العرب بين السجن والقتل بمباركة «الديمقراطية الغربية»

د. وفيق إبراهيم

تصفية الرئيس المصري السابق محمد مرسي وتمزيق جسد الإعلامي جمال الخاشقجي في سفارة بلاده السعودية في تركيا، نماذج بسيطة لمسلسل تُصادِر فيه الأنظمة العربية نحو 300 مليون عربي معرّضين لواحد من ثلاثة احتمالات:

العيش بلا إرادة وعقل وعلم أو السجن حتى اشعار آخر او الاغتيال.

فهناك مصادرة كاملة للحياة السياسية في المجتمعات وما على الفرد إلا أن يكون موالياً للسلطة او فارّاً منها أو مرشحاً للقتل والسجن الأبدي.

لا يذهب هذا التوصيف الى الدفاع عن المشاريع السياسية للقتيلين المذكورين، فهما بدورهما كانا ينتميان الى مشاريع سياسية لا مكان للآخر فيها ومارست الاسلوب القاتل نفسه في مراحل قوتها، حتى أنها حاولت اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خمسينيات القرن الماضي وآلاف السياسيين الآخرين.

فهل هذا يعني انّ الثقافة السائدة عند العرب لا تحتمل اعتراضاً مهما كان بسيطاً؟

هذا ما يكشف عن وجود أسباب تاريخية، هو انّ كامل الأنظمة العربية تتشابه في تعاملها مع المعارضات السياسية فلا تحاول حتى مجرد احتوائها، ولا تعمل إلا لتفجيرها بأساليب مختلفة، أبرزها اختلاق اتهامات والزج بقادتها في السجون وصولاً الى اغتيال الخطرين على النظام منهم.

هذا التشابه يؤكد وجود اسباب داخلية يدعمها «الخارج الغربي» لتبقى داعماً للتخلف في المنطقة الممتدة من المغرب وحتى اعالي العراق عند حدود كردستان مع تركيا.

لجهة الأسباب الداخلية، فإن الدول العربية حديثة التكوين تأسست بواسطة التعاون بين المستعمرين وبعض قوى الداخل التقليدي فانبثقت دولٌ تحكمها أوتوقراطيّات تقليدية أو جماعات سياسية كانت تُقلدُ الغرب شكلاً وتسجن شعوبها في المضمون، وتمنع بالتالي أي اندماج بين مكوناتها، ما ابقاها ضعيفة مشتتة تتبع سلطاناً دهرياً أو على شاكلة رئيس للجمهورية لديها صلاحيات الخلفاء.

فالسعودية مثلاً تخضع لقبيلة آل سعود الذين اطلقوا اسم عشيرتهم على الدولة والناس الذين ينتمون بالاصل الى مئات القبائل وابقوها على حالتها الاولى من الانقسامات التاريخية إنما على أساس الطاعة لآل سعود فقط.

وكذلك في الدول الملكية والاميرية الأخرى، حتى في البلدان ذات الطابع الجمهوري التي يصبح فيها الرئيس سلطاناً يسجن الناس في انقسامات القرون الوسطى القبلية والجهوية والطائفية. وهنا يأتي غياب العدالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية سبباً أساسياً في عدم الاندماج الاجتماعي وإبقاء الناس على حالتهم الأولى من الولاء للسلطان الى جانب استمرار الخلافات الاهلية التاريخية.

أما لجهة الدور الخارجي، فإن التغطية الأميركية الاوروبية للدول العربية بكل أشكالها منحت أنظمتها الاستبدادية قوة دعم خارجية كبيرة، ما أعانها على قمع كامل مظاهر التغيير في مجتمعاتها بالقتل والسحل والتجهيل والسجن.

فليست مبالغة تأكيد أن الانظمة العربية قتلت الملايين اغتيالاً وتجويعاً وسجناً ومطاردة وإبادة وسط صمت عالمي مطبق كان لا يستهدف بالتشهير إلا الدول المعادية للكيان الاسرائيلي المحتل او للخليج.

ان اجتماع الدعم الغربي والتفسير المزاجي للدين والانقسامات الاهلية القديمة والنفط، لهي من الاسباب الاساسية الداعمة للاستبداد المطلق عند الانظمة العربية.

وإلا كيف تسكتُ الدول الغربية ولمدة تزيد عن سبعة عقود على جرائم جماعية ترتكبها ملكيات آل سعود وزايد وخليفة وغيرها، فتغتال وتفصل رقاب المعارضين السياسيين وتعتقل النساء المطالبات بحقوق الانسان وتغتصبهن وتصدر احكاماً بالصلب والاعدام على مراهقين كما تمنع حق الكلام حتى همساً وبالتويتر ولم تسمع بالأحزاب والنقابات، وتُبذرُ المال العام على قاعدة أنه ملكها فتوزعه على ابناء آل العائلة والغرب السياسي والشركات ومصانع الاسلحة الوهمية، أما الباقي فتبتاع به ولاء الناس ورجال الدين بالحد الأدنى من الإنفاق. هذه الانماط من الدول يحميها الاميركي الاوروبي منذ 1945 بأشكال سياسية وعسكرية وحتى في إطار المنظمات الدولية والاقليمية وتمنع وسائل الاعلام من التشهير بها، فيصبح القتل عادة «حميدة» في العلاقات بين حاكم أرعن وشعب مستكين.

وهكذا فإن مصر بدورها ومنذ «دحرجها» الرئيس الأسبق أنور السادات نحو الكيان الاسرائيلي في 1979 وأخرجها من النظام العربي، تقوم على عهود رئاسية مغطاة من الحلف الأميركي السعودي، فتتعامل بالتالي مع المصريين على نمط تعامل آل سعود مع السعوديين، أي بالقتل والسحل والأسر في القرون الوسطى.

فيتبين بالاستنتاج ان هناك علاقة بنيوية بين الاسلوب الدموي في اخضاع الناس وبين تغطيته الغربية الاميركية.

اما اسبابها فهو ذلك النفط الخليجي والاستتباع الاقتصادي للغرب على مدى العالم العربي مع الكثير من الاستثناء السوري، فالغرب حريص على هذه الانظمة لانها تمنع مجتمعاتها من التطور الإنتاجي بمنع العلم الفعلي عنها، ما يأسرها ضمن الاقتصاد الغربي الباحث عن مستهلكين لسلعه وأدواته في المناطق المتخلفة.

فهل تكون وفاة مرسي مناسبة لفتح ملفات الارهاب في الأنظمة العربية؟ قد يتواصل ضجيج واستنكارات لمدة محدودة، لكنها لن تصل الى حراك جماهيري إلا اذا قرر الاخوان المسلمون التخلي عن التأييد الأعمى للسياسات التركية وعادوا الى الحركة الشعبية الفعلية التي لا ترى كبير فرق بين أردوغان الرئيس التركي الاخواني الذي يعتقل مئات آلاف الأتراك لاسباب سياسية ويقتل الآلاف ايضاً وبين الرئيس المصري السيسي الذي يتغطى بالحلف الاميركي السعودي لتجميد حركة التطور عند المصريين.

لا بأس هنا من سؤال الغرب الذي يدّعي الديمقراطية كيف تتحول ديمقراطيتكم داخل بلدانكم الى استعمار في البلدان الخارجية مع تأييد للسلطات المستبدة والإرهابية فيها، والى اين وصلت تحقيقاتكم في ملف الخاشقجي؟

دخل الخاشقجي في ملف النسيان مع عشرات الآلاف من أمثاله، وكذلك مرسي، والأمل معقود بحراك جماهيري فعلي ينهي مسألتين: السلطات السياسية الدموية من جهة والتسلط الغربي على العالم العربي من جهة ثانية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى