رفيق صالح لـ «البناء»: ما يُرصد من استثمارات للزراعة ضعيف جداً لولا دعم سورية للمركز لكان الوضع مأساوياً… غياب التنسيق بين العرب سبب العجز الغذائي الكبير

دمشق ـ إنعام خرّوبي

في وقت تغرق فيه الدول العربية في وحول الحروب، تمويلاً وتأثيراً ومعاناة، نجد أنّ معظم هذه الدول عاجزة أو غافلة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير الأمن الغذائي لشعوبها، حتى أنّ العرب يستوردون أكثر من نصف حاجاتهم الغذائية الأساسية، وكانت سورية قبل اندلاع الحرب الكونية عليها الدولة الوحيدة التي وصلت إلى مرحلةٍ من الاكتفاء الذاتي في مواردها ومنتجاتها داخل نظام اقتصادي مُتنامٍ مُعتمد على الزراعة بشكلٍ أساسي، فهي لم تكن فقط تكتفي زراعياً بل كانت تُصدّر العديد من المنتجات الزراعية كالقمح والفواكه والخضروات إلى دولٍ عربية وغير عربية، فاحتلت المرتبة السادسة عالمياً في إنتاج الزيتون، والعاشرة في إنتاج القطن، إضافة إلى محاصيل أخرى شكّلت مع سابقتها ما يُقارب نسبة 26 في المئة من الدخل القومي خلال السنوات الأخيرة التي سبقت اندلاع الحرب.

فما هو سبب العجز الغذائي في الدول العربية وهل ساهمت الحروب والانقسامات وغياب التنسيق في ما بينها في تفاقم هذا العجز؟ ما هو واقع الزراعة في هذه الدول؟ وكيف أثرت الحروب والاضطرابات الأمنية عليه؟

عند السؤال عن إمكانية معالجة هذا الواقع، يبرز دور المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة «أكساد» الذي تأسّس عام 1968 بناء على قرار مجلس جامعة الدول العربية. ويهتمّ المركز الذي باشر عمله في 25 أيلول 1972 في العاصمة السورية دمشق بتحويل المناطق الجافة وشبه الجافة إلى مناطق إنتاجية، كما ترتكز استراتيجيته على تنمية الموارد البشرية العاملة في مجال التنمية المستدامة والمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية، خاصة أنّ أكثر من 80 في المئة من مساحات العالم العربي تقع في هذه المنطقة.

يتحدث المدير العام لـ»أكساد» الدكتور رفيق علي صالح لـ «البناء» عن دور المركز الذي تشرف عليه جمعية عمومية تتألف من وزراء الزراعة العرب الأعضاء ومجلس تنفيذي منتخب مؤلف من سبعة ممثلين عن سبع دول عربية أعضاء ويعمل في اتجاهات مختلفة تخدم الزراعة العربية.

الإنتاج النباتي

على صعيد الإنتاج النباتي، يشير صالح إلى «أنّ أكساد استنبط، حتى اليوم، 26 صنفاً من الأقماح القاسية والطرية»، موضحاً «أنّ أصناف المركز لها العديد من المواصفات المهمة فهي أولاً مقاومة للجفاف وهذا يعني أنها تعطي إنتاجية جيدة في المناطق التي يتراوح معدل الهطول فيها بين 250 إلى 350 ملم وتعطي أكثر من 2 طن/هكتار وهذا أمر مهمّ جداً لهذه المناطق».

ويضيف: «الدول العربية الآن تزرع مئات آلاف الهكتارات من هذه الأصناف. وجدير بالذكر أنّ الأصناف التي تُعتمد تُوزَّع بكميات محدودة على الدول العربية، ومؤسّسات أكساد تكاثر بذار هذه الأصناف وتوزّعها على الفلاحين وتتابع زراعتها وإنتاجيتها في الدول العربية».

ويتابع: «بالإضافة إلى مقاومتها للجفاف فإنّ أصنافنا مقاومة لأمراض القمح الخطيرة التي تُسمّى الأصداء والتفحُّمات، ولا يتمّ اعتماد صنف معيّن حتى تُختبر مقاومته لهذه الأمراض التي تؤدّي في بعض الدول أحياناً إلى كوارث. ففي سورية مثلاً، أدّى «الصدأ الأصفر» عام 2010 إلى خسارة 30 في المئة من إنتاج القمح وأصنافنا كانت الوحيدة التي قاومت هذا المرض».

أمّا بالنسبة إلى أصناف الشعير، يشير صالح إلى «أنّ عددها أقلّ من الأقماح وقد اعتمد «أكساد» 12 صنفاً من الشعير في أغلب الدول العربية المهتمة بالحبوب، بالإضافة إلى الذرة البيضاء وهي أيضاً مقاومة للجفاف ونوزّع منها سلالات على الدول العربية».

غياب التنسيق الزراعي

«يتراوح العجز الغذائي بالمواد الزراعية في الدول العربية بين 42 و45 مليار دولار حيث يستورد العرب كلّ عام بأكثر من 40 مليار دولار»، يقول صالح شارحاً أنّ العجز «هو في القمح بشكل رئيسي والزيوت النباتية والسكر ومشتقات الألبان، وإنّ سبب العجز هو غياب التنسيق، بشكل كامل، بين العرب في موضوع الزراعة، وأنّ الشيء المشترك والرئيسي هو ما تنتجه المنظمة وتوزّعه على الدول العربية».

ويلفت مدير عام «أكساد» إلى «أنّ ما يرصد من استثمارات للزراعة ضعيف جداً، فالقطاع الخاص لا يرغب كثيراً في الاستثمار بالزراعة لأنّ هذا النوع من الاستثمارات يحتاج إلى صبر، إضافة إلى أنّ العائدات المادية من الزراعة ليست كبيرة».

ينتج العرب أقلّ من نصف احتياجاتهم من القمح، ففي حين تُقدّر هذه الاحتياجات بحدود 20 مليون طن، ينتج العرب بحدود 11 مليون طن، وفي هذا السياق، يذكّر صالح «بالتجربة الناجحة لسورية بموضوع القمح عندما وجّه الرئيس الراحل حافظ الأسد بأنّ أمام سورية سنتين يجب أن تكتفي خلالهما من القمح وحدث ذلك بالفعل». ويقول: «كان هناك ما يسمّى بالمجلس الزراعي الأعلى، وعلى مدى أربعة أشهر كنا نجتمع ليلاً نهاراً لبحث كيفية الاكتفاء من القمح واتخذت الدولة جملة إجراءات تشجيعية كان أوّلها حصول كلّ مزارع يحوّل أرضه من بعل إلى مروية على قرض لمدة عشر سنوات من دون فوائد، وخلال سنة واحدة ارتفعت مساحات القمح المرويّة في سورية من 250 ألف هكتار إلى 850 ألف هكتار وبالتالي ضمنت سورية الاكتفاء الذاتي من القمح. الإجراء الثاني كان رفع سعر شراء المنتج من المزارع حيث اقترب من السعر العالمي. أما الثالث فهو دعم البحوث الزراعية لاستباط أصناف عديدة من المنتجات».

سورية من مصدّرة للقمح إلى مستوردة

رغم وجود أراضٍ شاسعة صالحة للزراعة فيها، إلا أنّ مصر هي الدولة الأولى المستوردة للقمح وهي تستورد 10 مليون طن من القمح.

أما عن سورية، فيشير صالح إلى أنّ الأزمة حوّلتها من مصدّرة إلى مستوردة، لافتاً إلى أنه في العام 1991 «بدأت سورية تصدير القمح وآخر رقم لحجم التصدير كان 4 ملايين ونصف المليون طن إلى الجزائر ومصر والأردن ولبنان وكوريا الشمالية وإيطاليا، بينما تحتاج سورية بحدود المليوني طن»، ويشرح صالح «أنّ ميزة الأقماح السورية أنها مناسبة جداً لصناعة المعكرونة وبالتالي فإنها مهمة جداً تصنيعياً، لكنّ اندلاع الأزمة أثّر سلباً على إنتاج القمح السوري، وبعد أن كانت من الدول المصدّرة، أصبحت سورية من مستوردي القمح وسبب ذلك، بطبيعة الحال، هو أنّ الإرهاب منع المزارعين من الزراعة وحتى الذين كانوا يتمكّنون من زراعة حقولهم كان الإرهابيون يمنعونهم من الحصاد في أغلب الأحيان، وإذا حصدوا كانوا يصادرون لهم محاصيلهم. الإرهاب أثّر على الزراعة بشكل كبير، ومعروف أنّ المحافظة الرئيسية لزراعة القمح في سورية هي الحسكة التي كانت تزرع سنوياً أكثر من 600 ألف هكتار من القمح وما يوازي هذه المساحة تقريباً من الشعير وهذه المحافظة تعرّضت لمشاكل كثيرة، ومُقدّر أن تنتج الحسكة هذا العام أكثر من مليون طن من القمح نأمل أن يتمكّن المزارعون من حصادها وتسويقها، وللأسف وبسبب الأحداث الجارية فإنّ الدولة السورية تسوّقت العام الماضي 250 ألف طن فقط أيّ أقلّ من 10 في المئة من الحاجة».

ولكن هل هناك إمكانية ليتوسّع العرب في الزراعة؟ يجيب صالح: «طبعاً هناك إمكانية فلدى الدول العربية أراض شاسعة والمياه والمناخ الجيد. على صعيد المثال، المغرب العربي هو بيئة مثالية لزراعة القمح، سورية تاريخياً منشأ القمح وكذلك العراق لكنّ الحروب والاضطرابات أثرت على القطاعات الزراعية في كلّ الدول العربية».

على صعيد الإنتاج النباتي، يعمل مركز «أكساد» على أنواع الأشجار المثمرة المقاومة للجفاف كالزيتون، الفستق الحلبي، اللوز، الكرمة، والتين. وبحسب صالح، يزوّد المركز الدول العربية بأصناف من هذه الأشجار، خاصة الزيتون والفستق الحلبي، «وفق ما تطلب وزارات الزراعة في الدول العربية، وخلال السنوات الماضية زوّدنا الدول العربية بأكثر من 2 مليون غرسة زيتون ولبنان من بين هذه الدول، الذي يحصل سنوياً على نحو 30 ألف غرسة زيتون. كما ساهمنا في نشر زراعة الزيتون في بعض الدول التي لم تكن تهتمّ بهذه الزراعة، كاليمن وليبيا وغيرهما من الدول العربية. الزيتون شجرة متوسطية وبيئتها المثالية هي الهضاب الساحلية بحدود ارتفاع 700 م وأيضاً نزوّد دولاً عربية أخرى بغرسات الفستق الحلبي».

لمركز «أكساد» دور مهمّ أيضاً في مجال حفظ التنوع الحيوي، وفي هذا الشأن، يلفت صالح إلى «أنّ هناك الكثير من النباتات الموجودة حصراً في المنطقة العربية ونحن نحاول المحافظة عليها وأخذ عينات منها وإنشاء بنوك وراثية». ويقول: «نتمنّى أن ننجح في حماية هذه الأصناف، رغم ظروف المنطقة، وقد أنشأنا محمية في مدينة دير الزور في منطقة «جبل البِشري» مساحتها أكثر من 500 ألف هكتار وتحوّلت إلى منطقة رعوية رائعة، فعندما يتمّ تنظيم الرعي يكون واقع المراعي أفضل بكثير في المنطقة العربية لكنّ هناك صعوبة حتى الآن في تنظيمه. نحن نحاول حماية بعض النباتات الطبية المهدّدة بالانقراض نتيجة الجمع الجائر لهذه النباتات وأبرزها: الزعتر البري، الميرمية، فننشئ لها بنوكاً وراثية حيث نقوم بوضع بذورها في برادات خاصة ونأتي بنباتات منها إلى محطات معينة. هذه نباتات مهمة نحن حريصون على أن لا تنقرض. وفي رأيي هناك نباتات وضعها خطير ولدينا في الساحل السوري محطات فيها العديد من النباتات الطبية ويجب المحافظة عليها».

المراعي والإنتاج الحيواني

بالإضافة إلى ما سبق، يولي مركز «أكساد» اهتماماً كبيراً بالمراعي في المنطقة العربية وقد أُجريت أبحاث حول كيفية تحمُّل المراعي عدداً أكبر من القطيع سواء الأغنام والماعز والإبل، فالبيئة المناسبة لهذه الأنواع من الماشية، وفق صالح، هي البوادي العربية، وقد أقام «أكساد» العديد من مشاتل النباتات الرعوية في الدول العربية مثل ليبيا والعراق والسعودية، حيث يعيش عشرات الملايين من البدو في البوادي «لذلك فإنّ الاهتمام بالمراعي ضروري جداً لأنّه مهم للإنتاج الحيواني. ونحن نهتمّ بثلاثة أنواع من الحيوانات هي الأغنام والماعز والإبل ولدينا محطتان للثروة الحيوانية الأولى في إزرع درعا والثانية في حمص»، يقول صالح، لافتاً إلى «أنّ المركز قد زوّد الدول العربية خلال السنوات الأخيرة بعشرات آلاف الحيوانات الحيّة». ويضيف: «نحن نعمل على أهمّ سلالتين في المنطقة هما: الأغنام العماس والماعز الشامي. نحن نزوّد الدول العربية بالحيوانات الحية وأيضاً بما يُسمّى قشّات السائل المنوي لإجراء عمليات التلقيح الاصطناعي، وهذا مهمّ لتحسين الإنتاجية فهناك 185 مليون رأس من الغنم في الدول العربية لكنّ إنتاجيتها ضعيفة، لذلك نقوم بتدريب الفنيين العرب في مجال التلقيح الاصطناعي وزراعة الأجنّة بهدف رفع كفاءة هذه الحيوانات، ذلك أنّ حجم الأغنام والماعز والإبل في العديد من الدول العربية صغير جداً وإنتاجيتها ضعيفة، كما ذكرنا، لذلك نحن نعمل على تحسين إنتاجية هذه الحيوانات».

حماية الموارد المائية

يبلغ إجمالي الموارد المائية المتجدّدة في المنطقة العربية 250 مليار متر مكعب ويتراوح العجز المائي بين 50 و60 مليار متر مكعب ومن المتوقع أن يصل هذا العجز في 2030 إلى أكثر من 150 مليار متر مكعب.

وفي حين أنّ حوالي 85 في المئة من الموارد المائية مُخصّصة للزراعة، إلا أنّ بعض طرق الريّ المتبعة تؤدّي إلى هدر نسبة كبيرة من المياه. وعن دور «أكساد» في الحدّ من هذه المشكلة، يشير صالح إلى أنّ المركز أجرى دراسة حول مدى كفاءة الريّ في المنطقة العربية فوجد «أنّ هذه الكفاءة هي في أغلب الدول دون الـ 50 في المئة، أي أنه يتمّ إهدار 50 في المئة من المياه بفعل عوامل مختلفة أبرزها أنّ طرق الريّ السائدة في أغلب الدول هي طرق تقليدية تعتمد على التطويف، كما أنّ شبكات الريّ ليست جيدة ومن يقوم بالريّ ليس مهتماً بموضوع ترشيد استهلاك المياه، لذلك نظمنا ورشات عمل متعدّدة حول كيفية وأهمية ترشيد استهلاك المياه وأرسلنا مقترحات إلى كلّ الدول العربية». ويوضح «أنّ لكلّ نوع زراعة طريقة في الريّ وهناك طرق بسيطة وغير مكلفة لكنها توفّر المياه وقد جمعنا مجموعة من الخبراء من حوالي 16 دولة عربية ووضعنا تصوّراً حول التخفيف من هدر المياه في عمليات الريّ واليوم نخطط للاستمرار في موضوع تدريب فنيّين من الدول العربية وأعداد بسيطة من الفلاحين في مصر على موضوع رفع كفاءة الريّ، وبالنسبة إليّ فإنّ هذا المشروع هو أبو المشاريع وآمل التوصل في الفترة المقبلة إلى تخفيف ولو 10 في المئة من نسبة الهدر وبالتالي توفير مليارات الأمتار المكعبة».

يضيف صالح: «هناك موضوع آخر مهمّ وهو موضوع حصاد مياه الأمطار، وهذا الأمر مهمّ جداً بالنسبة إلى دولة كلبنان، على سبيل المثال، وعندما كان الوزير حسين الحاج حسن وزيراً للزراعة قدّمنا له دراسة في هذا الشأن حول إقامة سدّات مائية من طرابلس إلى الجنوب في مواقع مختلفة ولكن لا ندري أين أصبح هذا المشروع. كان الوزير الحاج حسن يعمل على تأمين قرض من البنك الدولي لتنمية الزراعة «إيفاك» وكان جاداً جداً في موضوع إقامة سدّات مائية. نظرياً، لبنان هو البلد العربي الوحيد الذي ليس لديه عجز مائي أيّ من حيث الهطولات المطرية والأنهار لكنّ الحلّ للبنان هو التوسّع في إقامة السدود والسدات المائية أسهل وسعتها بين 50 إلى 100 ألف متر مكعب وتكاليفها بسيطة ويمكن التوسع بنشرها في مناطق مختلفة. نحن نعمل على هذا الموضوع في أكثر من دولة عربية وخلال 2019 أنجزنا في سورية 4 سدّات مائية في مناطق الهطول، ففي الساحل السوري أنشأنا 3 سدّات في اللاذقية وسدّة في طرطوس، وهناك رضى من الفلاحين على هذه السدّات. حصاد المياه موضوع مهمّ جداً، والأهمّ من ذلك كله هو نشر ثقافة ترشيد استهلاك المياه وهذا موضوع عام، على كافة الصعد، بدءاً من الاستخدام المنزلي».

إدارة الأراضي واستعمالات المياه

في موضوع إدارة الأراضي الزراعية، ينفذ «أكساد» مشاريع نموذجية لمكافحة التصحُّر وإدارة الموارد المائية وتنمية الاستثمار في الزراعة، ويلفت صالح إلى أنّ المركز «يدرس الغطاء النباتي في المنطقة وطبيعة التربة والموارد المائية والثروة الحيوانية وواقع المزارعين، ثم يتمّ وضع تصوّر للمستثمرين حول الاستثمار الأنسب ونوع الزراعة الأفضل في بقعة زراعية معينة أكان إنتاجاً نباتياً أو حيوانياً، فلكلّ منطقة نوع الاستثمار المقترح». ويذكر صالح دراستين أجراهما المركز في السودان الأولى انتهت عام 2008 حول استعمالات الأراضي بمساحة 53 مليون هكتار، معتبراً أنّ «أهميتها تكمن في تنمية الاستثمار الزراعي في السودان التي تمتلك أراضي زراعية بملايين الهكتارات وثروة حيوانية كبيرة واسعة وهي تشتكي من ضعف الاستثمار في المشاريع الزراعية، والآن نعمل على مئة مليون هكتار، أنهينا 3 ولايات في السودان وباقي أربع ولايات. هذان المشروعان أعتبرهما مفخرة للمنظمة وخاصة بالنسبة إلى دولة مثل السودان».

كما ينفذ المركز مشاريع مقاومة للكثبان الرملية المنتشرة بكثرة في المنطقة العربية، ويشير صالح إلى ما أنجزه «أكساد»، بناء على طلب الدولة السورية، على طريق تدمر ـ دير الزور في منطقة كباجب قبل دير الزور بحوالي 60 كلم حيث تنقطع الطريق بفعل الكثبان الرملية. ويقول: «عالجنا مساحة حوالي 8000 هكتار عمدنا إلى تغطيتها بالنباتات كما أنشأنا مصدّات للرمال بمواد من بيئة المنطقة كسعف النخيل وغيرها وانتهت المشكلة لكن لا ندري ما حلّ بهذا المشروع بعد سيطرة الإرهابيين على هذه المنطقة. كذلك نفذنا مشاريع مماثلة في السعودية وتونس وليبيا ومصر. ففي مصر أنشأنا 1450 خزان مائي في منطقة «مرسى مطروح» على حدود ليبيا وأنقذت هذه الخزانات المنطقة وحوّلتها إلى منطقة صالحة لزراعة الخضروات والأشجار المثمرة».

كما يهتمّ المركز بمعالجة مياه الصرف الصحي «التي يمكن أن نروي بها، بحسب نسب المعالجة التي تختلف من دولة إلى أخرى، ففي الخليج توصّلوا إلى معالجة مرحلة رقم أربعة، بينما في سورية ولبنان نحن في المرحلة الأولى من المعالجة، لذلك إذا كنا في مرحلة المعالجة الأولى يمكن أن نستفيد من هذه المياه في ريّ محاصيل كالأعلاف والأشجار الحرجية، ونحن ننفذ حالياً مع وزارة الزراعة السورية مشاريع في هذا الاتجاه»، يشرح صالح، لافتاً إلى «أنّ هناك أيضاً مياه غير تقليدية تسمّى المياه الرمادية وهي مياه المنازل ويمكن استخدامها بعد معالجة بسيطة في ريّ الحدائق، وأيضاً هناك إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي وجمعها وإعادة الريّ بها، بدلاً من أن تذهب إلى المصارف أو البحار أو الأنهر». وبما أنّ هناك محاصيل تتحمّل الملوحة، وفي ظلّ وجود مئات آلاف الآبار العربية التي لها درجة من الملوحة، يؤكد صالح أنه «يمكن الاستفادة من هذه الآبار في ريّ محاصيل مثل الشعير والمحاصيل العلفية والأشجار الحرجية التي تتحمّل هذا النوع من المياه بنسبة معقولة، ونحن نعمل على نشر هذه الطرق من الريّ وبعض الدول بدأت تنشرها. أما المياه العذبة فيجب الحرص عليها والتقنين في استخدامها».

اختيار سورية مقرّاً دائماً

منذ تأسيسه اتخذ المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، الذي يعمل فيه نحو 400 موظف سوري بالإضافة إلى خبراء من دول عربية مختلفة، من منطقة دوما مقرّاً له، إلا أنّ المقرّ تعرّض لضرر كبير بفعل التخريب والدمار الذي لحق بالمنطقة وعندما وصل المسلحون الإرهابيون إليها انتقل المركز إلى منطقة الصبورة في ريف دمشق عام 2014.

وحول اختيار سورية مقرّاً دائماً للمركز، يجيب صالح بأنّ سورية «بلد زراعي بامتياز وفيها كوادر ومساحات من الأراضي، كما أنّ جامعة الدول العربية تأخذ في الحسبان توزُّع المنظمات التابعة لها على الدول العربية بحيث تستفيد منها هذه الدول على صعيد تأمين فرص عمل»، مضيفاً: «عام 1968 اتفق الزعماء العرب أن يكون مقرّ المركز في سورية التي رحّبت، من جانبها، بهذا القرار وأعربت عن استعدادها لتأمين مقرّ مناسب للمركز وطبيعة عمله. ومن المتعارف عليه أنّ الدولة المضيفة يجب أن توفّر البنية التحتية المناسبة للمنظمة التي تستضيفها، وهنا أودّ أن أشير إلى أنه في ظلّ الأزمات في الدول العربية، لولا دعم سورية للمركز لكان الوضع مأساوياً، ذلك أنّ سورية تدعم من دون حدود أو قيود، وبصفتي مديراً عاماً لهذا المركز منذ عشر سنوات أقولها وبصدق إننا لم نطلب شيئاً من سورية إلا ووفرته لنا. نحن ممتنّون لسورية ونعتبر أننا مهما أنجزنا من مشاريع في سورية فإننا مقصّرون أمام ما تقدّمه والذي لا تستطيع أيّ دولة عربية تقديم 10 في المئة منه».

تصوير: يوسف مطر

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى