سعادة: النقاش في لجنة المال والموازنة علمي وتقني وهي غنية بالكفاءات والحضور في جلساتها حاشد

لبّى عضو الكتلة القومية الاجتماعية النائب سليم سعادة، دعوة بلدية أميون ومجلس إنماء الكورة، للقاء حواري بعنوان «الموازنة وتحديات المالية العامة» في قاعة البلدية، في حضور رامي لطوف ممثل النائب فايز غصن، جورج شوبح ممثل النائب السابق لرئيس مجلس النواب فريد مكاري، قائمقام الكورة كاترين كفوري انجول، رئيس اتحاد بلديات الكورة كريم بو كريم، وعدد من رؤساء بلديات الكورة وممثليهم ومخاتير، السفير حنا عكر، نقيب أطباء لبنان الشمالي سليم أبي صالح، ممثلي نقابة أطباء الأسنان ونقابة المحامين في الشمال، رئيس التنظيم المدني في الكورة جميل عازار، مدراء الجامعات والمؤسسات التربوية في الكورة، مدراء المصارف وممثليها، ممثلي الجمعيات والنوادي ومجالس الرعايا، وعدد من المخاتير، ممثلي الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب وحشد من أبناء المنطقة.

وحضر عضو المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الإجتماعي حسان صقر، منفذ عام الكورة د. جورج برجي، وأعضاء هيئة المنفذية ومسؤولو الوحدات الحزبية، وعدد من ممثلي الأحزاب والتيارات السياسية في الشمال.

بدأ اللقاء بالنشيد الوطني وبكلمة تعريفية لعضو مجلس بلدية أميون رولا غنطوس رحبت فيها بالحضور وقدّمت النائب سعادة مع جملة أسئلة عن الوضع الاقتصادي والمالي.

واستهلّ سعادة كلامه بالقول: «أحببت اولاً التعبير عن سعادتي بعنوان اللقاء ولست من اختاره، إنه عنوان ممتاز لما للموازنة وتحدياتها من شأن كبير في حياتنا اليومية، كما أبدي سعادتي لفكرة اللقاء إذ لم تكن واردة عندي سابقاً، وسوف استهلّ حديثي بعيداً عن خلفيتي السياسية حيث أنّ من يريد أن يناقش موضوعاً اقتصادياً مالياً ونقدياً، يجب عليه أن يقاربه من الناحية العلمية. وأؤكد أنّ جميع أعضاء لجنة المال والموازنة في البرلمان اللبناني يناقشون الموضوع بشكل علمي بعيداً عن خلفياتهم السياسية. كما أشير إلى أنه يحق لأيّ نائب المشاركة في جلسات اللجنة والمناقشة إنما يحصر التصويت في القرارات بأعضاء اللجنة السبعة عشرة. ويجب التنويه بالغنى الذي تتمتع به اللجنة كما أنني لن أتطرّق لتسمية أحد على الإطلاق».

السلسلة ومشكلة الأرقام…؟

أضاف: «دعونا نبدأ بأساس المشكلة التي أسمّيها «الشعرة التي قصمت ظهر البعير» وتلك هي حين أقرّ المجلس النيابي عام 2017 سلسلة الرتب والرواتب على أساس كلفة تصل الى 800 مليون دولار مع رزمة من الضرائب تزيد واردات الخزينة إلى ما يقارب مليار ومئتي مليون دولار، أيّ تحقيق وفر للخزينة بأربعمائة مليون دولار. أما النتيجة فكانت ارتفاع تكاليف السلسلة وانخفاض في مداخيل الدولة، وتبيّن لنا أنّ العجز في 2018 وصل الى حدود ستة مليارات ونصف مليار دولار عوضاً عن ثلاثة مليار دولار.

وعليه، بات من الواضح أنّ الدولة اللبنانية تعاني من مشكلة أرقام، حيث أنها لم تعد محصورة في هذا الموضوع فقط، إنما تصل إلى مشكلة قطع الحساب، وللذين لا يعرفون ما هو قطع الحساب، أستذكر بروفيسوراً إيطاليا اسمه لوقا باسيولي، وضع كتاباً عام 1494 بعنوان Arithmetica, Geometria, Proportionalita ويتضمّن هذا الكتاب فصلا من خمسة عشرة صفحة فقط، عن كيفية تسجيل تجار فيينا لعملياتهم التجارية الشتى تجارة الزبدة، الحرير، الليمون الحامض هؤلاء كانوا أوائل من استعملوا طريقة double entry Accounting، حيث يتمّ تسجيل الرقم مرتين مرة عند التاجر Debit وأخرى عند العميل Credit ، وبالتالي فتح هذا النظام المجال للمؤسسات الخاصة والعامة الحديثة للتمكّن من إلقاء نظرة دقيقة على مداخيلها ومصاريفها وبالنتيجة أرباحها أو خسارتها».

قطوعات الحسابات…

وأردف سعادة: «للأسف الشديد، تمكّنت وزارة المالية اللبنانية هذا العام من إتمام قطوعات الحسابات منذ 2006 وحتى 2017. وتعتبر هذه القطوعات بمثابة إنجاز، إنما تبقى تحت مسمّى التدقيق الداخلي Internal Audit ، يبقى علينا إرسالها إلى فريق التدقيق الخارجي External Audit وهنا أعني ديوان المحاسبة للفت النظر على دقة هذه الأرقام والإضاءة على احتمالية تجاوزات قانونية وإلى آخره. لكن وفق معلوماتي، لم يقم ديوان المحاسبة بالتدقيق في الحسابات منذ ما يقارب الخمسة عشر عاماً، إضافة إلى غياب الموظفين العلميين المطلوبين لهذه العملية أو المهمة كمحاسبين قانونيين حائزين على شهادات خبرة. فمعظم موظفي ديوان المحاسبة هم قضاة وبالتالي من الطبيعي أن يتمّ التدقيق بشقّ التجاوزات القانونية وعدم التطرق إلى الأرقام بشكل علمي ومفصل، وتبقى مشكلة الأرقام بلا حلّ ليومنا هذا.

يقال إنه سوف يتمّ عرض حسابات عام 2017 من قبل ديوان المحاسبة على لجنة المال والموازنة، ولكن هذا لا يكفي لدراسة قطع الحساب حيث أنّ الأرصدة الأولية أو Opening Balances هي ذات أهمية كبيرة وهي تابعة لوزارة المالية وغير محدّدة بدقة وبشكل نهائي، وبالتالي ليست مسؤولية ديوان المحاسبة، وبالنتيجة انْ لم تكن قادراً على التوصل الى موازين دخول لا نستطيع التوصل إلى الرصيد الختامي أو Closing Balances وهنا تكمن المشكلة المحاسبية».

وقال: «نشرت جريدة «الأخبار» مؤخراً مقالاً يتناول مرور ستة أشهر من العام الحالي وعدم تمكن وزارة المالية من نشر النتائج المالية لعام 2018، وذلك يؤكد محاولة تعمية الرأي العام عن محاولة إقرار مشروع موازنة 2019. ما قيل هو صحيح وذلك لعدم تمكني شخصياً من الحصول على نتائج السنة الماضية رغم المطالبة المتكرّرة بذلك في كلّ جلسة. فلا يمكن أن نقرّ موازنة ما لم نقارن نفقات الأعوام الماضية مع نفقات الموازنة المقترحة.

وبالتالي مشكلة الأرقام هي أول التحديات لا بل هي فخ من أفخاخ كثيرة سنقوم بسردها بالتفصيل.

العجز والاستدانة

عندما يرتفع العجز في الموازنة، تسعى الدولة الى رفع الاستدانة مما يرفع نسبة الفوائد وخدمة الدين ويرتفع العجز مجدّداً في حلقة مغلقة، الحلقة الثانية هي الاستدانة عند ارتفاع العجز في الموازنة، وبالتالي الانخفاض الحتمي للنمو الاقتصادي وشحّ موارد الدولة وارتفاع العجز مجدّداً. هذه حلقة انفجارية وليست عقدة عنق الزجاجة أو حلقة مفرغة كما يسمّيها الكثيرون.

يعتبر البعض أنّ الموازنة تعكس سياسة الدولة المالية فهذا ليس صحيحاً، لأنّ الموازنة هي مجموعات من التراكمات، فقط الفرق بين عامي 2018 و2019 يعكس التغيير في السياسة المالية للدولة.

كما ذكر في مقدّمة هذا اللقاء انّ الطبقة السياسة هي عينها تحكم منذ ما يقارب الخمسة عشر عاماً، الطبقة الحاكمة نفسها هم زعماء الطوائف وليس خافياً على أحد أنّ رؤساء الكتل هم زعماء الطوائف، وبالتالي هم بالمجموع مسؤولون عن واقعنا في لبنان ولا يمكن ان نقسم المسؤولية بينهم حيث أصبحت الإدارة مسطحة بعد اتفاق الطائف، وأصبح القرار مسطحاً وتوافقياً بين زعماء الطوائف. وكما يُقال «إنْ اختلفوا أحرقوها وان اتفقوا أكلوها».

ولكن تجدر الإشارة الى أنه وفي عدة دول يكون هناك عدة فئات سياسية حاكمة إنما يتمّ الاتفاق بالمضيّ الى الأمام. لكن في لبنان نأسف أننا لم نتوصل حتى الآن الى رقم يتكل عليه، ونحن من أمة وجد فيها أول محاسب في التاريخ، وكان يدعى خورشيد في دولة سومر».

وتابع: «المشكلة التالية او ما أسمّيه فخ الاستدانة حيث ترتفع نسبة الدين من عام 2012 الى عامنا هذا. وعليه، وصلت نسبة الدين الى الناتج المحلي Gross National Product من 130 الى ما يقارب 152 سنة 2018، والمضحك المبكي هو توقعات المؤسسات الدولية على ارتفاع هذه النسبة لتصل الى ما يقارب 160 في عام 2022.

المديونية العامة والفوائد المقنّعة

وضع المديونية يزداد سوءاً حيث يرتفع المدخول انما يرتفع الدين ونسبته يوماً بعد يوم. اذا أخذنا مشكلة الدين في اليونان حيث وصلت نسبتها الى 180 ، وإنما لا يمكن ان ننسى أنّ اليونان أعلن عن إفلاسه، ثم تلقى دعم الاتحاد الأوروبي الذي ساعده على الإبقاء على فائدة 2 . يُقال اليوم انّ نسبة الدين في اليابان وصلت الى 210 ، ولكن يجب لفت النظر انه لا توجد أكلاف دين على اليابان وبالتالي لا توجد مشكلة. بالعودة الى لبنان، نحن نقوم بدفع خمس مليارات ونصف كفوائد أو خدمة دين ناهيك عن الأمور فوائد الديون المقنعة كالهندسة المالية Financial Engineering ، حيث يتمّ امتصاص الفوارق بين ما يريده المصرف المركزي والمصارف التجارية حيث لا يتناسب سعر سندات الخزينة مع تلك المصارف ويتمّ جمع أموال المصارف وإعطاؤها شهادات إيرادات والتزام مصرف لبنان بتغطية الفارق بين سعر سندات الخزينة وما تمّ جمعه من المصارف. هذا شكل من أشكال الفوائد المقنعة».

ولفت سعادة الى «انّ الفخ الأكبر هو تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية، حيث انه من الجيد تثبيت سعر صرف الليرة بدلاً من الخروج من ذلك الفخ لما سيترتب عليه من كوارث مالية. وهذا ما يبرّر حشد مصرف لبنان للتعامل بالليرة اللبنانية وذلك لتخفيف التحويل من الليرة الى الدولار. وهذا يأخذنا الى فخ آخر وهو انخفاض ودائع المصارف وبالتالي العجز عن تمويل الدين وسوف تتفاقم الأزمة اذا بقيت قيمة التحويلات من الخارج على انخفاض. هذا الفخ كلفنا الكثير لكن الخروج منه سيكلفنا أكثر. ألفت النظر الى انّ معظم المصارف الدولية لا تهتمّ بسعر صرف العملة بقدر ما تهتمّ بالنمو والسيولة Money easing وهذا اعتمد في العديد من الدول الأوروبية وأميركا، وللاسف لا تطبق في لبنان وهمّنا الوحيد هو تثبيت سعر صرف الليرة والباقي هو ناتج عن ذلك، فإذا ارتفع الخطر على الليرة ترتفع الفوائد على الليرة والعكس صحيح. يجمع الكثيرون على الإبقاء على هذه السياسة ولكن الى متى؟»

وقال: «بالعودة الى فخ العجز، هناك تخوّف من ضخّ سيولة في السوق حيث من الممكن الوصول الى انفجار مالي، ومن هنا تكمن أهمية سيدر، حيث تسعى الدولة جاهدة إلى ضخّ الاموال، حيث سيتمّ ضخ اموال سيدر التي هي قروض ميسّرة وذات حين بعيد. وهنا نتمنّى الحصول على أموال سيدر التي ستريح الحكومة وتبعد التهديد عن العجز.

الموضوع الذي يجب التطرق إليه وهو انّ ما يقارب 35 من قيمة الدين العام هي بالدولار الأميركي. تقول النظرية المالية الحديثة Modern Money Theory إنه لا يمكن لأيّ دولة ان تفلس بشرط الإستدانة بالعملة المحلية بغضّ النظر عن الفساد او ما شاكل. فالاستدانة بالعملة الصعبة هو ذات تأثير سلبي في حالات التضخم المالي حيث تبقى قيمة الدين كما هي عليه، اما لجوء لبنان للاستدانة بالدولار كان هدفه تثبيت سعر صرف الليرة وهنا يمكننا رؤية حجم الأزمة الواقعة.

اما الفخ الاخر هو تضخم القطاع العام او ما يسمّى Crowding Out وهذا يتمّ بتوظيف أعداد رهيبة في القطاع العام من الموظفين الذين ليس لهم عمل أصلا، وهذا يؤدّي لنمو اقتصادي هزيل نشهده الآن.

كما نعاني من فخ الاستثمار او Investment Trap ولكننا نأمل انّ سيدر سيحلّ هذه المشكلة، حيث وصلنا الى مستوى استثمار متدنّ في البلد. نشأ مصطلح الاستثمار في المتحدات الصغيرة منذ عشرة آلاف سنة حيث كان السكان آنذاك يخبّئون بعضاً من المحصول الزراعي للعام التالي. هذا ما نفتقده حالياً مع العلم انّ الاستثمار الوحيد المهمّ في العصر الحديث هو استثمار البنى التحتية Infrastructure ونحن نفتقده ايضاً».

وأشار سعادة الى «انّ الدولة هي شبكة من العلاقات الإنسانية في إطار قانوني ودستوري ومالي، وهنا يكمن فخ آخر، وهو فخ الموارد البشرية، بالعودة الى حمورابي، الذي قسّم الناس آنذاك الى ثلاثة أصناف: الأخيار والعاديون والعبيد، موظفو الدولة اللبنانية مصنفون هكذا، فتجد موظفاً ذا دخل مرتفع وبالمحاصصة، وهناك الموظف الذي نجح في مباراة مجلس خدمة مدنية راتبه متدنّ جداً بالمقارنة مع الأول، رغم تكافؤ المهارات والخبرة وفي بعض الأحيان التفوق عليها، كما يحصل في أوجيرو والجامعة اللبنانية وغيرها. لا نملك دائرة موارد بشرية في الدولة اللبنانية ولا نستطيع إحصاء عدد موظفي الدولة وهذا شيء معيب.

الإصلاح ابن الناس

إما بما يتعلق بفخ الإصلاح، فالإصلاح هو ابن الناس وطالما الشعب ينتخب طائفياً لا يمكن ان نتوصل الى إصلاح، الذي يبدأ عندما الشعب يقرّر من أين يصلح، منطق الإصلاح يعتمد على المحاسبة والمساءلة. مثلاً من يحاسب وزارة المالية، ومن يحساب محاسبيها المفترضين ايّ ديوان المحاسبة؟ مجلس الخدمة المدنية وغيره يتبعون لرئاسة الحكومة ولا يوجد جهاز او أحد لمساءلتهم. من يحاسب الكازينو والريجي والميدل ايست ومصرف لبنان وكهرباء لبنان وأوجيرو والصناديق والمجالس والمصالح والمنشآت والمرفأ؟ لا أحد يحاسبهم. هذه فطريات ومحميات طائفية وزعاماتية موجودة لا تحاسب ولا تساءل.

هذا موضوع يؤذي سمعتنا أمام الدول المانحة ومثالاً على ذلك هو ردّ أحد المسؤولين الاميركيين في حوار عن الموازنة مع أحد اعضاء وفد لبناني رسمي، How Much is Enough? كم من المال هو كاف؟ الفساد والهدر والجهل معيب ومؤذ جداً، الفساد هو ان تؤجّر إمضاءك لقاء مبلغ من المال، الإصلاح يبدأ من تخفيف النفقات التي لا مبرّر لها كوزارة الإعلام والمؤسسة الوطنية للاستخدام ومصلحة سكك الحديد والصناديق. يجب علينا ان نتخذ إجراءات إصلاحية جريئة جراحية».

وختم سعادة قائلاً: «بالعودة للموازنة وبالمختصر، مؤتمر سيدر يهتمّ لنسبة العجز للناتج المحلي، تقدّر وزارة المالية العجز بـ 7.59 وأنا اقدره بـ 7,8 ، أما تقدير المؤسسات الدولية فهو 10 ، وكي لا تكون كامل الصورة قاتمة وسوداء فلا شك أننا نمتلك في لبنان ثروات عديدة تشكل ضمانة منها الذهب والنفط والغاز حتى لو تأخرنا في استخراجه لكننا متأمّلون ان تكون الرقابة موجودة على مداخليه، بالإضافة إلى التحويلات المالية من الخارج وهذا يشكل ضمانة جدية، أما في موضوع اللاجئين فهذا أيضاً يشكل دعماً مالياً في مكان ما، كما يجب علينا الاستفادة من المضمون المالي والاقتصادي والنقدي من المنافسة الإقليمية الكبرى، إذا عرفنا كيفية إدارته جيداً.

كما نأمل مستقبلاً ان يصبح الشعب اللبناني بأكمله كشعب الكورة يعرف المساءلة والمحاسبة واختيار نوابه».

وختاماً جرى حوار بين النائب سعادة والحاضرين، وأقيم كوكتيل بالمناسبة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى