الحرب الإيرانية ـ الأميركية نحو مراحلها العسكرية!

د. وفيق إبراهيم

الإقفال البريطاني لمضيق جبل طارق عند رأس البحر الابيض المتوسط امام الناقلات والسفن الإيرانية المتجهة الى سورية أكثر من مساهمة بريطانية في التضييق الاقتصادي على إيران.

يبدو الأمر وكأن مملكة الانجليز تريد منع انسحاب إيران من الاتفاق النووي من يوم غد الأحد في السابع من الشهر الحالي.

فتتعمّد إيقاف ناقلة نفط إيرانية عند السواحل الاسبانية الملاصقة لمستعمرتها في جبل طارق وتحتجزها بحجة أنها تنقل نفطاً الى سورية.

لكن سوء النية البريطانية ينكشف من مخالفة هذا العمل للقانون الدولي من جهة، وحتى للقرارات الأوروبية والأميركية المختصة بالعقوبات على إيران.

فمجلس الأمن الدولي لم يكلف انجلتره بقطع المضيق أمام الناقلات الإيرانية وهذا مخالفة أولى، أما لجهة العقوبات الأوروبية الخاصة بسورية، فإنها محصورة بمنع شراء دول أوروبا للنفط السوري. وفي حالة الناقلة الأسيرة عند البحيرة البريطانية فكانت تنقل نفطاً الى الشعب السوري عبر دولته الشرعية دولياً.

كما تجاوزت هذه القرصنة البريطانية ذات الجذر التاريخي العقوبات الأميركية نفسها التي لم تستعمل القوة المباشرة على إيران، بل استعملت نفوذها العالمي لمنع الدول الموالية لها لقطع علاقتها الاقتصادية والنفطية بإيران.

هناك إذاً تصعيد بريطاني يدفع بالأوضاع الى واحد من احتمالين: الدفع نحو المفاوضات أو تسهيل أسباب الحرب على إيران.

على مستوى المفاوضات كان بإمكان الأوروبيين الاستمرار في التعامل الاقتصادي مع إيران بناء على اتفاقات سابقة، لكن الاتحاد الأوروبي أنجز آلية ضعيفة تكتفي بتبادل لسلع لا يشملها الحظر الأميركي.

ما يضع السلوك البريطاني في خانة تهديد إيران التي تصبح مكرهة على خرقه، فتحدث حرب يبدو أن بريطانيا تريدها لحسابات ليست أوروبية صرفة، والدليل أن انجلتره أكثر التصاقاً بالسياسة الأميركية منذ ستة عقود على الأقل. وهي في المراحل النهائية من خروجها من الاتحاد الأوروبي وسط ابتهاج أميركي تعكسه تصريحات الرئيس الأميركي ترامب بهذا الخصوص.

هناك إذاً تمهيد بريطاني لدفع الأمور نحو الحلول العسكرية، بالتوازي مع مساعٍ سعودية وإماراتية لاعتماد «إسرائيل» كقوة قادرة على قصف قواعد إيرانية، والحجة جاهزة. وهي ان هذه المواقع نووية والتغطية العربية للقصف الإسرائيلي المحتمل هو أردني ومصري وخليجي ومغربي، وكالعادة برعاية أميركية.

أليس هذا هو الناتو العربي الذي أسسه الأميركيون في قمم مكة الثلاث وصفقة القرن في المنامة ويعمل آل سعود على الاستثمار فيه لحماية عرشهم؟ لكنهم يريدون توسيع مدى حركته لشنّ حرب تُنهي أنصار الله في اليمن، فيتسلمون إدارته عبر دميتهم عبد الهادي بالتعاون مع إدارة أميركية تشرف على المنطقة الممتدة من بحر عدن نحو باب المندب من جهة والمحيط الهندي من جهة ثانية.

فالسعوديون يدركون أكثر من غيرهم أن الحرب على إيران إقليمية. فها هي الطائرات المسيرة اليمنية والصواريخ تنهال على مطارات جيزان وأبها وعسير بما أدى الى تعطيلها وصولاً الى إعلان أكبر مستثمر أجنبي في تلك المنطقة وهو كوريا الجنوبية توقيف استثماراتها فيها، مع دعوة مواطنيها الى عدم الاقتراب منها.

وتطوّر القصف اليمني نحو مناطق أبعد في الداخل السعودي يؤدي الى تهجير الشركات الأجنبية تدريجياً مع اصابة الوظيفة النفطية السعودية بتصدير النفط بعطب شديد، حتى ان محاولات تصديره من مرفأ ينبع عبر البحر الأحمر بتجاوز باب المندب لم ينفع، لأن صواريخ يمنية أصابته في الأوقات السابقة ودمّرت قسماً من الأنابيب الداخلية المتصلة به.

هناك ثلاثة أطراف تريد الحرب على إيران بأي ثمن، وجهة رابعة لا تستحسن الفكرة في الوقت الحاضر فقط، وقد تسعى اليها في مراحل لاحقة.

البلد الاول هو السعودية ولها أسبابها الواضحة بالدعوة الى تفجير إيران، فهناك اليمن من جهة والتحالفات الإيرانية مع العراق من جهة ثانية وخوف آل سعود على عرشهم من ناحية ثالثة وزعامتهم العربية والاقليمية والاسلامية وهو موضع اعتراض إيراني، فضلاً عن رغبة سعودية بجذب «إسرائيل» الى حلفها وإرضاء الأميركيين.

أما بريطانيا فليست إلا وسيلة أميركية تعتقد أن عودتها الى القرار الدولي رهن بتوسيع دورها الاقتصادي في الشرق الاوسط والعالم الإسلامي.

ويعتقد القادة الانجليز من المحافظين أن الأميركيين ميالون الى تلبية تطلعاتهم.

ماذا عن «إسرائيل»؟

الكيان المحتل صاحب مصلحة كبيرة بتدمير إيران وإعادتها الى الشاهنشاهية.

لأن الجمهورية الاسلامية هي الدولة الوحيدة الى جانب سورية التي لا تزال تتمسك بفلسطينية كامل فلسطين بقدسها كاملة والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة. هو اذاً صراع ذو طبيعة بنيوية نجح بدعم قطاع غزة في فرض استمرار القضية الفلسطينية مانعاً صفقة القرن من تحقيق مآلاتها الخطيرة ومساهماً في الصمود السوري الذي حال دون تحقيق المشروع الأميركي الإسرائيلي الخليجي التركي بتفتيت سورية.

يتبقى الأميركيون الذين يطبقون عقوبات عالمية هائلة على إيران كانوا يعتقدون أنها تستطيع كسر الحكم الاسلامي فيها وجذبهِ نحو مفاوضات استسلامية او انفجار العقد الاجتماعي الإيراني نحو تفتيت عرقي ومذهبي يُنهي الصلابة الإيرانية التاريخية.

هذا الصمود الإيراني يتجاوز العقوبات الأميركية ويدفع بالأميركيين منطقياً للذهاب نحو تصعيد عسكري بالمباشر أو بقيادة الحرب من المقعد الخلفي بواسطة «إسرائيل» والسعودية وحلفائهما.

فهل يذهب الأميركيون نحو هذا الخيار؟

الصعوبة هي أن ترامب يريد تنفيذ وعوده للأميركيين بعدم التورط في حروب والاستمرار في خفض أسعار الطاقة والسلع الشعبية لكسب أصواتهم في 2020.

لكن هذه الحرب تدفع نحو اسعار خيالية للنفط والغاز وبالتالي الوقود كما تعزز صعود اسعار السلع لذلك يريد ترامب استمرار الضغوط الاقتصادية على إيران مع حرب سعودية إسرائيلية على اليمن وتشديد الحصار على سورية والتأسيس لدويلة كردية فيها.

هذا ما يريده ترامب فهل تنصاع إيران لرغباته؟

بالطبع لا. إن إيران واليمن والإقليم ذاهبون نحو الدفاع عن بلدانهم، بكل الطرق بما فيها تحويل الشرق الاوسط الى جهنم للأميركيين وأعوانهم وبطرق مختلفة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى