«الهروب من جنّة آدم»… الحلّ الأمثل للخروج من عنق الزجاجة!

طلال مرتضى

كان يمكنني مجاراة الحكائين وناقلي أخبار الحكايات والتوقّف عند حد الاستماع ثم التجاهل والنسيان، لكون الحكاية التي نودّ الكلام عنها تخضع لسلطة «الرجل الذكر» والتي تمرّ تحت سقف المسكوت عنه من باب التبرير، ما هي إلا حالات فردية ولا يمكن تعميمها أو إسقاطها على الجميع..

الآن لقد اختلّت موازين الحكاية وسقط بندول موجّه بوصلتها جهاراً بعدما وضعتها الكاتبة المصرية الإيطالية عبير السيد على مائدة الكلام لتكون صك الإدانة في وجه ما أطلقت عليهم «الرجال الذكور» في المطالع، وذلك من خلال منجزها الجديد مجموعة قصصية «الهروب من جنة آدم» والتي صدرت عن دار ملتقى المعرفة ـ مصر.

عملت الكاتبة لقيام منجزها على توثيق أكثر من خمسين حالة واقعية وذهبت بها إلى نواصي الأدب لتبيان الهوة الفادحة لعقلية آدم الجوفاء..

للمقاربة والوقوف على نقاط مشتركة تجلّي عن هذا المنجز غبار رمي الكرة في ملعب الخصم هذا من باب أن الكاتبة أنثى. فمن الطبيعي أن تنحاز أو تتعاطف مع مثيلاتها من النساء. وهنا أقول، وفيما تلمّسته من خلال أقامتي في المغترب وبعد وصول حالات الطلاق والتفكّك الأسري بين العائلات العربية إلى ما بعد الطمي، يعزو الكثيرون من الرجال متذرّعين بالقول وممن وصلوا المغترب مع عائلاتهم أو من خلال لمّ الشمل بعد الحصول على أوراق الإقامة إن فشل زيجاتهم بسبب أن الدولة هنا هي من تشجّع النساء على هذا، وفرعنتها على زوجها بدءاً من باب استقلالها المادي الكلّي عن الرجل، خصوصاً لمن يخضعون لنظام الدعم الاجتماعي ومنهم من يدّعي الخوف من الذوبان في المجتمع الجديد وارتداء طقوسه، خصوصاً ما يخصّ الإناث من أبنائه.

لكن السؤال العالي الذي يحضرني كردّ على تلك الأسباب الواهية، أليس الطلاق هو ضياع آخر للعائلة؟ لعلّ الأسئلة لا تتوقف هنا، فالقارئ نفسه قد يتوقف ويصرخ بوجهي بسؤاله المباح، لماذا؟!

فالجواب لا يمكن هنا مجانبته بعدما اكتمل نصاب الحكاية من ألف حريقها إلى ياء انفجارها. من الطبيعي وكرجل شرقي معبأ بأفكار أبي الطاعن في السرّ وتعاليم حليب أمي، وردّة العشيرة وقصص الانتماء إلى قطيع بشري يتسيد مشهده الكلي بالعقلية الذكورية المطلقة، فالإيغال عميقاً في فحوى تلك القصص قد يمسّ أو يكسر أو يقلّل من هيبة «سي السيد» والحديث بصوت عالٍ من باب العدل، يعتبر طعناً في الصميم..

الوقوف على تعداد حالات الطلاق والهجر في ما أسميهم مفرز حرب، ممن تركوا بلادهم بعد قيامة الحرب الكافرة. وهنا أخصّ أبناء دائرتي الضيقة حتى لا أذهب نحو البعيد، العائلات السورية والعراقية تحديداً، فالرقم يتهيّب المرء ذكره بصراحة بعيدا عن النتائج المخيفة والتي أبدأ بأقلّها بعد ضياع الأسرة مثل حجر الأولاد من قبل الدول المستضيفة وإدماجهم في تفاصيل أبعد من أهداف الاندماج الإيجابي المبنيّ على التلاقي دون ضياع الهوية الأولى..

بالتأكيد كنّا نتداول الأمر على أنه حالة فردية على الرغم من عدم قناعتنا وذلك لأن حالات الطلاق بين أبناء الجاليات العربية والمسلمة تحديداً صار مثل زاد على طاولات الطعام. والنتيجة النهائية هنا تقول لا بدّ من ترك حل ليس بالضرورة أن يكون مرضياً أو حتى ناجعاً، بل من باب ذر الرماد في العيون لتتكحّل الرؤى والرؤيا معاً، فأقول مسلماً ومقرّاً إقراراً لا مناص من مناصرة أبناء جلدتي الرجال بأن الحكاية ليست إلا فرعنة للمرأة تفتعلها الدول المضيفة لتزرع الشقاق بين العائلات لتستولي على أولادنا أو حسبما يقال إن النساء بعدما صار لها راتب وتفرعنت وطلع لها قرون وطالبت بحقوقها التي أقلها التحرّر من طقوس الرجل.

هذا كلام جدليّ، لا يمكن حلّه أو الوصول إلى حل مرضي بالمطلق لكون الرجل متمترساً وراء عاداته وتقاليده ودينه وكذلك المرأة تبحث عن باب حريتها الموصد..

فيما طرحت الكاتبة السيد في منجزها أجد بأن عدداً ممن تطرّقت لقصصهنّ لسنا عربيات ولسنا مسلمات، أما دخلن الإسلام من باب إرضاء الزوج أو من باب القناعة لكونه الإسلام دين السماحة، وهنا الجواب النهائي لكل ما تقدّم من إرهاصات الكلام أعلاه، لنقل إن العربيات كبرت رؤوسهن بعدما وصلن بلاد الحرية كما يقولون، لماذا حال الأوروبية مع الرجل العربي كحال العربية معه..

أترك الاستنتاج للقارئ ليكمل هو وبكامل وعيه، قناعته الخاصة حول الحكاية ليتسنّى لي رصد المنجز القصصي هذا من زاوية تالية، وهو ما يتعلق بقراءتي له والوقوف عما له وما عليه تحت عتبة النقد إن صح الكلام.

الكاتبة السيد قدّمت منجزاً واقعياً وصوراً لحيوات متصلة منفصلة، متصلة لكون القصص التي تم رصدها تتشابه وبطلها واحد، ومنفصلة من باب أنها ذهبت إلى جغرافية مختلفة في كل موضع كتابي تطرّقت له.

من المتعارف حين يقترب أي منجز أدبي في تفصيلاته من الواقع، فإن منسوب هالة التشويق تخفت في مطرح وقد تخبو تماماً في آخر. وهو أمر طبيعي لكون الحكاية تتوسّل الواقع واليومي على الرغم من محاولة الكاتبة اللعب على وتر الشعر لترطّب أجواء الحكايات. وبالتأكيد هذا لا يعيب المنجز لواقعيته أو مباشرته. فالقصص أتت معتبة بعناوين جلّها كلاسيكية المعطى كثيراً ما تسلم للقارئ مفاتيح القصص من دون عناء، وأما الحالة البنائية فقد أتت منسجمة مع صيرورة ما تطرّقت إليه الحكايات منفردة، وهذا ما يجعل القارئ يتلمّس بين الحين والحين ارتفاع منسوب السرد أو انخفاضه من مكان إلى تالٍ وهو ما يساعد باشتداد الحبكة التي تنهي بالخواتيم دون تقديم أي حلول جذريّة، إلا مَنّ حلّ وحيداً ولعله أقل الخسارات في نظر بطلاتها ولربما في نظرها هي بالذات، وهو «الهروب من جنة آدم»!

كاتب عربي/ فيينا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى