رهانات إعادة الانتخابات المحلية في تركيا ليست داخلية فقط…

د. هدى رزق

يبدو انّ استراتيجية حزب العدالة والتنمية الحاكم قبل انتخابات الإعادة في اسطنبول قد تغيّرت إذ يُصرّ مستشارو أردوغان على ضرورة عدم تنظيم تجمعات في جميع مقاطعات المدينة لدعوة الناخبين من أجل دعم مرشح حزب العدالة والتنمية، بن علي يلدريم. كما اقترحوا على أردوغان عدم الإكثار من الظهور في حملة اسطنبول والابتعاد عن التحشيد المشترك مع دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية من أجل تأمين الصوت الكردي.

يأتي كلّ ذلك على خلفية الخشية من تحويل انتخابات اسطنبول إلى صراع بين أكرم إمام اوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري وبين أردوغان في ظلّ استطلاعات للراي مخيّبة لحزب العدالة إذ لا يزال إمام أوغلو متقدّماً على يلدريم، يريد حزب العدالة والتنمية أن يطرح شخصية يلدريم المعتدلة سياسياً وان يروّج لأدائه كوزير للمواصلات والمشاريع الكبيرة التي قام بها مع جهود مستمرة لتشويه الصورة الإيجابية التي عرضها إمام أوغلو منذ ترشحه في اسطنبول.

في هذا السياق تأتي المناظرة التلفزيونية المباشرة المقبلة في 16 حزيران الحالي كدليل على محاولة التغيير هذه.

يحاول يلدريم، كذلك كبار المسؤولين في الحزب التواصل مع الأكراد المحافظين في اسطنبول وفي الأناضول الجنوبية الشرقية لجذب أصواتهم، الأمر الذي اثار حزب الحركة القومية لا سيما بعد ان استعمل يلدريم في إحدى خطبه كلمة كردستان لإرضاء الأكراد.

حزب الشعب الجمهوري من جهته مرتاح وواثق من فوز إمام اوغلو، ولكن هذه المرة بفارق أكبر في الأصوات عن المرة السابقة، إذ قام بنشر جزء كبير من المشرعين من حزب الشعب الجمهوري في اسطنبول لتقديم الدعم للحملة الانتخابية. هناك تعاطف كبير في اسطنبول مع إمام أوغلو بعد إلغاء المجلس الأعلى للانتخابات النتائج السابقة.

في ظلّ هذه الأجواء الانتخابية، حصلت هجمات على صحافيين 16 مايو/ أيار، قامت على اثرها 20 منظمة دولية، بقيادة المعهد الدولي للصحافة ولجنة حماية الصحافيين بدعوة أردوغان إلى إدانة الاعتداءات والتأكد من تقديم الجناة إلى العدالة لكن تمّت حمايتهم بدلاً من محاكمتهم. هذه الموجة الأخيرة من الهجمات ضدّ الصحافيين ليست الأولى خاصة عندما تمرّ البلاد في أوضاع مضطربة سياسياً، إذ تكون مفتوحة على الاستقطابات السياسية يصبح كذلك السياسيون البارزون إلى جانب الصحافيين أهدافاً لهذه الهجمات كمحاولة مهاجمة زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشيدار أوغلو خلال جنازة جندي سقط في أوائل نيسان/ أبريل، بعد إعلان نتائج الانتخابات المحلية.

من أجل كسب الاتراك في الإعادة الانتخابية اعلن أردوغان في 30 مايو/ أيار عن استراتيجية الإصلاح القضائي بمشاركة المنظمات غير الحكومية ونقابة المحامين في تركيا والهيئات الأخرى ذات الصلة. استغرق إعداد هذه الوثيقة الاستراتيجية حوالي ثمانية أشهر حيث سعت وزارة العدل إلى التشاور مع مجلس أوروبا وعشرات المنظمات الوطنية هذه الخطوة أتت بعد الحكم المثير للجدل الذي أصدره المجلس الأعلى للانتخابات والذي ألغى انتخابات اسطنبول دون مبرّر مقنع.

تناولت وثيقة الإصلاح ثلاث قضايا رئيسية: أولاً، تقول إنها تريد الاستجابة للنداءات المتزايدة للعدالة من جانب الشعب التركي. ثانياً، تحسين شروط الاستثمارات الأجنبية، والتي تحتاج تركيا بشدة إلى زيادتها في الفترة المقبلة. ثالثاً، تمثل استراتيجية الإصلاح التزاماً جديداً بتطلعات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على الرغم من المشكلات المستمرة بين أنقرة وبروكسل.

يمكن لأردوغان الاستفادة أيضاً في هذه الانتخابات من العمليات العسكرية التركية المستمرة التي يقوم بها الجيش ضدّ حزب العمال الكردستاني، ومن موضوع النزاع حول حقوق القبارصة الأتراك والصراع مع قبرص اليونانية في شرق البحر المتوسط حول استكشاف الغاز الطبيعي مما قد يثير النزعة القومية.

لكن انْ فاز إمام أوغلو فهل سيقف حزب العدالة وأردوغان متفرّجين بعد رهانهم على النجاح عبر إعادة العلاقات وتمتينها مع نيشرفان البرزاني في إقليم كرستان العراق الذي يمون بدوره على قسم من الأكراد المحافظين؟ يريد أردوغان الفوز في اسطنبول لما تعنيه هذه المدينة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فهو ذاهب الى قمة العشرين في أوساكا نهاية الشهر الحالي وفي جعبته مجموعة من المطالب والتفاهمات التي يرجوها مع الرئيس الأميركي ترامب، فهل يمكن ان يكون خاسراً في انتخابات محلية على هذه الدرجة من الاهمية حتى بالنسبة الى الخارج؟ فما هي خياراته؟

يمكن لأردوغان تمرير تشريع يحدّ من سلطات إمام أوغلو عبر خفض تمويل المدينة، لأنّ الحكومات المحلية في تركيا تعتمد على الحكومة المركزية لما يقرب من ثلثي ميزانيتها. كما يمكن له متابعة الخطوات البرلمانية للحدّ من تمويل البلدية والتي قد تؤدّي إلى انهيار خدمات المدينة وتحوّل المشاعر العامة ضدّ رئيس البلدية في الأجل القصير إلى المتوسط ، مما يسهّل مسعى إزالته.

عندما ألغى مجلس الانتخابات تصويت اسطنبول الذي جرى في 31 مارس/ آذار الماضي، فعل ذلك بناءً على أسباب أثارت خلافاً كبيراً مفاده أنّ عدداً من مسؤولي مراكز الاقتراع ليسوا موظفين مدنيين، خلافاً للقانون. ومع ذلك، في 5 يونيو/ تموز، قرّر إبقاءهم فهل يمكن ان يشكل هؤلاء الحجة لإلغاء النتائج مرة أخرى إنْ فاز مرشح حزب الشعب الجمهوري. أما انْ فاز بن علي يلدريم فلا شك بأنّ احتفالات العدالة والتنمية بـ عرس الديمقراطية ستكون مدوية…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى