمان»، حين رأيتُ بأم عيني كيف كانت العربية تتمايل طرباً والفارسي غارقاً في الانتباه والدندنة وكذلك الأوروبي الذي تمايل مع كل دنة وتر وضربة إيقاع من أصابع تكنه الحريق والنشوة في تفاصيل نبضها المخبوء، وشهق حين وصلته مرامي القول.

كانت ليلة ولا ألف ليلة من ليالي سمرقند أو ليال الهارون في عصره الطافح..

مثل خيوط متفلّتة تاهوا في الجهات، وحدها فيينا مدينة النور والفكر قبضت عليهم متلبسين بتهمة زرع البهجة في النفوس، فاكتنفتهم ليس عطفاً بهم بل لأنها تدرك بأنهم متميزون عن سواهم ممن عبروا حبل سرها العتيق.

حميد مهركان الإيراني والذي ينحدر من عائلة فنية عريقة هو عازف سه تار، وهي آلة وترية من فصيلة العود، صاحب فرقة عطار «Ensemble AttaR» نسبة للشاعر الفارسي المتصوّف.

فريبة رحيمي إيران، هي مغنية وعازفة ستار منذ 2008 ومنذ 1980 احترفت فنّ الرقص الفارسي أو ما نسميه في بلادنا المولوي، وهي طبيبة وتعلم الرقص أيضاً. عازف الناي Georg Degenhardt نمساوي الأصل وهو مدرس موسيقى بكل أنواعها ومهتم بالموسيقة الفارسية على وجه الخصوص. وياشار اديب دوست إيران، يعزف الدفّ منذ طفولته ويدرّس الطبل أيضاً، وهو فنان في تدوين الخط الفارسي. ايلونا بروكنر مصرية نمساوية، طالبة تتعلم العزف على «السه تار» وتدرس أيضاً اللغة العربية والعلوم حالياً، باحثة في اللهجات العربية في جامعة فيينا، قامت بترجمة الكثير من النصوص وتقديمها بغير لغة.

في قاعة المؤسسة المشرقية النمساوية «CUP OF CULTUERS» والتي استضافت ضمن سياق برنامجها فرقة عطار للموسيقى الشرقية الصوفية، تخلل العزف والغناء إلقاء عدد من قصائد جلال الدين الرومي في اللغة الفارسية والعربية والألمانية وسط تفاعل الحضور الغفير..

هذا وقد أدّت المغنية الدكتورة فريبة رحيمي وصلة فنية راقصة، رقصة الدراويش أو المولويين وهو ما ألهب الحماس والتفاعل بين الحضور الذي قاطع وقفة الختام بلسان واحد في اللغة الألمانية Zu gaben أي تقديم المزيد وهو ما جعل الفرقة ترضخ مجدداً لنداء حضورها وتقدم وصلة تالية.

ثمة نقطة نظام عابرة على هامش الحكاية، تلمّست ردود فعل هذه المرة مختلفة عما كنت أعاينه من قبل من خلال حضور الحفلات العربية، لكن وصول هذا النوع من الموسيقى الشرقية، خصوصاً ما يطلقون عليه بالصوفي، كان له وقع خاص لكونه جديد المسمع على إذن المتلقي الأوروبي وتلك أقولها وبصراحة نقطة تالية في دفتر علامات المؤسسة المشرقية النمساوية التي تحاول استقطاب كل من يستطيع تقديم أي شيء مضيء من إرث حضارتنا، لأن الأغلبية الأعم لا يرون من حضارتنا العربية أو الإسلامية بشكل أعم سوى ثقافة الدم وغيره وهي الفكرة المغلوطة التي يروّجها الإعلام الغربي ونعزّزها نحن من خلال ضعفنا وانسياق العض وراء حوامل المصالح الفتنوية.

ليلة فيينا كانت عامرة بكل أنس حكاياتنا الجميلة.

كاتب عربي/ فيينا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى