تغاضي روسيا عن ضرب «إسرائيل» لسورية … هل يشمل لبنان؟

د. عصام نعمان

فجر الأول من تموز/ يوليو، وقبل ساعات معدودات من إعلان إيران عزمها على تجاوز الحدّ المسموح به لإنتاج الاورانيوم المخصّب بموجب الإتفاق النووي، استهدفت «إسرائيل» بصواريخ جو – أرض وبحر – أرض 12 هدفاً في سورية تقع على مسافة تتراوح بين 40-30 كيلومتراً من حدود سهل البقاع في لبنان و160 كيلومتراً من الحدود مع الجولان السوري المحتلّ.

«إسرائيل» لم تتبنَّ الهجوم ولم تنفِه. لكن المحلل العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي كشف في تقرير نشره موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية انّ جولة القصف انصبّت على أهداف في سورية لها علاقة بـ «تزويد حزب الله بالصواريخ»، مشيراً الى أنه «من الصعب على الحزب نشر عدد كبير من الصواريخ في لبنان».

وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» قالت إنّ الهجوم الإسرائيلي أسفر عن مقتل 4 مدنيين وإصابة 21 آخرين بجروح بعد ان طالت الأضرار منازلهم، وانّ الدفاعات الجوية تمكّنت من إسقاط عدد من الصواريخ الإسرائيلية.

اتضح لاحقاً انّ المضادات السورية انطلقت من منصات «بانتسير أس 2» و«أس 200» نحو الصواريخ المعادية، وانّ منظومة «أس 300» للدفاع الجوي لم تُستخدم في التصدي للهجوم الإسرائيلي، وانّ ردة فعل روسيا على الاعتداء اقتصرت على وصف رئيس مجلس الامن القومي الروسي نيكولاي بيتروشيف الغارات الإسرائيلية بـ»غير المرغوب فيها»!

ما وراء فتور روسيا في دعم سورية؟

ثمة أسئلة إضافية تُطرح في هذا السياق: لماذا لم ينقل الروس السيطرة على بطاريات «أس 300» إلى سورية؟ وهل صحيح ما كان قد أدلى به رئيس الأركان الإسرائيلي السابق الجنرال غادي ايزنكوت بأنّ «إسرائيل» مسؤولة عن شنّ «آلاف الهجمات والغارات» ضدّ مراكز او مخازن أسلحة وصواريخ لإيران وحزب الله في سورية؟ وما سرّ توقيت العدوان الإسرائيلي غداة اللقاء الثلاثي لرؤساء مجالس الأمن القومي لأميركا وروسيا و«إسرائيل» في القدس المحتلة؟

في غمرة هذه الأسئلة الباعثة على الارتياب، وفي تزامن لافت صدرت ثلاثة تصريحات مريبة عن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين:

ـ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قال في كلمة له باحتفال لتكريم وحدات احتياط عسكرية متفوّقة: «إننا دولة صغيرة الحجم في هذه المنطقة، وكلما اضطررنا الى الدفاع عن أنفسنا، يتعيّن علينا نقل الحرب الى أراضٍ أخرى. إنّ الاختبار الأكبر هو في المعركة، وعلينا نقل المعركة الى أراضي العدو وتوسيع أراضينا».

ـ رئيس الموساد يوسي كوهين أعلن أمام «مؤتمر المناعة والأمن القومي الإسرائيلي في هرتسيليا» في خطاب وصفه بعض الإعلام الإسرائيلي بأنه كُتب وصيغ بموافقة نتنياهو شخصياً «Ynet»، 2019/7/2 «انه إذا لم تشارك الولايات المتحدة «إسرائيل» في عملية عسكرية ضدّ إيران، فإنّ «إسرائيل» ستتحرك ضدّ النووي الإيراني بقواها الذاتية وبوسائل متعددة».

ـ وزيرالخارجية ازرائيل كاتس صرّح بعد زيارته ابو ظبي بأنّ تل أبيب «لن تسمح لطهران بالحصول على أسلحة نووية حتى لو تعيّن عليها العمل بمفردها».

هذه التطورات والتصريحات والمواقف تثير التساؤل عمّا تعتزم «إسرائيل» فعله في هذه الآونة. صحيح انه يصعب عليها، إنْ لم يكن يستحيل، ان تعمل بمفردها ضدّ إيران، خصوصاً اذا كان العمل ينطوي على شنّ حرب ضدها، إلاّ انّ ذلك لا يعني استبعاد قيامها بعملية عسكرية واسعة تستهدف حلفاء إيران الفاعلين: سورية، حزب الله، «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة.

في المقابل، تستطيع روسيا التغاضي عن قيام «إسرائيل» بضرب أهداف إيرانية في سورية، إلاّ أنها لا تستطيع القبول بضرب سورية ذاتها. سورية حليفة قديمة وحاضنة لقواعد بحرية وجوية لها، فيصعب على موسكو السماح لـِ «إسرائيل» بضربها أو بتعطيل دورها في حومة الصراع الدائر في المنطقة. لكن موسكو تستطيع أن تتغاضى عن ضرب حلفاء إيران في سورية، كما في قطاع غزة. أليس الهجوم الصاروخي الإسرائيلي المتعدّد الأهداف في سورية فجرَ الأول من تموز/ يوليو ترجمة فعلية لسياسة روسية باتت معلومة وشبه مسكوت عنها عنوانها التغاضي عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على سورية بدعوى أنها تستهدف قواعد ومخازن أسلحة إيرانية فقط؟

غير انّ تطوّراً لافتاً حدث مؤخراً هو قيام «إسرائيل» بضرب مواقع وقواعد للجيش السوري تحديداً بدعوى أنها تابعة لإيران. اللافت في الأمر انّ «إسرائيل» باشرت، على ما يبدو، سياسة استهداف سورية ذاتها بما هي حليف متكامل مع حزب الله تتولى حماية مواقعه ومعامل تصنيعه للصواريخ الدقيقة، فضلاً عن احتضانها منصات إطلاقها.

الى ذلك، لا يُستبعد ان يكون مخطط «إسرائيل» في هذه الآونة التركيز على حزب الله لتحقيق أهداف استراتيجية ثلاثة:

أولها، منع الحزب من تصنيع صواريخ دقيقة تمكّنه، وحده، من تشكيل رادع قوي ضدّها.

ثانيها، استخدام تفوّقها العسكري والتكنولوجي أداةً للمناورة من اجل قضم المزيد من المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة للبنان حيث يوجد احتياط هائل من الغاز قيل إنّ مردوده يزيد عن 600 مليار دولار.

ثالثها، شنّ الحرب على لبنان للتوسّع برياً على طول حدوده الجنوبية مع فلسطين المحتلة، واشتراط الانسحاب مما جرى قضمه برياً وبحرياً مقابل عقد اتفاق يوفّر حماية قانونية وامنية لمنشآت «إسرائيل» النفطية والغازية في البحر الابيض المتوسط.

ما العمل؟

أرى انّ أطراف محور المقاومة مدعوة الى عدم التغاضي عن تغاضي روسيا عن الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على سورية مباشرةً وعليها عبر لبنان مداورةً، وان تضغط على موسكو لتزويد سورية بمنظومة «أس 400» للدفاع الجوي بغية تمكينها من حماية أجوائها وامتدادها الاستراتيجي فوق لبنان. كلّ ذلك مع التركيز على التثمير في بناء القوة الذاتية واستحواذ الكفاية التكنولوجية والتنمية المستدامة.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى