خطر التوطين جدّي ونحتاج موقفاً لا ينتظر ولا يتردّد

البروفسور فريد البستاني

يشهد بلدنا في كل فترة نقاشاً حول مفهوم النأي بالنفس، قبولاً به أو اعتراضاً عليه، وغالباً في الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المعنيّة بانتهاكه. وهذا يعني بالتأكيد الحاجة لحوار هادئ حول أين وكيف يجب تطبيق هذا المبدأ الذي شكّل أحد عناصر التسوية التي رافقت، عهد الرئيس ميشال عون وحكومات الرئيس سعد الحريري، والتسوية نفسها لا تبدو بمنأى عن سوء الفهم، أو الاختلاف على تفسير معانيها وما تطاله وما لا تطاله.

في سياق النقاش حول النأي بالنفس يغيب البحث والحوار حول تحديد القضايا التي لا يشملها النأي بالنفس، أو التي لا يجب أن يشملَها، وهذا نقاش يبدو ضرورياً مع الخبرة التي علّمتنا إياها مناقشاتنا حول عودة النازحين، التي بدأ التباين الداخلي في النظر إليها وكأنّها امتداد للخلافات التي رافقت النظرة لما يجري في سورية، ويجب أن يطالها النأي بالنفس، لنكتشف لدى التدقيق وفي سياق التعامل معها كقضية ضاغطة على حياتنا الوطنيّة بوجوهها الاقتصاديّة والأمنيّة والاجتماعية، أنها الوجه الداخلي اللبناني للأزمة التي تعيشها سورية، والتي لا يجوز أن ننأى بأنفسنا عنها، لأن التطبيق الصحيح والدقيق للنأي بالنفس يقوم على أن ننأى ببلدنا عن دفع فواتير الأزمة السورية، وخلافاتنا حولها، وأول الفواتير التي يجب أن ننأى عن تدفيعها للبنان هي فواتير النزوح، الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، واعتبار كل تسييس خارجي أو داخلي لهذه القضية توريطاً للبنان وربطاً لمستقبله بمستقبل الأزمة في سورية، وهذا هو النقيض المطلق لجوهر مفهوم الدعوة للنأي بالنفس.

الآن يفتتح على مستوى المنطقة والعالم نقاش حول مستقبل القضية الفلسطينية، والواضح أن اللبنانيين يستطيعون أخذ النقاش حول ما هو مطروح بخلفيات العلاقات الإقليمية للأطراف اللبنانية المختلفة، لكن هذا يتجاهل حقيقة مصلحة لبنان، ويعني تحويل بلدنا إلى ملعب للاعبين الخارجيين الذين يملك كل منهم رؤيته لمصلحته بينما نفتقد نحن كلبنانيين رؤية مصلحتنا. والمصلحة واضحة ومنصوص عليها في الدستور، وعنوانها رفض كل مشاريع التوطين، ويكفي أن يضع لبنان بوصلة له في موقف جامع يقول إن لبنان سيحدد موقفه بالانحياز أو الحياد تجاه أي مشروع وأي خلاف حوله، من منطلق هذا الإجماع اللبناني على رفض التوطين، وقد سبق للبنان أن شارك في إطلاق مبادرة السلام العربية من قمة بيروت العربية عام 2002، وكتب له فضل توضيح ضرورة أن تتضمن كل مشاريع حل القضية الفلسطينية ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين، تطبيقاً للقرار الأممي 194.

لبنان المتمسك بهذه المعادلة التي أكدت عليها القمة العربية الأخيرة، كما القمم التي سبقتها، يكون ملتزماً بسقف الإجماع العربي، لكنه يكون مدافعا عن مصالحه الوطنية، لكن هذا يستدعي أن ينظر لبنان لكل دعوة لأي نقاش حول مستقبل القضية الفلسطينية من هذه الزاوية، فيشارك ويوافق أو يشارك ويرفض أو ينأى بنفسه بالصمت مشاركاً أو ينأى بنفسه مقاطعاً، وفقاً لدرجة التطابق مع هذا المفهوم وهذه الزاوية في المقاربة.

لأن الأمور متسارعة والاستحقاقات داهمة والقضية مصيريّة، فالمطلوب حسم سريع للموقف، فالقضية ليست مع أي حلف نقف، بل كيف نقف مع لبنان؟

نائب الشوف في مجلس النواب اللبناني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى