فوز ساحق لمرشح المعارضة في بلدية اسطنبول… وزعامة أردوغان على المحك برّي لكوشنر عشية مؤتمر المنامة: ملياراتكم ثلاثون فضة… و«فلسطيننا سماويّة»

كتب المحرّر السياسيّ

خطفت اسطنبول ونتائج الانتخابات البلدية فيها الأضواء الإقليمية والدولية بفتحها باب النقاش والتنبؤات حول مستقبل زعامة الرئيس التركي رجب أردوغان، الذي تلقّى هزيمة ساحقة بفوز مرشح المعارضة في الانتخابات البلدية بفارق كبير عن مرشح اردوغان بعدما تحوّلت إعادة الانتخابات وانخراط أردوغان لشهر كامل في محاولة الفوز بها إلى استفتاء مسبق على شعبيته ومستقبله السياسي وترشّحه الرئاسي، في المدينة التي تكتب تقليدياً مستقبل السياسة في تركيا، والتي كان أردوغان يعتبرها معقله الأخير وخط الدفاع الذي يلجأ إليه كلما شعر بالضيق. فمنها انطلقت زعامته قبل ربع قرن رئيساً لبلديتها، وفيها وزع مشاريعه الاقتصادية، وعبرها أحكم القبضة على حزبه ومن خلاله على تركيا.

استحقاقات الأيام المقبلة من بقية شهر حزيران الجاري ستتكفل بنقل الأضواء إلى أماكن أخرى، حيث وصل وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إلى عواصم الخليج في محاولة لرفع معنويات حلفائه الذين تسبّب تهرّب واشنطن من المواجهة مع إيران بحال ذعر في صفوفهم بعد نجاح الدفاعات الجوية للحرس الثوري الإيراني بإسقاط أهم طائرات التجسّس والرصد الأميركية، ونيل طهران شكراً أميركياً على عدم إسقاط طائرة أميركية أخرى كانت تحمل عسكريين أميركيين وتقع في مرمى الصواريخ الإيرانية كما اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إحدى تغريداته. وبالتزامن مع وصول بومبيو الذي يحمل الكثير من كلمات المؤاساة لحكام الخليج كانت قواعد الاشتباك التي ترسمها الأفعال، تترسخ بمعادلة الصواريخ والطائرات اليمنية بدون طيار فوق أبها، حيث كان صاروخ آخر يستهدف المطار ويوقع القتلى والجرحى رداً على استهداف المدنيين اليمنيين.

في سياق مشابه وصل مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة والتقى برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ومستشار أمنه القومي مائير بن شباط، لطمأنة قادة الكيان بأن المواجهة التي كانوا قلقين على أمنهم من اندلاعها مع إيران، لن تقع بعدما قررت واشنطن عدم الردّ على النجاح الإيراني بإسقاط أهم طائرات التجسس الأميركية، وطمأنتهم بالمقابل بأن التفاهمات التي ستجمع واشنطن وموسكو حول سورية خلال الاجتماع الذي ستشهده القدس المحتلة ويضمّ بولتون ومستشار الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف ويتفرّع عنه اجتماع ثلاثي ينعقد بعد غد يحضره بن شباط، لن يتضمن مساومات أميركية على الموقف من الوجود الإيراني في سورية.

الاستحقاق الأبرز سيبدأ غداً من المنامة، حيث ينعقد المؤتمر الذي دعت إليه واشنطن لتسويق صفقة القرن، والذي أصيب قبل أن ينعقد بفشل يشبه فشل أردوغان في اسطنبول، وقد حشد الأميركيون كل ثقلهم لإنجاح المؤتمر باعتباره الجزء الجاذب من رؤيتهم لحل القضية الفلسطينية القائمة على مقايضة الحقوق وفي مقدمتها حق العودة للاجئين والأرض الفلسطينية ومحورها قيام دولة فلسطينية والمقدسات المسيحية والإسلامية التي ترمز إليها مدينة القدس، بوعود للفلسطينيين بالحصول على المال العربي الخليجي بضمانة أميركية. وهذا المال هو المحور الذي يستحوذ على مؤتمر المنامة بعرض مشاريع بقيمة تزيد عن خمسين مليار دولار أميركي، تمهيداً لإعلان الشق السياسي من الصفقة بعد الانتخابات الإسرائيلية في الخريف المقبل، بتثبيت القدس عاصمة لكيان الاحتلال، وضمّ الجولان وأجزاء أساسية من الضفة الغربية، واستبدال حق العودة للاجئين بتوطينهم في بلدان الإقامة، ومنها لبنان الذي ضمّه جارد كوشنر عراب الصفقة ومستشار الرئيس الأميركي وصهره، إلى لائحة المستفيدين من مشاريع المنامة، في إشارة واضحة لاعتماد خيار التوطين للاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان.

في لبنان لم يتأخر رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الرد على كوشنر فاستبق المؤتمر بضربة ركنية أصابت مقتلاً من خطاب المؤتمر القائم على الترويج للعائدات المالية، التي شبّهها الرئيس بري في استعارة تاريخية مسيحية بالثلاثين من الفضة التي عرضها الحاخامات وأحبار الهيكل على تلامذة السيد المسيح، لخيانته، وقد رفضوا إلا أحدهم، فقال بري إن فلسطيننا هي سماوية ولا يمكن بيعها بثلاثين من الفضة.

وبينما بدأت التظاهرات في أكثر من بلد عربي تنديداً بمؤتمر البحرين، فإن الترقب سيد الموقف لموقف رسمي موحّد حيال ما أعلنه مستشار الرئيس الأميركي وصهره جارد كوشنر عراب «صفقة القرن» وعن خطوات المرحلة الأولى منها والتي تتضمن استثماراً بمبلغ 50 مليار دو ر في عدد من الدول العربية، ومن بينها لبنان. وبالانتظار خاطب رئيس مجلس النواب نبيه بري كوشنر قائلاً «لن يكون لبنان واللبنانيون شهود زور أو شركاء ببيع فلسطين بثلاثين من الفضة. إن فلسطين ومسجدها الأقصى وكنيسة المهد قبل أن تكون قضية جغرافية وشعباً هي قضية سماويّة وهي بعين أهلها ومقاومتها وبعين رب السماء. ويخطئ الظن مَن يعتقد أن التلويح بمليارات الدو رات يمكن له أن يغري لبنان الذي يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة على الخضوع أو المقايضة على ثوابته غير القابلة للتصرف، وفي مقدمها رفض التوطين الذي سنقاومه مع الأشقاء الفلسطينيين بكل أساليب المقاومة المشروعة».

وعلى خط النازحين كشف نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي من جبيل عن مساعٍ جدية يجري العمل عليها لعودة النازحين السوريين، ناقلاً عن رئيس البلاد قوله من أنه لن يهدأ له بال قبل أن ينهي موضوع مسألة توطين الفلسطينيين والنزوح السوري في لبنان، لأن المسألة ليست بسيطة بل لها علاقة بوجود البلد وابنائه». واعتبر «أن التأخير في عدم عقد قمة بين الرئيسين عون وبشار الأسد للمطالبة بتأمين العودة للسوريين إلى بلادهم هو عدم وجود نضج داخلي لصناعتها»، مؤكداً «أن لا شيء يمنع الرئيس عون من زيارة سورية لهذا السبب، ولكن في الوقت عينه يريد أن تنضج الأمور بطريقة تؤدي الى نتيجة لمصلحة البلاد، لان الموضوع ليس عقد قمة فقط للقمة».

وبالتوازي مع طرح رئيس المجلس النيابي نبيه بري الانتخابي، يبدو أن تكتل لبنان القوي قرر العودة الى طرحه الارثوذكسي، فكشف الفرزلي عراب هذا المشروع أصلاً من جبيل أيضاً عن «قانون جديد للانتخابات النيابية سيطرح في الأشهر القليلة المقبلة في اللجان قائم على الدائرة الواحدة بشرط النسبية وأن تنتخب كل طائفة نوابها»، معلناً «أن العمل جارٍ لوضع قانون جديد تُجرى عليه الانتخابات النيابية المقبلة».

الى ذلك تكثف لجنة المال اجتماعاتها هذا الأسبوع لاستكمال مناقشة مشروع موازنة العام 2019، باستثناء يوم الأربعاء، حيث تعقد جلسة تشريعية عند الساعة الحادية عشرة لدراسة وإقرار عدد من مشاريع واقتراحات القوانين أبرزها اقتراح القانون الرامي الى مكافحة الفساد في القطاع العام.

وأشار رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد إلى أن النقاش حول الموازنة في المجلس النيابي «يحاول أن يصوب ما يستطيع النواب أن يصوبوه، من أجل أن تأتي هذه الموازنة، حافظة للتوازن الاجتماعي ومقبولة على مستوى المراعاة»، مؤكداً «أننا طلبنا وحركة أمل أن لا يأتي التخفيف من الأعباء في كلفة الدين، أو في عجز الموازنة، على حساب الفقراء وذوي الدخل المحدود وألغينا التوجّه نحو الحسوم على الرواتب والأجور لهذه الفئات». وأشار إلى أن «زيادة الواردات تحتاج إلى سياسات جديدة، وأن خفض كلفة الدين العام يحتاج إلى جرأة وإقدام وحماسة وطنية من قبل البعض، أكثر مما شهدناه، وكان بالإمكان أن نحصل على موازنة أكثر انسجاماً وتحفيزاً لزيادة الواردات مما صرنا إليه».

اما على خط الخلاف الاشتراكي المستقبلي، الذي احتدم عطلة الأسبوع من خلال تغريدات عبر تويتر شارك فيها رئيس الحكومة سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط، فإنه دخل هدنة مع دعوة رئيس الاشتراكي مناصريه الى عدم الوقوع في فخ السجالات والردود العلنية مع تيار المستقبل، عطفاً على لقاء الوزير ابو فاعور ومستشار الرئيس الحريري غطاس خوري الذي خلص إلى التوافق على وقف الحملات الإعلامية كليًا بين الطرفين، بالتوازي مع دعوة الامانة العامة لتيار المستقبل كافة المحازبين والمناصرين التوقف عن تبادل الحملات.

وشدّدت مصادر تيار المستقبل لـ»البناء» على أن اللقاء انتهى إلى ضرورة انهاء السجال الدائر ووقف الحملات الاعلامية التي تطل برأسها بين الفينة والاخرى مصوبة على الرئيس الحريري. وتقول مصادر المستقبل إن جنبلاط منزعج من التسوية السياسية. وهذا واضح للجميع، لكن الغريب كيف يمكن لرئيس حزب يدّعي الدفاع عن المصلحة العامة أن يكون ضد تسوية هدفها الاول والأخير تأمين الاستقرار للبنان. واعتبرت المصادر ان جنبلاط خسر موقعه منذ ما بعد الانتخابات ولم يعد بيضة القبان التي تتحكم بمسار مجلس الوزراء والمجلس النيابي. وهذا ما لا يعجبه. قائلة: تصعيده في ملف التعيينات يأتي في سياق تكبير الحجم للحصول على الحصة المقبولة، جرياً على ما يقوم به عادة، علماً ان أحداً من المكونات لا يفكر بتجاوز جنبلاط في ملف التعيينات».

في المقابل، فإن مصادر الاشتراكي تبدأ كلامها لـ»البناء» بالقول إن الرئيس الحريري لا يمارس دوره كرئيس حكومة، فهناك من بات يتصرّف بالبلد على هواه ومن دون رادع يتدخل في كل شاردة وواردة في مجلس الوزراء. وهذا انتقاص من صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، واذ تنفي المصادر الاشتراكية صحة ما يُقال إن ثائرة جنبلاط على الحريري مردها انه بات مطوقاً من كل الجهات على مرأى ومسمع رئيس الحكومة الذي لا يحرك ساكناً تجاه حلفائه، شدّدت على أن جنبلاط لا أحد يطوّقه وأن أحداً لا يمكن أن يتجاوزه في ملف التعيينات أو سواه وقانون الانتخابات خير دليل بمعزل عن خسارة الاشتراكي عدداً من المقاعد غير أن كل الأحزاب خسرت في النهاية، معتبرة أن هناك طبخة جرى تحضيرها للتعيينات تمسّ بحقوقنا، وهذا لن نسمح به ولن نسمح لأحد أن يمسّ بدورنا.

وكان الحريري نشر تغريدة أولى عبر حسابه في «تويتر» قائلاً: « مشكلتكم يا اخواننا في الحزب التقدمي الاشتراكي مش عارفين شو بدكم لما تعرفوا خبروني».

وفي أول رد على الحريري، غرّد النائب بلال عبدالله على حسابه على تويتر قائلاً: «مشكلتنا معك دولة الرئيس للأسف، أننا نعرف ونعلم ماذا تريد. وبماذا تفرط، خاصة بشىء ليس ملكك، وكيف تجاهد كل يوم لإضعاف بيئتك بحجة حماية الوطن، بينما الحقيقة في مكان آخر».

ورداً على رد الاشتراكي، غرّد الحريري مجدداً قائلاً: «واضح أنكم عارفين، ساعة يلا هدنة إعلامية، بعد نص ليل هجوم بعدين بتسحبوا التويت واعتذار، على كل حال خلي الناس تكون الحكم، او حتى هيدا ممنوع عندكم، وللعلم الي عم يحاول يرمي زيت على النار معي ما بيمشي».

وعلّق النائب هادي ابو الحسن على تغريدتي الحريري قائلاً: «إذا بتحب دولتك تعرف شو بدنا!! بكل إحترام رح نقلك، بدّنا نشوف عالمشهد على طاولة مجلس الوزراء حتى يبقى الطائف بخير وما نفرط بالوصية».

ليغرد الحريري للمرة الثالثة: «قال شو الاشتراكي عم يحكي بالوفاء. نكته اليوم». وأرفق تغريدته بوجوه ضاحكة.

ودخل أمين عام تيّار المستقبل أحمد الحريري على خط السجال ناشراً أولاً تغريدة وهاب الأولى مستعيناً بها ضد جنبلاط، ومعبراً عن إعجابه بها باستخدام رمزي الإعجاب التعبيري والضاحك. وغرّد لاحقاً عبر تويتر قائلاً: «الرئيس الحريري عم يقول انو السنة أصحاب دور. هني حراس الشراكة الوطنية، وهني أساس باتفاق الطايف، وهني أمناء على المناصفة… عم يحطّ السنة تحت سقف المعادلة الوطنية مش تحت سقف المعادلة الطائفية وهمّه أكبر من زاروبين وحي». وقال في تغريدة ثانية: «بيضة القبان إنفقست».

وفي ما خصّ موقف بكركي من التعيينات، قال البطريرك الماروني بشارة الراعي أمس، في عظته: «على السلطة الدستورية إجراء التعيينات على أنواعها بروح الميثاق الوطني وقاعدة المشاركة بالمناصفة والتوازن بين المسيحيين والمسلمين، على قاعدة الكفاءة والنظافة وفقاً للأصول المتبعة أساساً».

من ناحية أخرى، قال وزير الخارجية جبران باسيل رداً على اتهام التيار الوطني الحر بالطائفية من قبل بعض المشاركين في أحد اللقاءات خلال جولته في بعلبك الهرمل «يللي منو قادر يتحمل انو هالبلد بدو يضل متنوع وبدنا نحافظ عالمسيحيين فيه… ما يتحمّل».

وكان باسيل أكد أن الجيش والمقاومة وأهل المناطق الحدودية دحروا الإرهاب، وشدّد على أن أحداً لا يمكن أن يوقع بين المؤسسة العسكرية والتيار الوطني الحر، أو أن يزايد عليه في هذا المجال، مؤكداً «أننا نقف مع قيادة الجيش في الإصلاحات التي تجريها داخل المؤسسة»، مشيراً إلى أن معركتنا في الموازنة هي تلك المتعلقة بحفظ حقوق العسكريين.

مع ذلك، شددت مصادر العسكريين المتقاعدين لـ»البناء» على ان مواقف الوزير باسيل تحتاج الى تطبيق وتنفيذ على الأرض لان ما يجري اشبه بتبادل الادوار بالأمس خرج النائب حكمت ديب وقال لا بد من الاقتطاع من معاشات المتقاعدين، لافتة الى ان العسكريين المتقاعدين يتجهون الى تنفيذ تحركات جديدة هذا الاسبوع وسوف يتم تنفيذها امام عدد من المرافق العامة، وسوف نقوم بقطع طرقات، لأن ما يجري ليس سوى مسّ بحقوقنا ومكتسباتنا بموافقة القوى السياسية بغالبيتها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى