هل تعود 14 آذار من بوابة فتنة الجبل؟

د. وفيق إبراهيم

الصراخ الإعلامي الحادّ والمتجدّد لمجموعات سياسية تراجع دورها في العقد الأخير مثيرٌ للشكوك من ناحية التوقيت والأهداف والارتباط الخارجي.

وبعيداً من نظرية المؤامرة التعميمية، إلا أنه لا يمكن تجاهل عشرات السياسيين البائدين الذين عادوا لاحتلال الشاشات والصفحات متهمين حزب الله بإعداد فتنة داخل الطائفة الدرزية، ومسدّدين الى سورية دوراً برعاية مؤامرة لتفجير لبنان، وهذا امتداد لما يقولون إنه «احتلال سوري» له منذ أمد طويل.

للإشارة فإنّ هذه الاتهامات تتواكب مع غارات «إسرائيلية» ليلية، عبرت أجواء لبنان لإطلاق صواريخ لمدة ساعة كاملة على مواقع للجيش السوري من دمشق الى حمص.

كما تتزامن مع استقبال المسؤولين في دولة الإمارات لوزير الخارجية الإسرائيلي ومقابلات إعلامية لوزير الخارجية البحريني مع محطات تلفزة إسرائيلية أعلن فيها مباشرة ولاءه للحلف الإسرائيلي الخليجي المعادي لإيران، هذا الى جانب تصريح لوزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، أكد فيه أنه تلقى أمراً من «سيده» ولي العهد لمجابهة ما اسماه التهديدات الإيرانية وأتباعها في لبنان وسورية والعراق واليمن.

ضمن هذا المناخ الإقليمي المرتبط بتصعيد أميركي يحاصر إيران محتلاً أجزاء كبيرة من سورية والعراق ومغطياً حرب اليمن وليبيا والصراعات في السودان والجزائر، لذلك يجب منح أحداث الجبل وتداعياتها السياسية انتباهاً مركزاً. على مستوى التوقيت تتزامن مع استقرار الخليج في إطار حلف علني مع «إسرائيل» بتغطية أميركية وشاملة، وهذا واضح لا يمكن إنكاره..

وإذا كان هذا الحلف يستهدف سورية وإيران وحزب الله باعتراف قياداته، فهل يمكن فصل مئات المقابلات التلفزيونية لأركان 14 آذار في القنوات اللبنانية؟

الى الحزب الجنبلاطي الاشتراكي ومعظم قيادات حزب المستقبل والكتائب والشخصيات المستقلة البائدة التي تغتنم الأزمات لمعاودة الظهور..

هل يمكن عزلها عن تفاعلات الإقليم؟

ماذا الآن عن الفتنة؟

الدولة اللبنانية ضعيفة بسبب سيطرة التحالفات الطوائفية عليها، ما يجعلها تجنَح للقمع الشديد مع المواطنين. والمساومة مع الأطراف السياسية، فالمواطن متهم حتى تثبت إدانته.

أما السياسيون فهم أتقياء غير قابلين للاتهام على الإطلاق، لأنهم هم أهل التحاصص والفساد.

لذلك، ونتيجة لتراجع المشروع الأميركي في سورية والعراق ومجمل الإقليم والخليج أصيبت ارتباطاتهم اللبنانية باضمحلال في القوة وتقهقر في الدور السياسي وبالتالي الاستعادات والانتفاع من النظام اللبناني ببعدَيْه السياسي والاقتصادي.

وبما أنّ سعد الحريري نجح في التعويض عن تراجع حلفائه السعوديين بعقد اتفاق على الإمساك بالإنفاق العام مع الوزير جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر.. فكان طبيعياً أن يتمركز الضرر الكبير على حليفيه وليد جنبلاط وسمير جعجع على شكل تراجع في التحاصص السياسي والاقتصادي فأصبحت القوى الأساسية للدولة موزّعة بين الحريري وباسيل والرئيس نبيه بري وحزب الله وتحالفاته مع بعض القوى السنية والدرزية والمسيحية.

وهذا أصاب وليد جنبلاط بضمور في قاعدته الطائفية فشعر باكتئاب سياسي كان يعبّر عنه يومياً بتغريدات ينتقد فيها المتحكمين بالتفاعلات، مطالباً بالعودة الى الشراكة في التعيينات والحصص فيبدأ بالمطالبة «بتعيين ناطور في عماطور» منتهياً بمهاجمة سورية وجبران باسيل ومرسلاً تحياته الى القيادات الحكيمة في السعودية وعموم الخليج.

هناك إذاً، تراضٍ مريب في الهجوم الذي ارتكبه مؤيدون لجنبلاط في الجبل على موكب للوزير صالح الغريب الوزير المنتمي الى تيار أرسلان المنافس الأساسي لجنبلاط في بيئته المذهبية، حليف التيار الوطني الحر وحزب الله.

وهذا لا يعني أنّ جنبلاط تلقى تعليمات خارجية بتنفيذ الاعتداء الذي تسبّب بقتيلين وعشرات الجرحى، بقدر ما يكشف أنّ الفاعل أراد إثبات «قوّته المذهبية» في مرحلة تعكف فيها القوى الأساسية على تقاسم التعيينات والصفقات والالتزامات على قاعدة الاستئثار بها وحرمان جنبلاط وآخرين منها.

هذا على المستوى الداخلي أما خارجياً، فهناك تحديد للدورين الأميركي المتآمر على سورية في شرق الفرات والشمال والتركي اللعوب في شمالي سورية وشمالها الغربي، بالإضافة إلى حصة إيران وتصعيد الدور الأميركي بالعودة الى تعنيف العراق والاستمرار بخنق إيران وقيادة مباشرة لحرب اليمن.. الى جانب مساعي ساترفيلد الأميركي لإنتاج تسويات حول آبار الغاز والنقاط الحدودية المختلف عليها بين لبنان والكيان الإسرائيلي.

ومثل هذا الدور الأميركي يحتاج حسب قناعة جنبلاطية إلى إعادة تنشيط القوى اللبنانية وفي مقدمها عصبة وليد جنبلاط.

وبما أنه يتمتع بعلاقات يومية مع السفراء والمعتمدين، فلا بدّ أنه شعر بإمكانية استعادة دوره بإعادة استنفار قواه في مرحلة الحاجة الخارجية إليه، فكانت أحداث الجبل وارتداداتها على مستوى إنهاك الاستقرار اللبناني وضرب الموسم السياحي الموعود.

في المقابل استشعرت الأجنحة المتراجعة في 14 آذار أنّ حلقات إعادة تنشيط دورها بدأت تتحضّر فاحتلت الشاشات بلغة تسترجع الأعماق المذهبية والطائفية والمعادية لإيران وسورية وحزب الله ومعهم جبران باسيل لاعتبارات التنافس الداخلي متوهّمين بإمكان العودة الى مراحل قوّتهم السابقة بدعم من الخارج كما كان سابقاً، لذلك فهم بحاجة الى تطوير «فتنة الجبل» الى صدام مفتوح ينتج 14 آذار جديدة بالأبعاد الطائفية والخارجية السابقة نفسها.. فهل ينجحون؟

إنّ الحركة المشرّفة لرئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله احتوت حتى الآن الفتنة ومنعتها من التطوّر نحو صدام أهلي كبير وحالت دون تورّط جهات أخرى به كما يراهن أقطاب 14 آذار. الأمر الذي يؤكد انّ حصر الفتنة بالقضاء النزيه والتحقيقات يكشف أبعادها التي تستهدف ضرب الاستقرار السياسي والوطني وتدمير الاقتصاد.

وهذا يدلّ على أنّ تعاون رئيس الحكومة سعد الحريري مع الرئيس عون بشكل شفاف يكبح مشاريع التدمير.

اما إذا عجز الحريري تحت ضغط حلفائه الخليجيين ولم يسمح بالإدانة الفعلية للطرف الجاني.. فإنّ أزمة حكومية ضخمة قابلة للاندلاع. وهذا ما لا يسمح به لا الرئيس عون ولا حزب الله لأنهما يعرفان أنهما الأصحاب الفعليون للحلّ وليس الذي افتعل الفتنة ويريد تطويرها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى