نحو رؤية شاملة للأزمة الاقتصادية – الاجتماعية في لبنان

غالب أبو مصلح

تكاد الأزمة الاقتصادية البنيوية الشاملة في لبنان أن تنفجر. انهارت مقوّمات الاقتصاد اللبناني. ارتفعت معدلات الدين العام إلى حوالي 200 من الناتج المحلي القائم. تنامى عجز ميزان المدفوعات الجاري، نتيجة انهيار القدرة التنافسية لقطاعات الإنتاج. اتسع نطاق الفقر والبطالة والهجرة. تردّت نوعية الخدمات وكمّيتها، ونما الهدر في المال العام. دار النقاش، وما زال، حول قضايا جانبية مهمة، بحدّ ذاتها، لكنها تمثل نتائج الأزمة البنيوية، لا أسبابها. احتدم النقاش في ظواهر الأزمة، لا في أسسها، وذلك لا يقودنا إلى اكتشاف الأزمة وإيجاد حلول لها. لا بدّ من تقديم رؤية شاملة، ولو باختصار شديد، لطبيعة الأزمة البنيوية، ووضع عناوين لسياساتٍ بديلة عن تلك القائمة في لبنان.

المالية العامة تنمية الواردات

1 ـ تنمية واردات الخزينة، عبر رفع معدلات الضريبة المباشرة، وفرض ضريبة تصاعدية على شطور المداخيل، بحيث لا تقلّ الضريبة على الشرائح العليا عن 50 .

2 ـ وضع ضريبة على الأرباح الرأسمالية على المضاربات على الأسهم والعقارات المحقّقة، أعلى من الضريبة على الأجور والرواتب وأرباح الإنتاج.

3 ـ رفع الضريبة على الإرث، وجعلها تصاعدية، لتصل شطورها العليا إلى 30 على الأقلّ، مع إعفاء صغار الورثة من الضريبة، كما عند توريث منزل سكن عائلي، أو أرض زراعية محدودة المساحة، يملكها الفلاح.

4 ـ توحيد مصادر الدخل للعائلة زوج وزوجة ، وفرض ضريبة الدخل على كامل مصادر الدخل.

5 ـ إلغاء السرّية المصرفية تجاه موظفي وزارة المالية، لتمكينهم من متابعة حسابات الشركات والمصارف والتجار ورجال الأعمال والمهنيين أطباء، محامون، مهندسون، إلخ… ، لجباية الضرائب عن دخلهم الحقيقي.

6 ـ فرض ضريبة على الثروة، اسوة بالعديد من الدول التي عانت الكثير من الخراب والدمار.

7 ـ خفض مجمل الضخ الضريبي من الضرائب غير المباشرة أيّ الرسوم والضرائب على الاستهلاك ، إلى ما لا يزيد عن 20 من مجمل الضخ الضريبي. ذلك من أجل التوزيع العادل للعبء الضريبي على فئات الدخل.

8 ـ رفع الرسوم الجمركية لحماية الصناعات الوليدة والزراعة، بهدف منع إغراق السوق المحلية بسلع مُعانة من الخارج.

النفقات

1 ـ منع أيّ إنفاق من خارج الموازنة، لأيّ وزارة، إلا في حالات الطوارئ، وبعد قرار من المجلس النيابي.

2 ـ إعادة توزيع النفقات على الوزارات والمرافق العامة، بحيث لا يتجاوز الإنفاق الجاري 50 من النفقات العامة، كما كانت الحال في خمسينات القرن الماضي.

3 ـ إخضاع الوزارات والمؤسسات العامة لمؤسسات الرقابة والمحاسبة. تشمل مؤسسات الرقابة والمحاسبة، مجلس النواب وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي ومجلس شورى الدولة. من الضروري أن يقدّم ديوان المحاسبة تقاريره إلى مجلس النواب، وليس إلى رئاسة مجلس الوزراء، كما هو الحال الآن على أن تُنشر هذه التقارير وتُتاح للجمهور.

4 ـ إخضاع مصرف لبنان لمراقبة دورية من قِبل مجلس النواب، حيث يقدّم حاكم المصرف المركزي تقريراً مفصّلاً للمجلس. إعادة صلاحيات مفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان، ليمارس واجبه في مراقبة نفقات المصرف المركزي، إذ يصل نصيب وزارة المالية من الأرباح السنوية لمصرف لبنان، قانوناً، إلى 80 .

5 ـ تخفيض نسبة الإنفاق على المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية. تضخّم هذا الإنفاق، بعد «الطائف»، على مؤسسات «القمع» الداخلي، حتى أصبح لبنان دولةً بوليسية بامتياز. لا يُحمى الأمن بالقمع فقط، بل بالعدالة الاجتماعية أولاً. يجب أن لا يتعدّى الإنفاق على المؤسسات العسكرية 12 من الموازنة، كحدّ أقصى.

6 ـ زيادة الإنفاق على وزارة التربية والجامعة اللبنانية، وحصر الإنفاق التربوي على التعليم الرسمي، بجميع مستوياته، ومنع دفع مساعدات مالية لأقساط أبناء الموظفين في التعليم الخاص. جعل التعليم الرسمي مجانياً في كلّ مراحله، وإلزامياً حتى نهاية المرحلة المتوسطة، مع التأكيد على توسيع وتطوير التعليم المهني، وربطه بحاجات المجتمع والإقتصاد.

7 ـ زيادة الإنفاق على وزارة الصحة، ورفع مستوى المستشفيات الحكومية. بناء تنظيم هرمي من المؤسسات الصحية، من المستوصفات في القرى والبلدات، إلى المستشفيات الإقليمية، إلى المستشفيات الجامعية والمتخصصة، على أن يكون الطب مجانياً وحقاً لكلّ مواطن. منع تعاقد وزارة الصحة مع المسشفيات الخاصة.

8 ـ إعادة إحياء صندوق الدواء في وزارة الصحة، والذي لم تسمح له احتكارات الدواء أن يعمل. إنّ ما تنفقه وزارة الصحة على المستشفيات الخاصة والدواء يكفي لتقديم الخدمات الطبية لجميع اللبنانيين، وبمستوىً جيّد.

9 ـ رفع نصيب وزارة الزراعة من الإنفاق العام، من أقلّ من 1 حالياً، إلى 10 ، وذلك لتأمين الحدّ الأعلى من الأمن الغذائي، والحدّ من هجرة سكان الريف إلى أحزمة الفقر حول المدن، وخفض مستويات البطالة والفقر وسوء التغذية المتصاعدة في لبنان.

10 ـ زيادة الإنفاق على وزارة الصناعة، لإنشاء مناطق صناعية مؤهّلة بالبنى التحتية اللازمة، وربطها بالمنافذ البحرية والبرية، كما بالتجمّعات السكنية القريبة. إنشاء مدارس مهنية تلبّي حاجات هذه المجتمعات لليد العاملة الماهرة والمتخصصة. ربط الصناعات بمراكز البحوث والكليات العلمية في الجامعات.

11 ـ استهداف إعادة توزيع الناتج المحلي، لمصلحة الطبقات الأقلّ دخلاً، عبر سياسات الضرائب والإنفاق الخدماتي والاجتماعي، بحيث يكون وقع السياسات المالية Fiscal Impact يستهدف تضييق فجوة اللامساواة في المجتمع.

السياسة النقدية

تستهدف السياسة النقدية في دول العالم عامةً إلى استقرار سعر الصرف الحقيقي للعملة، بغية الحفاظ على القدرة الشرائية للمداخيل. وتشرف المصارف المركزية، المؤتمنة على السياسة النقدية، على المصارف التجارية والمتخصّصة، كما على المؤسسات المالية، لتأمين سلامتها وأمن ودائع القطاع المنزلي وقطاع الأعمال الخاصة لديها، ولتمكين المصارف من جمع المدّخرات وتوزيعها على قطاعات الاقتصاد، بحيث تعطي أفضل مردود للمجتمع، وبأقلّ كلفة ممكنة. فالمصرف هو الوسيط بين المدّخر والمستثمر، ويجني أرباحه من الخدمات التي يؤدّيها لزبائنه، كما من الفروقات بين الفائدتين، الدائنة والمدينة.

تتحكم المصارف المركزية بكميات النقد المتداول، كما بالعملات الأجنبية، عن طريق تدخلها في سوق القطع. تتحكم المصارف المركزية، بالتالي، بكمية الأموال في الأسواق، وبكلفة هذه الأموال أسعار الفائدة المعمول بها ، بحيث تؤدّي إلى نمو اقتصادي مطلوب، دون إحداث معدلات مرتفعة من التضخم. يستطيع المصرف المركزي توجيه التوظيفات إلى قطاعات اقتصادية مستهدفة عبر خفض فائدة الحسم لهذه القروض، أو عبر دعم فائدة الإقراض لها.

أما في لبنان، وخاصة بعد سنة 1992، تغيّرت السياسة النقدية بشكل كبير. بدلاً من أن يكون المصرف المركزي هو المشرف والقائد للمصارف، خدمةً للاقتصاد اللبناني، أصبحت جمعية المصارف هي المقرّرة والقائدة والمسيطرة على المصرف المركزي. أصبح هدف السياسة النقدية زيادة ربحية المصارف، على حساب المالية العامة وقطاعات الاقتصاد اللبناني ونموّها. رُفعت معدلات الفائدة الجارية والحقيقية على سندات الخزينة إلى مستويات غير مسبوقة. تشكل الفائدة على سندات الخزينة العمود الفقري لبنية هيكلية الفوائد في السوق المالية. تتطلّب التنمية الاقتصادية، خاصة بعد الحروب والكوارث، خفض الفائدة الحقيقية إلى حوالى الصفر، لتشجيع التوظيف المنتج. لكن مصرف لبنان رفع الفائدة الحقيقية، بعد الدمار الشامل الذي أحثته الحرب الأهلية والاجتياح «الإسرائيلي» -الأميركي للبنان، إلى أكثر من 18 ، تعظيماً لربحية المصارف، ولاستقطاب الأموال من الخارج، لحساب الخزينة.

تعمل المصارف المركزية في بلدان العالم على تثبيت سعر الصرف الحقيقي للعملة الوطنية، للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، وللحفاظ على القدرات التنافسية لقطاعات الإنتاج، في السوق المحلية، كما في الأسواق الخارجية. ربط مصرف لبنان سعر صرف الليرة بالدولار. لكن سعر صرف الدولار يتغيّر بشكل حادّ تجاه عملات أكبر شركائنا التجاريين في العالم. اتبعت الولايات المتحدة في تسعينات القرن الماضي سياسة «الدولار القوي»، لجذب أموالٍ من الخارج، نتيجة عجز ميزان المدفوعات الجاري لديها، كما لأسبابٍ سياسية خارجية عدوانية. ارتفع سعر الصرف الحقيقي لليرة اللبنانية نتيجة ربط الأخيرة بالدولار، وبحدود 100 خلال التسعينات. لهذا السبب، وبسبب الفوائد الحقيقية المرتفعة، هبط معدل النمو الإقتصادي إلى حوالى الصفر في نهاية التسعينات، بدلاً من 8 المستهدف في مشروع «آفاق 2000»، الذي وضعته شركة بيكتل الأميركية، مع دار الهندسة، وبموافقة مجلس الإنماء والإعمار. كما سبّبت هذه السياسة إفلاس العديد من مؤسّسات الإنتاج، وتدهور قطاع الزراعة، نتيجة تراجع القدرات التنافسية لقطاعات الإنتاج السلعي اللبناني. ارتفع عجز ميزان المدفوعات اللبناني، وارتفعت ربحية المصارف بشكلٍ كبيرٍ جداً، كما ارتفع الدين العام بنسبٍ عالية، نتيجة زيادة الإنفاق الجاري من خارج الموازنة، وتفشى الهدر والفساد، وغابت الرقابة والمحاسبة.

فُتِح الباب واسعاً لتملّك الأجانب حصصاً مسيطرة في المصارف اللبنانية الكبرى. يمكن السيطرة على الشركات والمؤسسات المساهمة بتملّك أقلّ من 15 من أسهمها. تملك بعض المصارف الأجنبية الكبرى أكثر من 30 من أسهم أكبر المصارف اللبنانية، بحيث أصبحت هذه المصارف تتحكم بمفاصل الإقتصاد اللبناني.

ابتدع مصرف لبنان «الهندسة المالية»، كما أصدر «شهادات الإيداع» للمصارف، وأخذ يدفع فوائد فاحشة على ودائع المصارف التجارية لديه. لذلك، حوّل مصرف لبنان، بهذه الآليات، أرباحه السنوية البالغة أكثر من 4 مليارات دولار إلى المصارف التجارية حصة الخزينة اللبنانية تبلغ، قانوناً، 80 منها ، بجانب أموال للخزينة، عبر «الهندسة المالية»، بلغت 5.5 مليار دولار في سنة 2016 فقط.

الإدارة العامة

شُلَّت الإدارة العامة وأُفسِدت بعد «الطائف» ومع وصول رفيق الحريري إلى السلطة، وذلك عبر السياسات التالية:

1 ـ تعطيل دور مجلس الخدمة المدنية، ليتمّ التوظيف عبر الاستزلام السياسي لقادة الطوائف والميليشيات الطائفية.

2 ـ تعطيل أجهزة المراقبة والمحاسبة وشلّ عمل الإحصاء المركزي، لإخفاء الواقع المتدهور، تحت شعار «ترشيق الدولة».

3 ـ بعد إلغاء وزارة التصميم، في سبعينات القرن الماضي، تمّ إنشاء مجلس الإنماء والإعمار. وُسِّعت صلاحيات مجلس الإنماء والإعمار في بدايات التسعينات من القرن الماضي، بحيث أُعطي مهام التخطيط والإستدانة وتنفيذ المشاريع الكبرى، دون مراقبة أو محاسبة من أي جهة.

4 ـ إتباع سياسات الخصخصة، بقانون ودون قانون، علناً وسراً، كلياً أو جزئياً، لبعض القطاعات، مثل البريد واستيراد المشتقات النفطية وإنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية ومياه الاستهلاك المنزلي والنقل العام والهاتف، إلخ…

5 ـ خُفِّض عدد الموظفين العامين، وإفراغ العديد من الوزارات من كوادرها، بنسبة 70 كمتوسط. شُلّ عمل هذه الوزارات، وتمّ توظيف متعاقدين بدلاً من الموظفين، وبرواتب مرتفعة جداً، ودون مباريات، وبإشراف ووصاية البنك الدولي.

6 ـ تمّ توظيف أعداد كبيرة من الذين لا عمل لهم ولا دوام خدمة، من التابعين لقادة الميليشيات الطائفية المتناحرة.

7 ـ تمّ تلزيم المشاريع دون مناقصات، بالتراضي، وبأسعار جدّ مرتفعة، ودون رقابة على التنفيذ.

8 ـ حمت الطوائف وميليشياتها كبار المرتكبين وصغارهم، من الموظفين في الإدارات العامة، من رتبة وزير إلى رتبة حاجب.

بجانب كلّ ذلك، جرى تمويل الاحتكارات الكبرى كالمصارف ومستوردي الأدوية ووكلاء الشركات الأجنبية للطبقة الحاكمة، مما جعل من الفساد بُنيةً شاملة متداخلة مع البنية السياسية والاقتصادية، تمسك بالمجتمع وبالنظام، وتعيد توزيع الناتج المحلي لمصلحة الأثرياء و»الزعران» في لبنان.

إنّ وجود إدارة مستقلة عن البنية السياسية الطائفية، ذات حصانة، يتمّ اختيارها بمقياس الكفاءة، بل خاضعة فقط للمراقبة والمحاسبة الدورية، وتخضع للتأهيل الدائم، هي شرط لنهوض الوطن وتنميته. هذه الإدارة غير موجودة في لبنان.

السلع والخدمات العامة

ارتفع الإنفاق على الخدمات العامة بنسبٍ مرتفعة من الموازنة، كما من الناتج المحلي القائم. واكب زيادة الإنفاق تردّ كبير في قطاع السلع والخدمات العامة، وبرز العديد من الأزمات، كما في المواصلات والمياه والكهرباء ومعالجة النفايات وتلوّث الأنهار والشواطئ وتردّي التعليم العام والخدمات الصحية العامة. لم تستطع آليات السوق الحرة، التي تبشّر بها الليبرالية الجديدة، ولا «اليد الخفية» التي تؤمن بها الطبقة الحاكمة في لبنان تقليدياً، أن تقدّم حلولاً لهذه المشاكل. عجزت الحكومات المتتالية، منذ ربع قرن، عن تقديم حلول لتردّي هذه القطاعات الخدماتية. عجز الحكم، أو لم يرغب أساساً، بوضع خطط قصيرة أو متوسطة المدى لمعالجة هذه الأزمات التي تحتاج إلى الدراسة والتخطيط.

قطاعات الإنتاج السلعي

سياسات مقترحة لقطاع الصناعة:

1 ـ إنشاء مناطق صناعية متخصّصة، مرتبطة بشبكة مواصلات واتصالات حديثة، وذات بنية تحتية متكاملة مياه وطاقة كهربائية وبنية تحتية معلوماتية وصرف صحي وتأمين مدخلات الإنتاج ومراكز صحية وتعليم مهني، إلخ…

2 ـ تفعيل مؤسسة المواصفات والمعايير، لتحديد مواصفات المستوردات من السلع المصنّعة ونصف المصنّعة والخام، وتحديد مواصفات الإنتاج المحلي. ذلك لحماية المستهلك اللبناني، وحماية الصناعة المحلية من الإغراق بسلع أقلّ جودة وأدنى سعراً، كما يجري حالياً، وحماية سمعة الصناعة اللبنانية في الخارج، وحماية جودة وسمعة الصادرات الزراعية.

3 ـ تأمين التمويل المتوسط وطويل الأجل، عبر إحياء المصارف المتخصّصة التي تساهم بها المالية العامة، وتعديل قوانينها لتمكينها من استقطاب الودائع من الجمهور، بالشروط التي تتمتع بها البنوك التجارية، والتسليف لآجال طويلة، بفوائد ثابتة أو عائمة، وقروض مقيّمة بسلّة من عملات شركائنا التجاريين، مثقلة بنسب الاستيراد بهذه العملات، لتمكين المصارف المتخصّصة من الحفاظ على رؤوس أموالها إبان اضطرابات الأسواق.

4 ـ حماية الصناعات الوليدة بالرسوم الجمركية، لسنوات قد تمتدّ لأكثر من 15 عاماً، حسب نوع الصناعة. كما يمكن دعم هذه الصناعات بالقروض المدعومة وسنوات سماح طويلة، إلى أن تصل هذه الصناعات إلى الربحية.

5 ـ إعفاء مدخلات الإنتاج من الرسوم الجمركية، وكذلك قطع الغيار للمعدات والآليات.

6 ـ السعي لإقامة سوق عربية واحدة، تؤمّن اتساع السوق الضروري لإقامة اقتصادات الحجم.

7 ـ تغيير قوانين الشركات المساهمة لحماية حقوق صغار المساهمين، والتي يبتلعها الآن كبار المساهمين.

مقترحات سياساتية لقطاع الزراعة

1 ـ الإصلاح الزراعي: أكثر من 35 من الأراضي الزراعية في لبنان هي عبارة عن ملكيات كبيرة، تؤجَّر للفلاحين، خاصة في سهل البقاع وسهل عكار والشريط الساحلي. من الضروري تحديد سقف لحجم الملكية الزراعية، وتوزيع الأراضي على الفلاحين. كما من الضروري تحديد إيجار الأرض ومدة عقد الإيجار، بدل الإيجار السنوي القائم حالياً.

2 ـ إقامة سدود لتخزين مياه الأمطار، وأقنية ري لتوزيع المياه على الأراضي وبيعها للفلاحين بأسعار معقولة. من الضروري أن يستهدف لبنان تخزين 85 من الهواطل، بدل 5 حالياً، ليصل إلى مستويات التخزين في الشرق الأوسط.

3 ـ تأمين الإرشاد الزراعية المجاني وفحص التربة من قبل الوزارة، وتقديم الوزارة الشتول والنصوب الحديثة المثمرة، ذات المردود الأعلى، والمقاومة للأمراض، والمطلوب ثمارها في الأسواق الخارجية وذلك بأسعار رمزية للفلاحين.

4 ـ إحياء المشروع الأخضر لاستصلاح الأراضي، كما إحياء المشروع الأزرق، الذي وضعه خبراء وزارة الزراعة، وتمّ إسقاطه عبر حجب التمويل عنه. يرفع المشروع الأخير إنتاج السمك في لبنان تربية وصيد من 3.5 ألف طن في السنة إلى أكثر من 35 ألف طن. يمكّن المشروع من حصول الفلاحين على أسماك صغيرة تعيش في المياه العذبة الساكنة، ويمكّن صيادي الأسماك من بناء قوارب متوسطة الحجم للصيد في أعالي البحار، بالإضافة إلى تربية الأسماك في مزارع على الشاطئ. يولّد هذا المشروع عملاً لآلاف الصيادين والفلاحين، ويحسّن سلة الغذاء اللبنانية، ويخفّض من عجز الميزان التجاري. كلفة المشروع متواضعة نسبياً.

5 ـ حماية الإنتاج الزراعي من الإغراق عبر استيراد سلع معانة بأعلى من الرسوم الجمركية في لبنان.

6 ـ إلغاء اتفاقية «الشراكة» مع السوق الأوروبية المشتركة، المجحفة جداً بحق لبنان. يتمّ دعم الزراعة في السوق الأوروبية بمعدل 35 من قيمة إنتاج القطاع، وتصل قيمة الدعم لإنتاج الحليب ومشتقاته في سويسرا مثلاً إلى 52 ، في الوقت الذي تفرض فيه هذه الاتفاقية على لبنان أن لا تتعدّى الرسوم الجمركية على المنتجات الزراعية 5 ، ليتراوح معدّل الإغراق في سوق الإنتاج الزراعي اللبناني ما بين 30 و40 من قيمة الإنتاج. دفعت هذه السياسة إلى زيادة استيراد الإنتاج الزراعي، وإفلاس المزارع اللبناني، أو إفقاره على الأقلّ، ودفع معظم الفلاحين إلى ترك الأرض والهجرة إلى أحزمة الفقر في ضواحي المدن.

7 ـ لحلّ مشكلة الزراعة، من الضروري إقامة «تعاونية زراعية» على صعيد لبنان، لها فروع في كلّ محافظة. يموّل القطاع العام إنشاء هذه التعاونية، ويدعم عملها. تُراقَب هذه التعاونية من قبل وزارات الزراعة والصناعة والتجارة. تعمل هذه التعاونية على تأمين:

أ ـ مدخلات الإنتاج الزراعي بأسعار الكلفة تقريباً، وخاصةً الأسمدة والأدوية والشتول والبذار.

ب ـ تقديم القروض الموسمية للمزارعين، بفوائد بدل فوائد الربى والكونتوارات الزراعية، التي يصل معدل فوائدها إلى 150 سنوياً.

ج ـ تقديم الاستشارات للفلاحين الزراعات الأنسب للأراضي، من حيث المناخ والتربة والإرشاد الزراعي الدائم، بالتعاون مع وزارة الزراعة.

د ـ المساعدة على تسويق الإنتاج التعاوني محلياً وخارجياً استهلاك، تبريد، تخزين، تصدير، تصنيع .

هـ ـ على الدولة أن تضمن حداً لأسعار بعض الإنتاج، مثل القمح والزيت والبطاطا.

النفط

1 ـ إعادة بناء مصفاتي النفط في الزهراني وطرابلس، ورفع طاقاتهما الإنتاجية، لسد حاجات السوق المحلي وتصدير المشتقات النفطية.

2 ـ استعادة القطاع العام مهمة استيراد وتصدير النفط والمشتقات النفطية، والتي تخلّت عنها الحكومة إلى شركات واحتكارات محلية وخارجية.

الطاقة الكهربائية

تُعَدّ الطاقة الكهربائية من صناعات الحجم. كلما كبر حجم المصنع، تدنّت كلفة الإنتاج فيه. يتجه العالم كله الآن نحو تشجيع إنتاج الطاقة المتجدّدة رياح، شمس، إلخ… والطاقة النووية، الأرخص والأقلّ تلويثاً للبيئة. يشكّل سعر الطاقة موضوعاً أساسياً بالنسبة للقدرات التنافسية للصناعات المحلية، كما لإنتاج العديد من الخدمات، ناهيك عن حاجات القطاع المنزلي المتصاعدة للطاقة. فالطاقة الكهربائية قطاع استراتيجي، لا يجوز أن يكون قطاع متاجرة للقطاع الخاص، الذي لا يهتمّ سوى بتعظيم ربحه، ولو على حساب الآخرين.

يتسع نطاق الربط الكهربائي بين دول الشرق الأوسط وأوروبا والمغرب العربي. بإمكان هذا الربط توليد الطاقة من الغاز الطبيعي المصاحب للنفط، وتصدير الطاقة الكهربائية بأقلّ من كلفة إنتاجها في لبنان. من مصلحة لبنان أن يستورد معظم الطاقة الكهربائية، أو جزءاً كبيراً منها، ويولّد الباقي من الطاقة المتجدّدة، لخفض استيراد النفط والمشتقات النفطية من ناحية، وحماية البيئة من ناحية أخرى. يمكن أن يبقي لبنان مصانع الطاقة الموجودة حالياً، مع تأهيلها، كطاقة احتياطية، بعد الربط الكهربائي مع الخارج.

من الضروري وضع خريطة للرياح في لبنان، وتشجيع صناعة التوربينات الهوائية محلياً، مع استيراد بعض مكوناتها كعلبة التروس ، ودعم استيراد وتركيب الألواح الشمسية ذات الكفاءة العالية، للاستعمال في المؤسسات والمنازل والمصانع الصغيرة.

بين القطاع العام والقطاع الخاص

أظهرت تقارير البنك الدولي أنّ الدول الناشئة التي اعتمدت نظام «رأسمالية الدولة» حققت نمواً أعلى بكثير من الدول التي اعتمدت الليبرالية الاقتصادية. يدحض ذلك كلّ ما يُقال عن عدم كفاءة القطاع العام، وبالتالي ضرورة إخراجه من النشاط الاقتصادي. بعض الحكومات تعطل القطاع العام لإظهار عجزه. ثم أنّ القطاعات الاستراتيجية، حتى في الدول الليبرالية المتقدّمة، كفرنسا وألمانيا، أبقت للقطاع العام السيطرة على الموانئ والمرافئ والكهرباء والنقل العام والاتصالات والنفط والطرق العامة والبريد وما إلى ذلك. كما أنّ هناك سلعاً وقطاعات استراتيجية يجب وضعها خارج آليات السوق، إذ يشكّل نتاجها حقاً لكلّ مواطن، تقدّمه الدولة دون سعر كلفتها، أو حتى دون مقابل، مثل التعليم، بجميع مراحله، والقطاع الصحي والأدوية في العيادات والمراكز الطبية، والمياه المنزلية. أما الدعوة إلى التشاركية فهي أسوأ من سياسات الخصخصة، إذ يعطي القطاع الخاص ما هو مربح، ويترك للقطاع العام ما هو خاسر.

تغيير القوانين

1 ـ تغيير قانون الإثراء غير المشروع، وتحريره من المعوقات المقصودة أمام تطبيقه.

2 ـ تحرير قانون الانتخابات النيابية من القيد الطائفي، وجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة.

3 ـ تحرير الترشح لعضوية المجلس النيابي من قيد «الضمانات» المالية، والاستعاضة عن هذه «الضمانات» بحدّ أدنى من تواقيع التأييد للترشيح، ليكون جدياً، وفتح وسائل الإعلام أمام المرشحين بالتساوي، مع وضع سقف للإنفاق الانتخابي.

4 ـ إلغاء قانون السرية المصرفية، الذي وُضع في الأصل لتمكين الأثرياء من التهرّب من الضرائب، وكذلك الشركات ومختلف المؤسسات.

5 ـ إلغاء قانون حماية الوكالات الحصرية لم يُلغ فعلياً حتى الآن، بالرغم من إقرار إلغائه في المجلس النيابي ، ووضع قوانين تمنع الاحتكارات وتلاحق المحتكرين.

6 ـ ترفع البنى الاحتكارية في لبنان كلفة المعيشة بنسبة لا تقلّ عن 35 . تشمل الاحتكارات كلّ القطاعات، مثل المصارف، ومستوردي الأدوية للبشر وللزراعة، والاستشفاء، ومشتقات النفط والغاز، وبعض المواد الغذائية، ومواد البناء المستوردة والمنتجة محلياً الإسمنت والرمل والبحص ، مدخلات الإنتاج الزراعي، السيارات، إلخ…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى