طربيه: المصارف اللبنانية أثبتت قدرتها على امتصاص الصدمات

أعلن رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية الدكتور جوزف طربيه أنّ «المصارف اللبنانية في الإجمال أثبتت خلال الأزمة المالية قدرتها على امتصاص الصدمات وتكبّد أضرارٍ أقلّ مقارنة بالمصارف العالمية، نتيجة الإطار الرقابي الفعّال والممارسات الفضلى في مجال إدارة المخاطر»، وأوضح أن «مع صدور معايير بازل 3، أكملت المصارف اللبنانية مسارها نحو تحقيق نمو قوي في نشاطاتها مع رفع مستوى رساميلها وتحسين نوعيتها بما يفوق الحدود الدنيا، وذلك قبل سنوات من فترة الالتزام النهائية في كانون الثاني 2019، حيث ظلت تتمتع بسيولة كافية مكّنتها من مواجهة العقبات المستقبلية وأيّ أزمات محتملة على المدى القصير الأجل عن طريق نسبة تغطية سيولة مرتفعة، وعلى المستوى الطويل الأجل عن طريق نسبة صافي التمويل الثابت وهي نسبة مرتفعة أيضاً».

كلام طربيه جاء في افتتاح الدورة التاسعة «الملتقى السنوي لرؤساء إدارة المخاطر في المصارف العربية» في فندق «كورال بيتش» – بيروت، في حضور رئيس لجنة الرقابة على المصارف في لبنان سمير حمود، نائب الرئيس التنفيذي في البنك المركزي العُماني مالك المحروقي، وشخصيات مصرفية واقتصادية ومهتمين.

وقال طربيه في كلمته «أصبح هذا الملتقى الذي يعقده اتحاد المصارف العربية بالتعاون مع لجنة الرقابة على المصارف في لبنان، غنيّ عن التعريف، فقد أثبت على مرّ دوراته الثماني السابقة قدرته على حشد نخبة من الخبراء والمتابعين لمسألة إدارة المخاطر على الصعيدين العربي والعالمي، الأمر الذي جعل منه منصّة رئيسية لتلاقي المعنيين في هذا المجال، للتباحث حول الأولويات المالية لإدارة مصارفنا العربية والتعديلات الهادفة إلى تقوية المعايير المصرفية الدولية، التي من شأنها أن تُقلّل من احتمالات تعثّر المصارف وتخفّف من تأثير حالات الفشل على النظام المالي بشكل خاص وعلى الاقتصاد بشكل عام.

لقد شهدت الصناعة المصرفية خلال العقدين الماضيين الكثير من التطوّرات والتغيّرات نتيجة التقدّم التكنولوجي المتسارع، وبرز العديد من المنتجات المالية الجديدة التي تقدّمها البنوك، مما وضع الصناعة المصرفية أمام خدمات كثيرة تستوجب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية لتعظيم الفائدة من هذه التطوّرات والحدّ أو التقليل من المخاطر الناجمة عنها.

إنّ محاور هذا الملتقى وعناوينه الرئيسية تهدف إلى الإضاءة على أسباب المراجعة الشاملة للموجودات المثقلة بالمخاطر، وشرح الإصلاحات الجديدة للجنة بازل الهادفة إلى تعديل المقاربة المعيارية لمخاطر الإئتمان، ومخاطر التشغيل، إضافة إلى شرح التحديات التي تواجه مصارفنا العربية في تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية IFRS9 ، ومناقشة المعالجة النظامية للتعرّضات السيادية، والتخطيط الرأسمالي والتطبيق العملي لإطار الربحية المعدل على أساس المخاطر، إضافة إلى خطط التعافي.

إننا نهدف من خلال هذا الملتقى السنوي الدائم إلى تأكيد أهميّة فهم ثقافة إدارة المخاطر والتخفيف من تداعياتها، والعمل معاً على إعداد سيناريو لدراسة أثر تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية IFRS9 على حجم المخصصات والربحية، والقاعدة الرأسمالية والتعرّف على تجارب الدول والبنوك في هذا المجال لتحديد الأطر التي يمكن أن نضعها للتطبيق، وقياس مدى كفاية نظم المعلومات، وتوافر الموارد البشرية والخبرات.

كما سيعمل هذا الملتقى، من خلال هذه النخبة من الخبراء وبينهم خبيران من «بازل» هما مارك فرج ونيل ايشو، وخبراء من سلطة دبي للرقابة على المؤسسات المالية DESA ، إضافة إلى رؤساء إدارات المخاطر في المصارف العربية، على إبراز التحديات الرئيسية التي تواجه المصارف العربية في وقتنا الحاضر، وعلى الآليات الكلية الواجب اعتمادها في فهم وتحديد هذه التحديات والتعامل معها وفقاً للمتطلبات الجديدة لتوصيات بازل، حيث أنّ الفهم الصحيح للمخاطر وبالتالي لآليات وطرق إدارتها على المستوى الكليّ بات يُشكّل المدخل السليم للحدّ منها.

وتابع قائلاً: لا يُخفى على أحد أهمية البحث والنقاش وتبادل الخبرات والمعرفة في كلّ ما يتعلق بالمخاطر المصرفية، وخصوصاً بعد ما أدخلته لجنة بازل للرقابة المصرفية ومجلس معايير المحاسبة الدولي من تعديلات على منهجيات قياس وإدارة المخاطر واحتساب الخسائر الائتمانية المتوقعة، استناداً إلى التطورات والتداعيات التي أفرزتها الأزمة المالية العالمية، والتي تركّزت على نقص السيولة، وضعف رساميل المصارف، والتدنّي في جودة محافظ التسليف.

لعلّ ما زاد من أهمية هذا النقاش، استمرار الاقتصاد العالمي والإقليمي بالتراجع على ضوء تبعات الأزمات المتلاحقة، اقتصادية كانت أم جيوسياسية، والحروب التجارية من كلّ حدب وصوب، حيث أصبحت المصارف بحاجة لأن تكون جاهزة لتحديث أو تغيير خططها واستراتيجياتها لتتمكّن من الاستجابة للتطورات الشاملة الجديدة وما يرافق هذا التغيّر من مخاطر موازية.

أمام هذا الواقع، تداعت الهيئات الرقابية الوطنية والدولية لتطوير قواعد العمل المصرفي المالي، ووضع معايير دولية حديثة تساهم في جعل المصارف أكثر قدرة على تحمّل الصدمات عبر تحديد وضعية مخاطرها بطريقة أكثر شمولية. وقد كان للجنة بازل دوراً قيادياً في هذا المجال، حيث قامت بإجراء تعديلات واسعة وجوهرية في العام 2011 على اتفاقية بازل 2 تمثلت بإصدار قواعد ومعايير جديدة شكلت معاً بازل 3.

أثبتت المصارف اللبنانية في الإجمال خلال الأزمة المالية قدرتها على امتصاص الصدمات وتكبّد أضرارٍ أقلّ مقارنة بالمصارف العالمية، نتيجة الإطار الرقابي الفعّال والممارسات الفضلى في مجال إدارة المخاطر، ومع صدور معايير بازل 3، أكملت المصارف اللبنانية مسارها نحو تحقيق نمو قوي في نشاطاتها مع رفع مستوى رساميلها وتحسين نوعيتها بما يفوق الحدود الدنيا وذلك قبل عدة سنوات من فترة الالتزام النهائية في كانون الثاني 2019، حيث ظلت تتمتع بسيولة كافية مكّنتها من مواجهة العقبات المستقبلية وأيّ أزمات محتملة على المدى القصير الأجل عن طريق نسبة تغطية سيولة مرتفعة، وعلى المستوى الطويل الأجل عن طريق نسبة صافي التمويل الثابت وهي نسبة مرتفعة أيضاً.

في كانون الأول 2017، أصدرت لجنة بازل للرقابة المصرفية، الورقة النهائية التي تتضمّن مجموعة من التعديلات على المناهج المعيارية لقياس وإدارة المخاطر الائتمانية ومخاطر التشغيل والتي تعتبر بمثابة المراجعة النهائية لاتفاقية بازل 3 أو ما يصطلح على تسميته بازل 4. إنّ هذه المراجعات والتعديلات تعتمد على تقليص الفجوة بين المناهج المعيارية والمناهج الداخلية بما يخصّ مخاطر الائتمان ويفرض منهجاً جديداً لاحتساب المتطلبات الرأسمالية لتغطية مخاطر التشغيل. وكانت لجنة بازل قد انتهت من التعديلات النهائية على مناهج احتساب مخاطر السوق في كانون الثاني/ يناير 2019 ويتوقع أن تدخل كلّ هذه التعديلات حيّز التنفيذ بحلول يناير2022، وأودّ أن أشير إلى أنّ من شأن هذه التعديلات أن تشكل ضغطاً على رساميل المصارف العالمية عامة واللبنانية خاصة، التي بدأت بالتحضير لمرحلة الالتزام عبر إعادة تدوير جزء كبير من أرباحها، وتحسين نوعية موجوداتها المرجحة بأوزان المخاطر، ورفع مستويات التحوّط واتباع سياسة تسليف واستثمار أكثر انتقائية في مختلف الأسواق المحلية والعالمية.

أما بالنسبة إلى المعيار الدولي للتقارير المالية رقم IFRS9 الصادر عن مجلس معايير المحاسبة الدولي والمتعلق بالأدوات المالية والمخصصات المالية، والذي أصبح إلزامياً منذ بداية العام الماضي، أودّ أن أشيد بدور المصارف العربية عامة واللبنانية خاصة التي خاضت بنجاح غمار الالتزام بهذه المعايير الجديدة بما فيها من تحديات جمة. لعلّ أبرز هذه التحديات ضرورة تعزيز التنسيق بين الوحدات المتخصصة داخل المؤسسات ومع مفوضي الرقابة، وتحقيق التكامل والتوافق بين البيانات المالية والمخاطر، بالإضافة إلى تحديات جمع وحفظ البيانات التاريخية الضرورية لوضع النماذج الخاصة بالخسائر الائتمانية المتوقعة وتحديات البنية التحتية وأنظمتها.

لا شك أنّ التحديات كبيرة، والاستحقاقات وشيكة، وتتطلب منّا أعلى مستويات التعاون، وتوفير الموارد الضرورية لتطبيق سياسات إدارة مخاطر فعّالة، ولن يكون ذلك ممكناً إلا بتطوير الخبرات البشرية في مجال إدارة المخاطر وما هذا المؤتمر إلا فرصة لتضافر الجهود في هذا المجال».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى