منى فارس: الطوائف تقف بين المواطن ودولته مما يكرّس الفروقات واللامساواة

شاركت رئيسة تجمع النهضة النسائية منى فارس في حلقة حوارية، دعت إليها جامعة MUBS، بعنوان «العنف ضدّ المرأة اللبنانية… وقائع ومقاربات علاجية».

وألقت فارس كلمة فنّدت فيها الوقائع المتصلة بموضوع «العنف ضدّ المرأة»، وقالت: «أودّ في بداية هذه الحلقة الحوارية أن أحيّي جهود الجمعيات والمجتمع المدني وبالتحديد الجمعيات التي كرّست وقتها وجهدها لمواجهة موضوع العنف ضدّ المرأة كجمعية كفا وأبعاد على سبيل المثال لا الحصر وتوصلت الى تكريسه قضية مركزية.

وقالت: أنا آتية من تجمع النهضة النسائية الذي تأسّس إبان الحرب الأهلية في السبعينات من القرن الماضي، وككل الجمعيات آنذاك واكب حاجات الناس في زمن كانت مؤسسات الدولة شبه غائبة أو مشلولة وكان المجتمع بأجمعه ضحية العنف وليس المرأة وحدها ولو كانت الطرف الأضعف».

أضافت: «بحكم تواجد التجمع في مختلف المناطق الريفية وبالتحديد في مناطق زراعية انكب على القيام بنشاطات إنمائية تساهم في مساعدة المرأة بشكل خاص والعائلة بشكل عام على تعزيز دخلها وتمكينها اقتصادياً ولو على طريقة البحصة التي تسند الخابية، فنحن نقوم بدورات تدريبية تساهم في تعزيز قدرات النساء المهنية وتمكينهن اقتصادياً. إضافة إلى نشاطات توعوية كندوات متخصصة سواء صحياً أم ثقافياً أو وطنياً وسياسياً».

وتابعت: «بالعودة إلى موضوع «العنف ضدّ المرأة» فالتجمع بالطبع ولو لم يكن متخصصاً في هذا المجال لكنه كان ساند كلّ التحركات التي أدّت في هذا المجال إلى بعض المكاسب القانونية والإعلامية، لأنّ لبنان كان مصنّفاً حسب أحد التقارير العالمية في المرتبة 135 على 144 بلداً بالنسبة لمشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية.

ولكي أعطي هذا الموضوع حقه رجعت إلى الخطوات الأولى لمواجهته وتعريفه، وبالعودة لمنظمة الصحة العالمية يعتبر العنف ضدّ النساء مسبّباً لموتهن بنسبة أعلى من السرطان وحوادث الطرق، وللأسف فإنّ هذا العنف حالة تتجاهلها تقريباً كلّ مجتمعات العالم، فالملاحقات والمحاكمات التي تطال الرجال المعتدين نادرة قياساً لحالات الاعتداء المتكرّرة، فيكون هذا العنف وسيلة لترسيخ تبعية المرأة وتهميشها».

وأشارت فارس إلى «التوصيف الرسمي الذي صدر من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1993 هو التالي: كلّ أعمال العنف الموجهة ضدّ النساء والتي سبّبت أو تسبّب أذى أو ألماً جسدياً جنسياً أو نفسياً، ومن ضمنها التهديد بذلك، الإكراه أو الحرمان من الحرية سواء في الحياة العامة أو الخاصة، وهي تشمل دون أن تكون محدودة العنف الجسدي الجنسي والنفسي الذي يمارس داخل العائلة بما فيها التعديات الجنسية التي تتعرّض لها الفتيات القاصرات داخل العائلة، كما العنف المرتبط بالمهر والختان وكلّ العادات والتقاليد المشابهة المسيئة للمرأة، وكذلك العنف غير الزوجي المرتبط بالاستغلال والعنف الجنسي والنفسي الذي يمارس من قبل المجتمع خارج العائلة بما فيها الاغتصاب والتحرّش الجنسي في العمل والمؤسسات التربوية، الدعارة الإلزامية، وكلّ الممارسات العنفية الجنسية والنفسية التي تغضّ الدولة عنها النظر.

وتابعت فارس قائلة: انّ إيجاد تحديد وتوصيف دقيق للعنف ضدّ المرأة، وإيجاد أدوات قياس على صعيد اجتماعي ووطني ودولي، ضروري لتفعيل وسائل التحسيس ومساعدة صانعي القرار على تفهّم المشكلة وتوجيه سياسات التدخل، بالرغم من دقة هذا التشخيص وصعوبته. فهذا التشخيص لا يجب أن يكون محدوداً بمراكز الشرطة أو مراكز الإيواء والمراكز الرسمية، إنما يجب أن يعمّم على المجتمعات ويجب أن يوحّد هذا التوصيف بحيث لا يجب التوقف فقط عند العنف الجسدي وإنما يجب أن يشمل العنف النفسي والعقلي والاجتماعي.

بالعودة إلى مناهضة هذا العنف عالمياً نعود إلى العام 1946 إذ شكلت في الأمم المتحدة لجنة شؤون المرأة لدراسة وضع المرأة وتظهير حقوقها، وبعد أكثر من عشر سنوات توصلت إلى أكثر من إعلان شرعة بهذا الخصوص وبالتحديد «شرعة القضاء على مختلف أنواع التمييز ضدّ المرأة» التي هي المادة القانونية الأساسية للتحرك في هذا المجال.

عام 1979 تمّ تبني هذه الشرعة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وفي أيلول من العام 1981 طبقت هذه الشرعة بعد أن تمّ قبولها من 20 بلداً. وفي العام 1985 تعهّدت حوالى 100 دولة باحترام بنودها».

وعن كيفية تعاطي المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في لبنان مع هذا الموضوع، قالت فارس: «أما في لبنان، فقد نشط المجتمع المدني والجمعيات الأهلية لتسليط الضوء على هذه المشكلة ومواجهتها خصوصاً بعد جرائم عنف منزلي وقعت ضحيتها سيدات كرلى يعقوب التي قتلها زوجها وغيرها الكثيرات.

كما نجح إعلامياً بترسيخ مفهوم المساواة بين الجنسين عبر كليبات ومسرحيات وملصقات كبيرة على الطرقات لهذه الجمعيات.

وبعد مسيرة طويلة تبنّى البرلمان اللبناني القانون حول العنف المنزلي في العام 2014، ولكن بالرغم من تبنّيه لهذا القانون تفادى جرائم الاغتصاب الزوجي، وأيضاً بفضل نضال هذه الجمعيات تمكّنت في العام 2017 من إلغاء المادة 522 من القانون الجزائي التي تسمح للمغتصب بالزواج من ضحيته مما يسمح له بتفادي الملاحقة القانونية.

ولكن ما زال هنالك ثغرات في هذا القانون في ما يتعلق بالعلاقات الجنسية مع القاصرات والمغرّر بهن مع الوعد بالزواج.

كما انه أضيفت المادة 26 التي تجيز بأن تكون قرارات المحاكم الزوجية الأولوية على القانون المدني ولكن تمكّنت الجمعيات من إزالة هذه المادة. من هنا ندخل على موضوع أساسي وبنظري انّ المشكلة والعائق الرئيسي أمام تحقيق المساواة وتطبيق الديمقراطية في هذا البلد.

فبدون قانون موحد للأحوال الشخصية فإنه وكون الدستور اللبناني لا يتطرق لحقوق العائلة فإنّ وضع المرأة متروك لتحكيم الثماني عشرة طائفة في البلد، وهذه الطوائف تقف بين المواطن ودولته، وبالتالي فإنّ كلّ امرأة تتمتع وفقاً لطائفتها بقوانين مختلفة في قضايا الزواج وحقوقه والنفقة وحضانة الأطفال، وهذا الوضع يعزز الفروقات واللامساواة بين الجنسين».

وختمت فارس قائلة: «بناء على كلّ ما تقدّم في مداخلتي أرى أنّ المطلوب:

ـ إلغاء الفروقات المرتبطة بقوانين الأحوال الشخصية، لأنّ ربط حقوق المرأة بالقوانين الدينية أضفى على هذه العملية تعقيدات كثيرة وحوّلها الى عملية صراع حضارات بين الشرق المحافظ والغرب المتفلت.

ـ منح الاولاد من أمّ لبنانية الجنسية.

ـ وضع حدّ للعنف بما فيه الاغتصاب.

ـ وضع حدّ للإتجار بالبشر وحماية حقوق العاملات الأجنبيات المنزليات وإعادة النظر بنظام الكفالة.

ـ وضع قانون واضح لمحاربة الدعارة وخصوصاً التسوية. للوصول إلى هذه الخلاصات القانونية يبقى العمل على العقلية والتربية هو الأهمّ».

وحاضر في الندوة كلّ من رلى زعيتر عن تجمع النساء الديمقراطي، سحر سمهون عن منظمة أبعاد، وربى شكر عن تجمع نساء رائدات، بحضور عميدة الجامعة الدكتورة هدى سليم وممثلات عن الأحزاب والجمعيات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى