فيينا تحتفل على طريقتها بيوم بيئتها بالشعر العربي!

خاص البناء ـ طلال مرتضى

مع وصول فصل الصيف إليها والذي أتى وعلى غير عادته في السنوات الماضيات، حيث كان يصل ندي الهواء رهيف الماء، هذه المرة وصل الصيف مبكراً وهو مكشراً عن أنياب الحرّ غير المعتاد لأبناء المدينة الذين اعتادوا نسائمه الباردة..

ومع كل هذا وذاك فقد صار يوم البيئة العالمي طقساً موسوماً بتلك المدينة الآبدة والتي تعدّ من أجمل مدن العالم على الإطلاق، من حيث المعيشة والحاضرة الجماليّة وذلك حسب استطلاعات عالمية ولمدة ثماني سنوات متتالية.. فالذي تقهره الشمس بحرارة وهجها المتّقد يداوي حريق روحه بماء «الدانوب» الذي هو شريانها ونبضها الحيّ..

على هامش هذا اليوم واحتفاء به نظّم «البيت العربي للثقافة والفنون» مع «منظمة القلم النمساوي» اتحاد الكتاب، فعاليّة أدبية وذلك تبنياً للمشروع الذي طرحه «القلم» حيث دعا الأخير الكتاب العرب وغيرهم لتقديم نصوص شعرية أو قصص تحاكي البيئة ليتم نشرها في كتاب والذي تشرف على ترجمته إلى الألمانية وبالعكس الدكتورة إشراقة حامد ممثل الأدب العربي لدى القلم. هذا وقد كانت الأمسية القرائية باستضافة المنظمة العمالية النمساوية «فيدا Vida» والذي مثلتها السيدة «بان السواعد» وقد قدّمت لمحة سريعة عن المنظمة النقابية ودورها حول الدفاع عن حقوق العاملين وبالأخص الوافدين الجدد.

الشاعر النمساوي كورت ف سفاتيك قرأ نصين بالألمانية يحاكيان البيئة:

«ماذا لو؟!!..

ماذا سيكونُ الأسوأ

إذا نَجَونَا بالأشْجارِ

أو الأشجارُ بنا؟

حتميةُ السؤال:

ماذا سيحدثُ في حقيقةِ الأمر؟.

تسُونامي آخر..

فوكوشيما

هي مجردُ واحدة من محطّاتِ الطاقة

للصبي السّاحر

لكن الموجةَ الثانيةَ من

تسُونامي

ليست سوى الدموع.

ثبوت

غصونُ الوردِ تزهرُ مرة أخرى هذا العام

تتفتحُ بتلاتُها زاهيةً

ولكنها لا تعلمُ أن الأرضَ وعلى

بعد مترين فقط مِنها تئنُ بالتلوث».

قرأ له النصوص في اللغة العربية الشاعر علي الحسن.

هذا وقد قرأت الشاعرة الألمانية كونستانسي بيترسمان قصيدة بعنوان «الكون» تقول:

«كنجمٍ أرزقَ

يسطعُ غضاً ومشرقاً

يسطع شاهقاً في السنواتِ الضوئية

يشرقُ كالريحِ في كلِ الأزمنة

يموتُ ليولدَ من جديد شريانٌ للحياة

يدورُ راقصاً مع نجومِ الجزرِ

منصهراً في ما تبقى من مَجرات

لكنني أنظرُ في دلتا الليل

خيمةُ الريحِ تهبُ برائحةِ أشجارِ الزيزفونِ

المزهرة،

هذه ثمرة أرضِنا

نغرسُها كي تستمرَ الحياة.

هذا وقد قرأ لها بالعربية الشاعر علي الحسن.

وأما الشاعر أنطون ماركو فقرأ نصّاً شعريا تحت عنوان «الشمعة البيضاء» وقال:

«في العالم البشري

لم يكن الكلّ آثمين

وليس الكل قديسين

فالخيرُ والشرُ يلقتيان

وفي كلِ ظلٍ ضوء

وضوءٌ في كلِ ظل

منذ آلاف السنين

شرعت السماءُ تقبيلَ شفاهِ الأرواحَ العطشى

منذ ذلك الحين أصابت الملائكةَ اللعنةُ

ولم تعد تحلم

فقط الإنسان

يحملُ مصيرهَ على الكتفين،

كل يوم».

وقرأ له في اللغة العربية طلال مرتضى.

هذا وقد قدّم الدكتور هولموت أ نيدرلا رئيس «القلم» النمساوي نصّاً شعرياً تحت عنوان «آثار جانبية»، وتلا منه:

«لم أكنْ هناكَ مرئياً

حيثُ يتدفقُ الهواءُ لزجاً

كـ العسل الأسود على الرئتين

أنا أكثر ثقة بضوضاءِ المطرِ

أسمعُ قرعَ الطبولِ على الأسطحة كموسيقى الطبيعة.

والرعد مدّ وجزر

ولأن الحياة رتيبة

ليكن الرعد مدويّاً وصاخباً

البرقُ يخطفُ صوراً كونيّة،

أكثر ماهرة من تلك التي

رسمها الفنانون في الأزمنة السحيقة

كل هذا يُجبرني على التواضع

كتفي ليست كأطلسَ

إنها تحملُ فقط غبارَ الحياةِ اليومية

أنا عابر

كما

انطباعاتي

عظامي مخزون لما اخترعه البشرُ

من سمومٍ في الغذاء، والهواء

عظامي ربما تتحدثُ يوماً للعلماء

لكنهم لن يعرفوا

كيف تمرّغت عيني بألوان العالم

وكيف أصختُ السمعَ للكائناتِ الصغيرة

ولطنينِ الحشرات

كيف تذوق فمي طعمَ الهواءِ اللطيف

كيف شوّحت الشمسُ بشرتي بالدفء

لنمضي يداً بيد مع الواعدين بالسعادة

بعيونٍ مشرعةٍ على فنتازيا المغزى

والتراجيديا».

هذا وقد شارك شعراء من السودان في الفعالية قدمتها بالإنابة الدكتورة إشراقة مصطفى والدكتور نيدرلا والشعراء هم عفيف إسماعيل حيث أرسل نصاً معنون «رِئَةٌ استِثنَائِيَّة» وقال:

«أنا حَارسُ الحَدِيقَةِ البَرِّيّة..

تَسَمَّمَ الـمَدَى والطِّينُ

فكيفَ تُوَاجِهُ الأَشجَارُ عَزْلاءَ إلَّا مِن عَصَافيرها

سُيُولَ الدَّبَّابَاتِ ومَدَافعَ أَرْض.. أَرْض؟

لِمَن هذه الأَرض؟!

لَنْ يَنبُضَ هذا القَلبُ بالأُوكسجين الطّازِجِ

أو

الحَنِينِ

إلا عندَما نُقِيمُ نُصبَاً تذكَاريّاً في ميدَانِ الشُّهدَاءِ

لصَديقَاتيَ الـمُورِقَاتِ دِفئَاً

وحَفِيفَاً

وهَدِيلاً

ويَاسَمِين.

لنُسَيمَاتِ شارع النِّيلِ في المساءِ لونٌ قَاتِـم

وطَعمٌ كبِدَايَةِ الغَثَيان

فأَينَ نَلتَقِي يا حَبِيبَتي؟!

لا بُدَّ لنَا مِن هِجرَةٍ إلى كَواكبَ عَصِيَّةٍ

شَرْطُ الدُّخُولِ إليها أن نَكُونَ بلا رِئَاتٍ صنَاعيّة.

فنَحنُ نَظُنَّ أنَّ الجَبَلَ لا يَتَنفَّسُ لأنَّنا لا نَعرِفُ أينَ تَكْمُنُ رِئَتَاه!

فإذَا كانَت الجِبَالُ أسرَابَاً تَطِيرُ

والأَشجَارُ تَترَاقَصُ على شَاطِئِ النِّيلِ وتُخاصِرُ بَعضَها وتَسِيرُ.

والنُّجُومُ والكَواكِبُ صَارَت دَاجِنَةً.

والبِحَارُ والمحِيطَاتُ تَحَوْصَلَتْ في زُجَاجَاتٍ صَغِيرةٍ.

وسَكَنَتْ كُلُّ الحَيوَانَاتِ العَمَارَاتِ الفَارهَةَ

وصَارَت لِكُلِّ الـمَوجُودَاتِ لُغَةٌ وَاحِدَة؟

كَم سَيَكُونُ رائعَاً

ذاكَ المكَانُ الذي يُسَمَّى حَديقَة الإنسَان!

وفي الختام قرأ الدكتور نيدرلا قصيدة السوداني إسماعيل وذلك عندما تم تجسيدها ومحاكاتها رقصاً تعبيرياً أدته النمساوية الفنانة ursula zemyemi على أنغام عود الفنان السوري ياسر الشيخ.

كاتب عربي / فيينا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى