بعد الموازنة… الحكومة عند «كوع قبرشمون»… وتساؤلات عن المشاركة القواتية رئيس «القومي»: سنواجه صفقة القرن… ونعم لقانون انتخاب لاطائفي كمدخل لبناء الدولة

كتب المحرّر السياسي

تواصل إيران تسجيل النقاط في المواجهة المفتوحة حول ملفها النووي، بعدما أكدت واشنطن ولندن اللتان تتصدران المواجهة معها حول الملاحة البحرية في الخليج، أنهما لا تريدان المواجهة العسكرية وتسعيان للحلول السياسية، فكان الجواب الإيراني على طلب أميركي للتفاوض بلا شروط مسبقة، ان رفع العقوبات التي تشكل حرباً مالية واقتصادية، هو المدخل لأي تفاوض بلا شروط لأن التفاوض تحت سيف العقوبات هو رضوخ للشروط غير القانونية التي فرضتها واشنطن. وهذا لن تفعله إيران. أما لندن التي وسطت سلطنة عمان للقيام بوساطة لمقايضة الناقلة الإيرانية المحتجزة في مضيق جبل طارق بالناقلة البريطانية المحتجزة في هرمز، فقد بقيت على تأكيد تمسكها بالاتفاق النووي وسعيها لحمايته بإجراءات اوروبية كما نقل الوسطاء إلى طهران وأكد وزير الخارجية البريطانية في محادثته مع وزير الخارجية الإيرانية وفقاً لما قالته مصادر متابعة، رغم الكلام الذي يوجهه بعض المسؤولين البريطانيين للاستهلاك الإعلامي بلغة العنتريات.

لبنانياً، مع نهاية مناقشات الموازنة وما تضمنته من تفاهمات سمحت لها بالتحول إلى تسوية مالية مؤقتة بانتظار ما ستحمله مناقشات موازنة العام 2020 في الخريف المقبل، ينتظر الحكومة شهران من الفرصة للتوافقات بين مكوناتها الرئيسية يتوقع ان تنفقها لحسم ملف التعيينات، إن نجحت بتجاوز عقدتي ما بات يعرف بـ»كوع قبرشمون» حيث تتوقف الحافلة الحكومية، أو معارضة القوات اللبنانية من داخل الحكومة ترجمته بالتصويت ضد الموازنة في تسجيل لسابقة تريد من خلالها الاحتفاظ بعائدات المشاركة وقطف أضواء المعارضة، وهو ما قالت أوساط مقرّبة من رئيسي الجمهورية والحكومة أنه أمر لن يمر بلا توقف عنده وفتح الخيارات أمام القوات بين مشاركة لها تبعات وموجبات، أو معارضة لها تبعات، واستحالة الجمع بينهما.

بالأولوية يتقدّم ملف كوع قبرشمون على ملف معارضة القوات، حيث لا تزال الحكومة عالقة عند «الكوع» عاجزة عن التقدم، والوساطات المستمرة ومثلها المساعي الأمنية التي يقودها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لا تزال تصطدم بالمواقف المتباعدة لطرفي القضية، والاصطفاف السياسي المتوازن خلفهما. فالنائب طلال إرسلان مقتنع بأن طرح قضية إحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي على التصويت في أول اجتماع للحكومة ممكن ويشكل مخرجاً من تأجيل عقد الحكومة بحثاً عن التوافق. وتقول مصادر متابعة أن رهان إرسلان هو على استحالة أن يسير التصويت وفقاً لما يتم تسريبه بتوازن التعادل، فلا رئيس مجلس النواب نبيه بري يمكن أن يذهب للتصويت ضد المجلس العدلي ويبدو منحازاً خصوصاً في ظل تصويت حزب الله مع المجلس العدلي وعدم وجود سابقة تصويت أحد طرفي الثنائي ضد الآخر. ولا رئيس الحكومة يمكن أن يصوت فيما رئيس الجمهورية صاحب الاقتراح ولا يحق له التصويت، ولا وجود لسابقة تصويت لرئيس الحكومة بهذا الشكل التصادمي مع رئيس الجمهورية. وبالتالي فإن التأجيل بذاته هو العرقلة ولذلك خاطب إرسلان رئيس الحكومة سعد الحريري داعياً للدعوة إلى جلسة للحكومة وإعلان استعداده لقبول النتائج، ولو كانت ضده فعندها يكون قد قام بواجبه وتحمل الجميع مسؤولياتهم تجاه ما جرى، والحادثة تمسّ حياة وزير، والموقف يشكل سابقة، أما حسابات النائب السابق وليد جنبلاط وفقاً للمصادر ذاتها فتركز على اعتبار القبول بالدعوة لتسليم المطلوبين للتحقيق، والسير بالذهاب إلى المحكمة العسكرية، جعلها تتقدم بنقطتين على إرسلان، خصوصاً ان فرضية المحكمة العسكرية كانت تحتمل ضمناً إمكانية الذهاب لاحقاً للمجلس العدلي وأنها جاءت من فريق رئيس الجمهورية.

على صعيد موقع لبنان من قضايا المنطقة كانت لرئيس الحزب السوري القومي الإجتماعي فارس سعد بكلمة في مخيم حزبي في كفرمشكي راشيا، أكد خلالها على خطورة استعمال المراكز الحكومية لتطبيق السياسات الحزبية كما حدث في قرارات وزير العمل الخاصة بالفلسطينيين، معلناً أن فلسطين تبقى البوصلة بالنسبة للقوميين ، وأن مواجهة صفقة القرن امتداد للمواجهة مع الإرهاب الذي استهدف سورية، وللاحتلال الذي تحرر منه لبنان بفعل المقاومة، ودعا لقانون انتخاب لاطائفي للبنان دائرة واحدة على اساس نسبي كمدخل لبناء الدولة.

طالب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي فارس سعد الحكومة بأن تتحمل مسؤولياتها، داعياً إلى أن يتوقف بعض الوزراء عن اتخاذا القرارات وفقاً لتوجهاتهم السياسية: على غرار قرار وزير العمل وتداعياته. وشدد على أن الحكومة مطالبة بالتواصل مع الحكومة السورية حول العديد من الملفات وفي مقدمها ملف النزوح، لا أن تبقى الحكومة تدور في فلك الدول التي تعرقل عودة النازحين.

وقال في كلمة ألقاها خلال رعايته حفل تخريج مخيم مفوضي الأشبال المركزي في محيط بلدة كفرمشكي ـ راشيا، انه بالأمس تمّ إقرار الموازنة في المجلس النيابي، ولكن مطالب الناس لم تتحقق، ووجعهم لم يتوقف، لأن هذا الوجع نتاج الأزمات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية وهذه الأزمات ستتفاقم، نتيجة غياب السياسات الاقتصادية التي تنقل لبنان من الاقتصادي الريعي إلى اقتصاد الإنتاج والمعرفة.

وتابع: إننا نعول فقط على وقف المسار الانحداري عند هذا الحد، ونهيب بالجميع لكي يتحملوا مسؤولياتهم، وبأن يكون العنوان الرئيس، هو سن قانون جديد للانتخابات النيابية على اساس لبنان دائرة واحدة واعتماد النسبية الكاملة وخارج القيد الطائفي، وبهذا نؤسس لبلد المواطنة والدولة القوية القادرة والعادلة.

وختم سعد: إن دورتكم اليوم، تحمل اسم فلسطين، لذلك أؤكد لكم أن فلسطين ستبقى هي بوصلة صراعنا القومي، وكما واجهنا العدو الصهيوني على أرض فلسطين ولبنان، وكما واجهنا الإرهاب والتطرف على أرض الشام، سنواجه «صفقة القرن» التي تستهدف تصفية المسألة الفلسطينية، وستكون الأولوية بالنسبة لنا، دعوة الشعوب العربية وكل أحرار العالم إلى التحرك نصرة لفلسطين، ونحن واثقون بأن نبض الشعوب العربية مع فلسطين.

الى ذلك وبعد ما أقرّت الموازنة يوم الجمعة، فإن المسار الدستوري يتمثل بتوقيع رئيس الجمهورية مرسوم إقرارها ليتمّ نشرها بعد ذلك في الجريدة الرسمية وتأخذ مجراها التنفيذي، بيد أن هذه الخطوة الرئاسية ستعقبها خطوات عسكرية تصعيدية جديدة لكن وفق الأطر الدستورية حيث يتجه العسكريون المتقاعدون الى تقديم طعن بالبنود الذي تستهدف مخصصاتهم، والعمل جار على جمع عشرة نواب للتوقيع، ولفتت مصادر معنية لـ«البناء» الى ان على مجلس الوزراء ان يجتمع في اسرع وقت من اجل تعيين الأعضاء الخمسة المتبقين في المجلس الدستوري بعد أن انتخب مجلس النواب الاعضاء الخمسة المعني بانتخابهم.

وشدّد وزير المالية علي حسن خليل على «أن ما جرى بموضوع الموازنة مهم كثيراً في سياق الانتظام الضروري للدولة، والأهم منه هو كيف نتمكن وبسرعة أن نحضر موازنة للعام المقبل وعندها يتعاطى العالم معنا بطريقة جدية اكثر، فالدول والمؤسسات المانحة تصبح تتعاطى معنا بنظرة مختلفة وهذا مهم. واليوم اذا حصلنا على ثقة اكبر من المجتمع الدولي ودخلنا حقيقة في عمل اصلاحي نستطيع أن نعمل فرقاً كبيراً بحياة الناس وبمستقبل البلد». وتابع: إن الالتزام الدولي بلبنان ما زال قائماً، فليس من السهل اليوم بمستوى تصنيفنا، ان نجد جهات خارجية عندها التوجه والنية للتمويل، لتمويل مشروعات. وهذا الامر يفرض علينا ان نشعر اكثر بالمسؤولية، وأن ننجز قضايانا باقل كلفة ممكنة على البلد واستقراره بالأمن والسياسة وامور أخرى».

وعن إمكانية الوصول إلى «تفاهم حول أحداث الجبل قائمة»، قال خليل خلال استقباله في منزله في الخيام وفداً من رؤساء اتحادات وبلديات ومخاتير منطقة حاصبيا: «في هذه الفترة عادت واستؤنفت الاتصالات بالطريقة التي يجب ان توصلنا الى حل، والأهم بالنسبة الينا أن تكون هناك قدرة على إقرار مصالحة بالتوازي مع المتابعة القضائية والأمنية، ويجب ان تكون متابعة بالسياسة، لاستيعاب هذه المشكلة خاصة أنها في البيت الواحد، وهذه مصلحة للكل، وإذا افترض أي شخص أنه يستطيع ان يستفيد من الخلافات، يكون واهماً».

وسط ما تقدّم، وفيما كان التعجيل في اقرار الموازنة هدفه استقطاب أموال سيدر واستثماراته، فإن هذا الواقع، بحسب مصادر وزارية لـ«البناء» يبقى رهن انعقاد مجلس الوزراء وانتظام عمل المؤسسات، بيد أن ما يجري لا يبشّر بقرب انعقاد مجلس الوزراء انطلاقاً من ان حادثة قبرشمون وإحالة الملف إلى المجلس العدلي لا تزال تخيم على الواقع الحكومي، فكل الاتصالات لم تنجح حتى الساعة في التوصل الى حل يرضي الطرفين ويدفع باتجاه التئام مجلس الوزراء. وتلفت المصادر الى جملة معطيات دولية تشير الى ان اموال سيدر مجمدة راهناً ربطاً بالإصلاحات المطلوبة التي لم تبصر النور كاملة، وعدم الثقة الدولية والغربية بتخفيض الحكومة العجز.

وليس بعيداً وفي إطار مواصلة اللقاءات لبلورة حل لقضية حادثة قبرشمون اجتمع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ووزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب امس، بعدما كان ابراهيم التقى الوزير السابق غازي العريضي، عند رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والتقى إبراهيم رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان وتواصل مع رئيس الحكومة سعد الحريري. ولفتت مصادر متابعة لـ«البناء» الى ان كل الجهد منصب على تحقيق فجوة من شأنها أن تمهد الطريق لعقد جلسة لمجلس الوزراء، لافتة الى ان الساعات المقبلة ستكون حاسمة لمعرفة ردود فعل القوى السياسية على الصيغ المطروحة، خاصة أن اقتراح الوزير سليم جريصاتي القائم على تسليم التقدمي الاشتراكي والديمقراطي اللبناني المطلوبين تمهيداً لإحالة الملف على المحكمة العسكرية يحظى بموافقة الحزب الاشتراكي، علماً أن البعض اشار الى ان النائب ارسلان رفض هذا الاقتراح، ودعا الى التصويت عليه في مجلس الوزراء أسوة بالتصويت على المجلس العدلي ليبنى على التصويت مقتضاه. واعتبرت المصادر ان الرئيس سعد الحريري بات مقتنعاً أكثر من ذي قبل بضرورة التئام مجلس الوزراء لما لذلك من اهمية وضرورة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

ومع ذلك فقد دعا النائب ارسلان رئيس الحكومة «لتحمل مسؤولياته كرئيس لوزراء لبنان وإلا سيتهم بأنه شريك بتغطية ما حصل والحريص على دم أبيه الشهيد رحمه الله يجب أن يكون حريصاً على دم الناس الأبرياء ووزرائه، اذا كان يحترم موقعه كرئيس للحكومة ليس في الشكل فقط بل بالمضمون».

أضاف «فلنذهب الى مجلس الوزراء جميعاً ولنصوت على إحالة قضية الاغتيال الى المجلس العدلي احتراماً لدم الشهداء واحتراماً لمجلس الوزراء كمؤسسة، ومن يعتقد حضورنا في مجلس الوزراء سيكون نزهة للتذاكي على مطلبنا العادل والمحق فليخيّط بغير هذه المسلّة».

وكان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط، قد أكد في اننا سنواجه التحديات بكل هدوء وتصميم أكثر من اي وقت مضىن ودعا إلى «أن يكون الهدوء سيد الموقف وكل شيء يعالج بالحوار، إنها نصيحة للرفاق وللجميع».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى