بهيج حمدان

لو أردنا استعراض الأحداث في العالمين العربي والاسلامي في الساعات القليلة الماضية لخرجنا بالعناوين التالية:

في لبنان اشتباكات بالحجارة والسلاح في الجبل على خلفية الصراع بين معمل ترابة الأرز في عين دارة ومعمل سبلين. وجريمة اغتيال مسؤول العلاقات العامة في الجماعة الإسلامية الشيخ محمد جرار.

في ليبيا منظمة الصحة العالمية تحصي 630 قتيلاً منذ «هجم» الجنرال حفتر على العاصمة الليبية. وفي السودان احتمالات مفتوحة على الجحيم في اليوم الأوّل للعصيان المدني وعشرات الإصابات في الشوارع. وفي محافظة إدلب في سورية يعاني أكثر من مليوني مواطن من اتخاذهم دروعاً بشرية لحماية الإرهابيين. وفي الجزائر يتواصل الكباش بين الجيش والسياسيين. وفي مصر أحكام نهائية بالسجن 25 عاماً على 22 متهماً بينهم مفتي «الاخوان»، ومحامٍ مصري تقدّم ببلاغ الى النائب العام مطالباً بالتحقيق مع أصحاب رؤوس الأموال السوريين وسيطرتهم على سوق العقارات، في أهمّ وأرقى المناطق المصرية وباستثمارات بلغت 23 مليار دولار. وفي عدن استمرار حملة الإغاثة السعودية لمساعدة المتضرّرين من السيول واستمرار قصف التحالف العربي على شعب اليمن، وفي مدينة اسطنبول نظم شيف تركي مأدبة سخية لمناسبة زواج نجله تضمّنت شيش كباب بطول 60 متراً، وهذا موثق بالصور…

وفي مكة المكرمة أراد أمين العاصمة المقدسة المهندس محمد القويصي معايدة أهالي مكة فقدّم لهم فقرات معينة لرقصة «الهيب هوب» ما أثار موجة وعاصفة من الانتقادات على شبكات التواصل الاجتماعي بينها واحدة تقول «ما هكذا تورد الابل يا أمانة العاصمة المقدسة «

اما الشعوب العربية… فنراها في ذات التوقيت وفي ذات الزمان تخوض في مطارحات ونقاشات شائكة بلهاء نعتقد أنها ستلازمها الى ان يرث الله الأرض وما عليها، وعناوينها المُعاشة، او بعض عناوينها، كالتالي:

الاختلاف على بدء شهر رمضان وتضييع مطالع الأهلّة بين الرؤية والحساب، ما يوجب اختراع تلسكوب متطوّر، بينما الوضوح الفقهي لا يستدعي اختراع مثل هذا التلسكوب إلا لمن لا يفقه ولا يدرك عظمة «الحساب» ويقول سبحانه «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ 5 يونس» يعني علم الرياضيات.

وأيضا التلهّي، ولفترات طويلة بـ «إرضاع الكبير» وشرعية هذا الإرضاع، وكيفية حصوله مباشرة أو بالوساطة، حتى يستقيم التواجد الذكوري والأنثوي في مكان واحد لاكتساب الحلال وطرد الشيطان اللعين… أو التلاكم في مبطلات الوضوء بين المسح والغسل، وغير ذلك من اختلافات، العلم بها لا ينفع وجهلها لا يضرّ…

وما زلنا نذكر المؤتمر اللغوي العربي الذي انعقد في بيروت في أواخر السبعينات للنظر في بيت الشعر للشاعر التونسي القيرواني ابو اسحاق الذي يقول فيه:

يا ليل الصَّبِّ متى غَدُهُ أقِيامُ السَّـــاعَةِ مَوْعِدُهُ

ويومها سئلت الأديبة ماري عجمي عن رأيها في ضبط حركة الباء مكسورة باعتبارها مضافاً إليه، فتلفظ يا ليل الصبِّ ومنهم من قال بوجوب لفظها مضمومة على أساس انها مبتدأ فيصبح المطلع: يا ليل الصبُّ والصبّ هو الحبيب وللهروب من الإجابة الملزمة أجابت الأديبة بثورية مهضومة: أنا أقول بوجوب الضمّ، فـ الصبُّ بالضمّ أولى.

بينما أعداء الأمة ينهشون لحمها ويستذلون كرامتها ويصادرون ثرواتها ويحقّرون وجودها، وعرب اليوم، «أقول عرب اليوم» إلا من رحم، عن كلّ هذا غافلون لاهون وصدق فيهم قول الشاعر السوري الكبير الراحل نزار قباني:

إياك أن تقرأ حرفاً من كتابات العرب

فحربهم إشاعة وسيفهم خشب

في مثل هذه الأيام المترمّدة التي يكثر فيها التحسّر والتفجّع والتلهّف والتوجّع، ولا غرابة ان يكون واحدنا كالطير الضائع المنتوف ولا يقبض إلا على الريح ولا يطير، ولكلّ امرئ يومئذ شأن يغنيه.

سامحونا…

صحافي لبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى